نظريا بدا الوجه الجديد لادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما يكتمل وسط تطلعات وانتظارات الراي العام الدولي والعربي بان يكون الرئيس الرابع والاربعين قادرا على تجاوز حصيلة ثماني سنوات من ادارة سلفه بوش التي كانت نتائجها كارثية على الولاياتالمتحدة كما على العديد من دول العالم. وقد جاء الاعلان بالامس عن تعيين راي لحود عضو الكونغرس الجمهوري ذي الاصول اللبنانية ضمن طاقم ادارة اوباما ليثير الكثير من التكهنات والقراءات المتفائلة بشان توجهات السياسة الخارجية الامريكية المرتقبة في منطقة الشرق الاوسط وفي العالم العربي. والحقيقة ان هذا التعيين ورغم ما يمكن ان يكتسيه من اهمية معنوية او سياسية خاصة في صفوف الامريكيين من اصول عربية الذين يعترفون بجهود راي لحود الرجل الذي برز بجهوده ومواقفه في مواجهة مظاهر التمييز ضد العرب الامريكيين في المطارات الامريكية او غيرها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فان الحقيقة ان الامر لا يمكن تحميله اكثر مما يحتمل. وقد لا يختلف اثنان في ان الرئيس الشاب باراك اوباما الذي حمل راية التغيير في امريكا سيكون امامه كسب الورقة الامريكية التي يمكن ان تفتح له ابواب الترشح لولاية ثانية بما يعني ان اولويات سيد البيت الابيض ستتجه الى ارضاء الناخب الامريكي بالدرجة الاولى وذلك ببحث كل الاسباب التي من شانها ان تساعد على تجاوز الازمة المالية المعقدة واستعادة ثقة الراي العام الامريكي الذي اثقلت كاهله خيارات الادارة السابقة وانهكت ميزانيته بشكل لم يكن احد يتوقعه عندما قرر الرئيس بوش الدخول في الحرب ضد الارهاب في افغانستان ثم في العراق... ومع ان الموضوعية تفترض عدم استباق الاحداث او اصدار الاحكام المسبقة فان الواقعية ايضا تفترض كذلك عدم الافراط في التفاؤل وعدم التعويل على اوباما لاصلاح ما افسده سلفه. ذلك ان صناعة القرار السياسي الامريكي لا تتغير بتغير الاسماء والوجوه ولكنها تخضع للمصالح الامريكية. ورغم القناعة الحاصلة لدى اغلب المراقبين بان اوباما سيحرص على استعادة مصداقية امريكا وصورتها في العالم فانه من غير المرجح ان يتمكن باراك اوباما من تحقيق ذلك في وقت قياسي.. لقد ظل اوباما حتى الان حريصا على ان ترتبط وعوده بالوضع الداخلي الامريكي في حين ظلت قضية السلام في الشرق الاوسط خاضعة في اغلب تدخلاته للنظرة القديمة الجديدة لكل رئيس امريكي بأن أمن اسرائيل غير القابل للجدل... ومن هذا المنطلق وبعيدا عن استعدادات العاصمة السياسية الامريكية لاستقبال رئيسها الجديد فان المشهد لا يبدو مغايرا في العواصمالغربية... ومع بدء العد التنازلي لنهاية السنة الجارية عادت وعود كبار السياسيين في الغرب لتردد بلغة ببغائية لا تختلف عن لغة العام الماضي او حتى الاعوام التي قبلها بان سنة 2009 ستكون سنة السلام والتغيير في الشرق الاوسط... واذا كان الرئيس الفرنسي قد كشف في هذه الايام الاخيرة من العام الذي نودعه عن خطة فرنسية جديدة للسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين يعتزم تقديمها الى جمهورية تشيكيا التي تستعد لرئاسة الاتحاد الاوروبي بعد ايام فان بريطانيا بدورها وعلى لسان وزير خارجيتها ميليباند باتت تروج لمزيد الوعود الاقتصادية لتحفيز العملية السلمية، كل ذلك طبعا دون ان ننسى تصريحات اولمرت او ما تسعى له روسيا منذ فترة لعقد مؤتمر للسلام في موسكو خلال السنة القادمة فضلا عن لقاء الوداع الذي جمع بالامس الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الامريكي المتخلي جورج بوش الذي تخلى عن دور الوسيط النزيه المطلوب ليتحول الى اكثر الرؤساء الامريكيين دفاعا ودعما لاسرائيل في محاولة يائسة لمنح ادارته اعترافا مجانيا بجهود وهمية لقاء حصيلة مفلسة لسياساته وخياراته في دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين. والحقيقة ان في هذا الاجماع والذي قلما يحدث يقر علنا بان غياب الحل السياسي في الصراع الدائر في الشرق الاوسط من شانه ان يجعل المنطقة بؤرة مفتوحة للصراعات والتوترات الدموية ظل دوما يفتقر للاهم بما يعني الارادة السياسية الفعلية والرغبة الصادقة في تغيير المشهد المعقد في المنطقة والذي يحتاج بدوره الى ارادة شعوبه وقياداته في تحديد اولوياتها وانقاذ مصيرها...