مع بداية كل سنة دراسية تنطلق معاناة البحث عن مبيت لآلاف الطلبة تونس الصباح قبل بداية السنة الجامعية ، او خلال فصل الصيف تنطلق رحلة البحث عن مبيت جامعي من طرف الاف الطلبة والطالبات .. وهذه الظاهرة التي باتت تحير الاولياء والطلبة ليست بالجديدة انما يعود ظهورها الى 5 أو 6 سنوات مضت باعتبار انها نتيجة فرضتها عوامل متعددة من ابرزها تزايد عدد الطلبة بالجامعة ومحدودية امكانيات المبيتات العمومية وكذلك عدم توفق المبيتات الخاصة رغم ما قدم لها من مساعدات مختلفة على تلبية حاجيات الطلبة وتحقيق تكافؤ بين الحاجيات وعروضها المحدودة المقدمة في هذا المجال. لعل الثابت الذي بات مسلّما به اليوم هو ان مشكلة المبيتات الجامعية اصبحت تطرح بحدة في كل سنة جامعية جديدة وذلك على الرغم من تدخلات بعض المنظمات والجمعيات لمساندة مجهود الدولة في هذا المجال. فما هو الواقع الحاصل في ما يتعلق بهذه المبيتات؟ وماذا عن الصور والحالات المسجلة في كل سنة؟ والى اين تسير الامور لايواء الطلبة الذين هم في حاجة الى مبيت ؟ واقع المبيتات اليوم والحاجيات منها تفيد الاحصائيات الجامعية اليوم ان ما يربو عن 120 الف طالب وطالبة هم في حاجة الى الايواء داخل مبيتات جامعية. ولئن يبقى هؤلاء الطلبة في العديد من جهات البلاد، أين تم بعث مؤسسات جامعية جديدة ومبيتات أقل اهتماما وانشغالا بهذا الموضوع فإن الالاف من الطلبة والطالبات في العاصمة والمدن الكبرى مثل سوسة وصفاقس وقابس يعانون من ظاهرة محدودية المبيتات الجامعية وقلتها ، ويتكبدون العناد المعنوي والمادي في الحصول على سرير داخل هذه المبيتات، حتى ان العديد منهم تراه مشغولا بمشكلة الايواء ومنصرفا عن متابعة الدروس بحثا عن هذه الضالة. ولعل مشاهد الطلبة وهم متجمعون امام مقرات الدواوين الجامعية في كل سنة أكبر دليل على ازمة النقص المسجلة في المبيتات. وتفيد الاحصائيات بخصوص تطور عدد الطلبة خلال السنتين الجامعيتين القادمتين وما يليهما ان عدد الباحثين عن مبيتات سوف يتضاعف ليصل الى ما يقارب 150 الف طالب وطالبة. المبيتات الجامعية العمومية لم تتطور بالقدر الكافي ولعل البارز فيما يخص المبيتات الجامعية العمومية انها لم تعد تفي بالحاجة ، ولا ايضا تستجيب لحاجيات الطلبة منها، خاصة في العاصمة والمدن الكبرى. ففي تونس الكبرى لم يسجل بعث مبيتات عمومية جديدة منذ سنوات، وكذلك الامر في ولايتي سوسة وصفاقس اين يأخذ ضغط الحاجة الى المبيتات بعدا اكبر. وعلى الرغم من الاجراءات الخاصة بمنح الطلبة والطالبات سنتي اقامة في المبيتات فقط، فإنه مقارنة بتزايد عدد الوافدين على الجامعة في كل سنة ، لم تعد هذه المبيتات تفي حتى بحاجيات الطلبة الجدد. وقد ادى هذا الوضع الى حرمان الطالبات من الاقامة لسنة ثالثة في المبيت واجبرن على الدخول في معاناة البحث عن مبيت خاص او شقق لاتمام بقية سنوات الدراسة. واثبتت جملة مشاغل الاولياء التي تحصل في بداية كل سنة جامعية ان معاناة الطالبات بخصوص المبيتات الجامعية اكثر وطأة عليهن من زملائهم الطلبة ، مما يجعل العديد منهن يلتجئن الى عائلات لايوائهن او البحث عن شقة داخل العاصمة قد تكون الظروف فيها غير ملائمة للحياة الطلابية. المبيتات الخاصة