بالتوازي مع التطور الاقتصادي والتنموي الهام الذي شهدته بلادنا في السنوات الاخيرة، فان النمو العمراني الهائل يبقى من السمات البارزة للعيان من خلال تزايد حركة الانشاء والتعمير بظهور احياء وتجمعات سكنية جديدة بضواحي المدن الكبرى على وجه الخصوص بطريقة فوضوية مثل اقليمتونسوالولايات الساحلية نابل وسوسة والمنستير والمهدية وحتى الولايات الداخلية التي اخذ فيها البناء الفوضوي مأخذه وهو شيء بات معروفا ولا يخفى على احد.. وقد مثل هذا البناء الفوضوي ثقلا ماليا كبيرا على المجموعة الوطنية من خلال التدخل بالتهذيب والتحسين وتوفير المرافق الاساسية من ماء وكهرباء وشبكات تصريف المياه المستعملة.. صعوبات في تنفيذ بعض قرارات الهدم مئات من قرارات الهدم واخرى لايقاف الاشغال ومطالبة المخالف بتسوية الوضعية، يتم اصدارها من طرف السلط المعنية بالجهات من بلديات وولايات على مدار السنة، ولكن عادة ما تعترض البعض من هذه القرارات صعوبات كبرى في التنفيذ اما لاسباب اجتماعية وهي حالات كثيرة جدا من خلال تعمد العائلات المتوسطة الدخل اضطراريا الى البناء بدون رخصة خاصة على العقارات المشاعة الملكية او الغير مهيأة من طرف البائعين وينتشر هذا النوع في ضواحي المدن والقرى وحتى الارياف فحدث ولا حرج فآلاف الهكتارات ابتلعها البناء الفوضوي الذي اتى على الاخضر واليابس رغم القوانين الرادعة التي تضمنتها مجلة التهيئة العمرانية التي تم تحيينها في السنوات القريبة الماضية والتي لابد من اعادة تحيينها حتى تواكب التطور الاقتصادي الذي تشهده بلادنا لتذليل الصعوبات امام الراغبين في الحصول على رخص البناء خاصة في المناطق الريفية حيث يشترط القانون وجوب توفير مساحة 1 هك للحصول على رخصة البناء ويغيب هذا الشرط على مستوى المنطقة البلدية، لكن عدة شروط اخرى تحول دون امكانية الحصول على رخصة البناء لاسباب عقارية بالخصوص وغياب امثلة التهيئة العمرانية والتي ولئن وجدت فهي في حاجة للتحيين ونذكر في هذا السياق ان العديد من البلديات منكبت على دراسات امثلة التهيئة العمرانية التي ينتظر ان تكون جاهزة في غضون الاشهر القريبة القادمة وسيكون لهذه الامثلة العمرانية في نسختها الجديدة دفع كبير لمسيرة التنمية بمختلف اوجهها. رفقا بالاراضي الفلاحية عشرات الهكتارات من الاراضي الفلاحية الخصبة التهمها البناء الفوضوي في السنوات الاخيرة ويكفي ان نذكر معتمدية الحمامات التي فقدت اجنتها وبساتينها وسوانيها الجميلة بقوارصها وليمونها وورودها وفلها وياسمينها وابارها ذات المياه العذبة التي اصبحت مهجورة بعد ان جفت مياهها وبقيت شاهدا على حقبة تاريخية شهدت فيها المنطقة ازدهارا فلاحيا.. اذ زحفت البناءات على تلك المناظر الجميلة وطمستها نهائيا والى الابد بعد ان كانت في ما مضى من مفاخر اهالي الحمامات.. وقد سبق ان تغنت السيدة نعمة بالحمامات في احد اغانيها «الحمامات يا جنة» من تأليف الشاعر الراحل محمد بوذينة الذي ابدع في التباهي بجمال الحمامات.. ويعتبر القطاع السياحي السبب المباشر في التزايد العمراني المهول الذي شهدته المنطقة منذ اواخر السبعينات من القرن الماضي، في ما لم تنجز مشاريع في مجال السكن الاجتماعي تستوعب المواطنين الوافدين من المناطق الداخلية لكسب الرزق،... هذا الوضع الجديد التهم عشرات الهكتارات من الاراضي الزراعية على امتداد السنوات الاخيرة وما زال الزحف متواصلا، رغم المراقبة المتواصلة من طرف السلط الادارية والمصالح الامنية لكن مع الاسف الحالة تتجه من سيء الى اسوا بما ان اصحاب الاراضي اغرتهم الاسعار المرتفعة للعقارات وهم ماضون في البيع من دون توقف وينطبق هذا المثال الذي اخذناه عن الحمامات التي تعبر مثالا حيا على البناء الفوضوي، على عدة مناطق اخرى خاصة الساحلية منها التي تشهد نموا عمرانيا كبيرا. مراجعة امثلة التهيئة العمرانية من اجل التخفيف من وطأة هذه الوضعية الحادة وحتى لا تزداد تفاقما اكثر فأكثر يصعب معها التدخل الناجع فلا بد من العمل على اخذ بعض الاجراءات والحلول المكنة من اهمها معالجة الوضع العقاري وبكل جدية بجهة الوطن القبلي لتحديد الملكية وثبوتها حتى يتمكن كل فرد مالك من التصرف فيه بطريقة قانونية بالبناء او بالاستثمار. نقطة هامة اخرى تتعلق بمراجعة امثلة التهيئة العمرانية الموجودة وانجاز اخرى غير متوفرة ببعض المواقع خاصة بضواحي المدن نظرا لما لامثلة التهيئة العمرانية من دور هام في تحسين الوضع العمراني وضبط الطرق العملية للتدخل في ما يتعلق باسناد رخص البناء وتوفير المرافق الاساسية التي عادة ما تكن بتكاليف اقل في المناطق المهيأة منها بالمناطق المهمشة عمرنيا.