الفضول على الأرجح و الرغبة في اكتشاف سينما أخرى قادا بضعة العشرات إلى قاعة سينما الكوليزي بالعاصمة حيث يعرض ليلة الخميس الماضي شريط يوناني بعنوان «لا نوستالجيك» أو« المرأة التي يسكنها الحنين» إن كانت الترجمة موفقة في الوفاء لروح العنوان الذي هو بدوره مترجم من اليونانية إلى الفرنسية وهو في الأصل «إي نوستالغوس»، الإطار الذي عرض فيه الفيلم و كما هو معروف يتمثل في انعقاد الدورة الجديدة لأيام السينما الأوروبية بتونس التي تتواصل بالعاصمة إلى غاية 3 ديسمبر القادم وتستمر إلى ما بعد هذا التاريخ في عدد من مدن الجمهورية . الشريط اليوناني المذكور يعود إلى سنة 2004 ولكن هذا الأمر لا يهم طالما وأن من بين أهداف هذه التظاهرة الثقافية الأوروبية تقديم فكرة عن السينما الأوروبية غير المتداولة وغير المألوفة لدى الجمهور التونسي . فباستثناء سينماءات بعض البلدان الأوروبية على غرار إيطاليا وفرنسا مثلا فإن الجمهور التونسي لا تتوفر له فرص كبيرة للإطلاع على التجارب السينمائية في كثير من بلدان أوروبا . تدورأغلب أحداث الشريط في ليلة واحدة كما أن أغلب المشاهد مصورة في البحر قد لا يكون ذلك مشجعا جدا خاصة وأن أحوال الطقس في بلادنا في وسط هذا الأسبوع كانت بالأحرى باردة والريح قوية ومشاهدة لقطات في الماء أبعد من أن تكون مثيرة في مثل تلك الليالي لكن لا بأس فالقصة تعد بأن تكون رومانسية و من شأنها أن تشد الإنتباه . ما خلناه اندثر من القيم الإنسانية تدور الأحداث حول امرأة في الأربعينات .تبقى مشدودة إلى موطنها إلى تلك القرية الساحلية التي تقع في مواجهة القرية التي انتقلت للعيش فيها صحبة زوجها .كانت النسبة الأكبر من مشاهد الفيلم الذي استغرق حوالي ساعة وربع الساعة تدور في البحر وأثناء الليل .تصفح الوجوه كان ممكنا بفضل الضوء الذي يبعثه القمر حيث كان البدر مكتملا ليلتها .الشخصية المحورية في الفيلم تدعى «آنا ». آنا اشتد شوقها في تلك الليلة المشهودة إلى قريتها حتى أنها استقلت القارب الصغير صحبة رجل شاب ومفتول العضلات تماما كما تصوره قصص الخيال الغابر حول أبطال الإغريق في غياب زوجها الذي يعود من عمله بالبحر كل ليلة عند منتصف الليل .لكل أسبابه للتعلق بمكان ما .بالنسبة ل«آنا» كشفت الأحداث في النهاية عن قصة حب انتهت نهاية مأساوية . وحتى لا يذهب الخيال بالمشاهد بعيدا .أخذت مخرجة الفيلم «إيلينا ألكسندراكي» كل احتياطاتها حتى تؤكد من خلال مختلف المشاهد ومن الحوار ومن المواقف والحالات النفسية التي عاشها ليلتها البطلان أن المسألة بقيت في إطار الحب العذري .لم تشأ المخرجة تعكير صفو القصة كما أن نيتها كانت مبيتة في الإنتهاء بإظهار مختلف الشخصيات في شكل إيجابي بما في ذلك المغامران .لم تخن «آنا» زوجها الكهل في مغامرتها بالبحر كما أن هذا الزوج الذي يحمل داخل ذلك الجسم الضخم قلب طفل صغير قد تفهّم رغبة زوجته في العودة إلى موطنها . صور الفيلم بالتوازي مع القصة التي تتداخل فيها الأحداث بين ما هو آني وبين ما هو أحداث سابقة يتم الخوض فيها من خلال تقنيات «الفلاش باك» صور أجواء الحياة بالقرى الساحلية اليونانية وقدم صورا رومانسية تبرز مواطن الجمال في مناطق بحرية لا تزال تحتفظ بعذريتها ولم تغزها بعد السياحة .وينتهي المشاهد بالتأكد بأن الحياة بالقرى المتوسطية تكاد تكون هي ذاتها سواء كنا بالضفة الجنوبية أو بالضفة الشمالية وتزداد نقاط التقارب عندما يتعلق الأمر ببلدان الحوض الواحد وفي قضية الحال فإن الأمر يتعلق بالحوض الغربي للمتوسط ..السلوك أيضا يكاد يكون متشابها وخاصة فيما يخص بعض العقليات .البيوت الساحلية تكاد تكون متشابهة وطبيعة الحياة اليومية البسيطة على السواحل و حول الميناء جد متشابهة أيضا خاصة منها ما يتعلق بالغذاء وقد تكررت في الفيلم مشاهد المطبخ و خاصة وجبة السمك المقلي . تحيي المخرجة من جهة أخرى عددا من القيم تكاد تضيع في خضم الحياة العصرية من بينها التعلق بالأرض و بالعائلة وبالذكريات لم لا . ربما لا يكون هذا الشريط من طينة الأفلام التي تثير حماسة المشاهد خاصة وأن الإيقاع كان بطيئا وأن الأحداث تداخلت كما أن الشريط اعتمد على تقنية السرد وتعدد الرواة بين نساء رجال وحتى أطفال لكن أهم ميزة أنه يقدم مناخات قريبة جدا من المشاهد التونسي الذي لا نخال أن تلك الحياة البسيطة والمتقشفة بالقرب من البحر لا تثير حنينه ليس فقط من باب ما يمكن أن يكون قد عاشه من ذكريات ولكن أيضا لما يمكن أن تثيره فيه من حلم في زمن لم يعد يحفل بالقيم التي ذكرنا كثيرا .الفيلم في نهاية الأمر مشحون بالرموز وهو لا يهتم بالحدث في حد ذاته وإنما بما يمكن أن يثيره في ذهن المشاهد من أسئلة .