بين عدم التطور واستغلال الطلبة تجربة المبيتات الجامعية الخاصة وما واكبها من معاضدة ومساعدات لاصحابها من طرف الدولة كالتفويت في الاراضي بالمليم الرمزي واسناد قطع الاراضي من طرف البلديات والمساعدة على مستوى التأثيث وغيره من الحوافز المقدمة لم تتطور بالشكل المطلوب ولم تعاضد بشكل كاف مجهود الدولة في هذا الجانب . ففي العاصمة مثلا بدت المبيتات الجامعية قليلة جدا ، وحتى ما وجد منها يعاني من اشكاليات ومشاكل جعل الطلبة يحجمون على الاقامة فيها، ويلوذون بالشقق بعد تشكيل مجموعات للتساكن. وحول المشاكل الحاصلة في المبيتات الجامعية الخاصة فاننا نجدها تتعدد وتتنوع ، حيث ان بعضها تراجعت فيها الخدمات المقدمة للطلبة بشكل كبير الى غاية انها أصبحت عبارة عن «وكايل» ، فلا ادواش تعمل ولا فضاءات للخدمات الصحية ، علاوة عن جملة من الشروط المجحفة التي يمليها اصحاب هذه المبيتات على الطلبة وتصرفات يقوم بها القائمون عليها لا تمت بصلة الى مستوى التعامل داخل مبيت جامعي . اما بعض المبيتات الاخرى فانها نحت منحى آخر، حيث حافظت على قيمتها كمبيتات اورفعت فيها قليلا، لكن مقابل هذا رفعت في قيمة المعاليم الشهرية الموظفة على السرير لتصل الى حدود 150 دينارا في الشهر، مع جملة من الاملاءات الاخرى المتنوعة التي لا انزل الله بها من سلطان ، فهل تطورت هذه المبيتات لتحاكي الاقامات في نزل راقية؟ وهل ان اصحابها يعتقدون ان الطلبة والطالبات من نوع السياح الذين جاؤوا ليقضوا اسبوع او اسبوعين؟ الحقيقة التي نقلها لنا عديد الطلبة والطالبات حول هذه المبيتات مؤسفة ، ومخجلة وهي تقوم بالاساس على الاستغلال الفادح لهم ولذويهم . فهل ان هذه المبيتات الجامعية الخاصة قامت لتساعد الدولة ام انها ضرب من التفويت في قطاع عمومي استغله اصحابه للاستثراء والاستكراش على حساب الطلبة والدولة التي فسحت لهم المجال من خلال الاستثمار في قطاع جديد بطرق معقولة بعدما قدمت لهم مساعدة متعددة المشارب والجوانب. واذا الاستثناء يبقى حاصلا مع بعض المبيتات واصحابها الذين حرصوا على احترام كراسات الشروط الخاصة ببعث مؤسسات من هذا النوع، فإن الغالبية من هؤلاء ضربوا بكل تلك الامتيازات عرض الحائط وباتوا يملون شروطهم الخاصة على الطلبة. الحاجة تدعو الى مراجعة سير هذا القطاع على جملة من المستويات ان تطور الجامعة التونسية وعدد الطلبة الذي سيكون في حدود 500 الف طالب خلال السنوات القريبة القادمة ، يدعو من الان الى مراجعة ملف المبيتات الجامعية العمومية والخاصة على حد السواء. ففي باب اول لا نعتقد ان السير البطيء في بعث المبيتات الجامعية سيواكب هذا الكم من القادمين الى الجامعة، وهذا يدعو الى تفكير جدي في المسألة. كذلك لقد بات من الثابت ايضا ان برنامج المبيتات الجامعية الخاصة لا بد ان يتطور كما وكيفا ، وان تتخذ في شأنه جملة الاجراءات والقرارات الجديدة ليضطلع بدوره الكامل الذي انيط بعهدته في هذا المجال، ولكي لا يكون مجالا للتكسب والربح السريع لا أكثر ولا اقل . وهذا يدعو الباعثين في هذا المجال الى الايفاء بالتزاماتهم الكاملة في كل ما يتعلق بمفهوم مبيت وبحاجة الطالب وامكانياته المادية ومتطلبات حياته الجامعية على وجه الخصوص .