تونس الصباح: تفيد آخر الأرقام أن الأسطول التونسي من العربات والسيارات السياحية المتجولة على الطرقات الوطنية قد فاق المليون و400 ألف سيارة. ويشار إلى أن معدل السيارات التي تسجل سنويا بعد دخولها التراب التونسي يبلغ 50 ألف سيارة تقريبا، وذلك من خلال 5 سلسلات يتكون عدد السلسلة الواحدة من 10 آلاف سيارة. ونسبة تزايد السيارات الجديدة سنويا في تونس قد استقر على هذا النحو منذ سنوات، وفاقه بكثير في البعض منها، خاصة بعد دخول مشروع سيارات الأربعة خيول أو ما يتعارف عنه ب"الشعبية" حيز التنفيذ. هذا التطور في الأسطول هل واكبه أيضا نمو في البنية التحتية وتعدد المآوي في العاصمة والمدن الكبرى؟ هل نجحت خطة التفويت في المآوي للقطاع الخاص في اطار اللزمة؟ وما هي أبرز المظاهر التي انجرت عن تزايد الأسطول؟ الوضع في العاصمة والمدن الكبرى وضع حركة المرور في العاصمة وتونس الكبرى وعديد المدن ذات الكثافة السكانية وامتلاك السيارات، مثل سوسةوصفاقس وبنزرت وقفصة وبعض الولايات الأخرى جراء ضغوط حركة المرور اليومية أصبح لا يطاق. ففي العاصمة مثلا هناك ما يزيد 400 ألف سيارة تتحرك يوميا على الطرقات، ومن بينها ما يناهز 150 ألف سيارة تدخل شوارعها، وساحاتها وترسي فيها على جوانب الشوارع، وفي الساحات العمومية، وداخل بعض المآوي. وقد نتج عن كثرة هذه السيارات ضغط يومي، وحوادث وتجاوزات في عملية إرساء السيارات. وتتواصل هذه الظاهرة يوميا من الساعات الأولى من الصباح وحتى بدايات الليل. كما أن نفس الظاهرة تبرز في المدن الكبرى التي أشرنا إليها، ولو بأقل ضغط مما يجري في العاصمة، حيث تعيش خصوصا مدن سوسةوصفاقس وبنزرت وقابس وغيرها نفس هذا الوضع، وتعاني بدورها من ظاهرة الإكتظاظ الذي ينعكس على الحركة الاجتماعية والتنقلات التي باتت بطيئة جدا حتى عبر وسائل النقل الجماعي الذي يصطدم بهذه الحركة، فتحد من انسيابه وسيولته، مما جعل مصالح الجميع تتعطل. تطور الأسطول لم يقابله تحسن في عدد المآوي هذا التطور الذي شهده أسطول السيارات يمثل عاملا إيجابيا، اذا ما نظرنا اليه من زاوية الرفاه في وسائل النقل وتنوعها بالنسبة للمواطن، حيث يمكن الإشارة الى أن نسبة هامة من المواطنين، وخاصة منهم الذين ينتمون للطبقة الوسطى الواسعة، أصبحوا يملكون وسيلة نقل خاصة. لكن مقابل هذا، فقد تولدت جملة من المظاهر الأخرى التي وجب الاحتياط منها حتى لا تمثل وسائل النقل الخاصة عائقا على مستوى الحركة اليومية، يكبلها. ومن أبرز ما يمكن الإشارة إليه، هو النمو غير المتكافىء بين الأسطول من ناحية والبنية الأساسية الخاصة به من الناحية الأخرى. وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن الاستشهاد بالتفاوت الملفت للإنتباه بين عدد السيارات في العاصمة الذي يفوق 400 الف سيارة، وعدد المآوي المحدود العمومية منها والخاصة. وهذا العامل قد أدى إلى ظاهرة ركون السيارات على جانبي الشوارع، وهو ما يتسبب يوميا في جملة من الإشكالات على مستوى حركة المرور نتيجة ضيق الشوارع الغاصة بالسيارات، وما يحدث من تجاوزات في طرق ركون هذه السيارات. ولعلنا لو تابعنا هذا البعد الذي تبلى به شوارع العاصمة، والمدن الكبرى مثل ما يجري بمدينة صفاقس على مستوى منطقة باب الجبلي، وفي سوسة وبنزوت للاحظنا كيف تغرق هذه المدن في بحر من السيارات التي تمتد طوابيرها على طول الشوارع الرئيسية منها والثانوية، علاوة على ما تشهده ساحاتها كل يوم. هذه الظاهرة ما انفكت تتزايد وتتكثف سنة بعد أخرى، وقد عم الاختناق معظم شوارع العاصمة والمدن المذكورة جراء السيارات المارة أو الراسية. ولعل التفاوت في استعمال وسائل النقل بين العمومي والخاص هو الذي زاد الطين بلة، حيث أن النقل العمومي بكل وسائله مازال لم يستهو إلا فاقدي وسائل النقل الخاصة، وذلك للمنافسة الحادة بينه وبين النقل الخاص الذي مازالت الغلبة له في تصرفات وذهن المواطن وعقليته، وربما عدم رضاه عن آداء النقل العمومي. تطور المآوي لم يجر ضمن استراتيجية فاعلة رغم ما شهدته البنية التحتية من تطورات خلال العشريتين الأخيرتين، على مستوى جملة من المستويات مثل مد الطرقات الوطنية والسيارة، وبناء المحولات، والجسور والطرقات الشعاعية وغيرها، فإن تطور عدد مآوي السيارات ومواقعها على وجه الخصوص لم يكن متوازيا مع تطور الأسطول. وهذه الجانب لم يخضع أيضا إلى دراسة استراتيجية في بعث المأوي وربطها بمخططات مدروسة، وقادرة على الفعل في واقع حركة المرور، وإرساء السيارات، والتعويل على وسائل النقل العمومية. ومن ذلك نذكر مثلا أنه تم في السنوات الفارطة التفكير في بعث مآو عملاقة تكون في كافة مداخل العاصمة، وذلك للحد من دخول السيارات الى وسط المدينة، والاعتماد على وسائل النقل العمومي لبعض المسافات. لكن هذا المشروع لم يشهد النور، وخلافا لتجربة واحدة تمت على مستوى مأوى بشارع محمد الخامس، واعتماد وسائل نقل تربط بينه وبين وسط العاصمة، غابت كل المشاريع الأخرى في هذا المجال. ولعلنا لو تابعنا تطور المآوي بالعاصمة مثلا للاحظنا أنها محدودة جدا وذلك على الرغم من التفويت في هذا القطاع للخواص. فخلال العشرية الأخيرة لم تشهد العاصمة سوى تشييد بعض المآوي، المحدودة من حيث استيعابها للسيارات. استغلال المآوي من قبل الخواص لم يخل من التجاوزات والربح المفرط وعملا على معاضدة مجهود الدولة في بناء المآوي واستغلالها، تولى بعض الخواص تشييد بعض المآوي، لكن الملفت للانتباه، هو محدوديتها من ناحية، وغلائها الفاحش من ناحية أخرى، حيث يوظف أصحاب هذه المآوي دينارا أو دينارين في اليوم على إيداع السيارة الواحدة، وقد أدى هذا البعد إلى النفور من هذه المآوي، واعتماد المساحات الزرقاء لارساء السيارات، رغم ما يترتب عنها من أخطار ومن تجاوزات تقوم بها شركات الكبالات. وإلى جانب هذه المأوي استغل بعض المواطنين بعض الفضاءات بين العمارات لاستغلالها في شكل مآو خاصة، وقد أصبحت تدر عليهم أموال كثيرة رغم أنها لا تتطلب خدمات كبيرة. مظاهر غريبة في مآوي المؤسسات الخاصة والساحات العمومية المناولة في المآوي الخاصة ببعض المؤسسات العمومية مثل ما يجري في محيط مطار قرطاج الدولي أو موانئ حلق الوادي ورادس وفي محيط مؤسسات أخرى مثل فروع "ستاغ" و"صوناد " وغيرها من المؤسسات الوطنية ذات المآوي الكبرى والتي يقبل عليها المواطنون بسياراتهم، مثلت ظاهرة عامة لدى بعض المتهافتين على كراء هذه المآوي واستغلالها. ولعل الملفت للانتباه أن من تولوا استغلال هذه المآوي في إطار لزمة باتوا يمارسون استغلالا فاحشا للمواطنين من أصحاب السيارات. فعلاوة على حتمية اقتطاعك لتذكرة للدخول إلى هذه المآوي، فإنهم يتصيدون باللحظة كل من تسول له نفسه إرساء سيارته دون تذكرة ولو لبعض الدقائق المحدودة. ففي هذه الحال سرعان ما تصل شاحنة جر السيارة وتنقل إلى مأوى خاص، وتكلفك عملية مثل هذه معلوم حجز يصل إلى 30 دينار، هذا علاوة على الأتعاب التي يتكبدها المواطن لاستعادة سيارته. بعضهم نصب نفسه حارسا في الساحات العمومية والشوارع وداخل المآوي الخاصة ظاهرة أخرى عمت جملة الجهات وارتسمت في الساحات العمومية والشوارع وقرب المراكز التجارية الكبرى، وحتى في المأوى والمحطات الخاصة ببعض الفضاءات الترفيهية. وقد تمثلت في أن نصب البعض أنفسهم حراسا على هذه الأماكن، وباتوا يقبضون معاليم مقابل ارساء السيارات من أصحابها، دون وجه قانوني. فلا البلدية كلفتهم بهذا الجانب، ولا المواطن بات يسلم منهم ومن تطاولهم إن تلكأ في الدفع. جملة هذه المظاهر، ما انفكت تتزايد يوما بعد يوم جراء ما يشهده تطور أسطول السيارات، الذي تقابله محدودية في المآوي لاستيعابها. ونعتقد أن هذه الظاهرة قد بلغت حدا لا يطاق، ولها انعكاسات سلبية على حركة المرور، وأيضا على جيب المواطن وتأمين سيارته، وغيرها من الجانب الأخرى. ولعل فتح ملف المآوي وإرساء السيارات، وتولي البلديات هذا الأمر قد بات ضرويا للحد من الضغوطات المسلطة في هذا لجانب، ووضع استرتيجية واضحة وبنية أساسية خاصة يمكنها أن تؤسس لدور فاعل يلعبه النقل العمومي في المستقبل، وتتنفس عبره المدن الكبرى الصعداء.