ذهب بوش... جاء أوباما، فهل يصلح الرئيس الجديد ما أفسده سلفه؟ يبدو ان الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما سيكون محظوظا على الاقل من جانب اسرائيل بعد ان قررت الترويكا في المجلس الامني بتل أبيب وهو ثلاثي الحرب اولمرت ليفني باراك وقف عملية الرصاص المسكوب على قطاع غزة بعد حملة عشوائية امتدت ثلاثة وعشرين يوما بلياليها بما يمكن ان يفسح
المجال للراي العام الدولي بان يتجه بانظاره الى واشنطن والى حفل تنصيب سيد البيت الابيض الجديد دون ان يكون مضطرا ليدير عنقه باتجاه مشاهد الخراب والدمار والموت السريع في غزة واحصاء قوافل الشهداء والمصابين هناك .لقد جرت العادة ان يسعى الرئيس الامريكي الجديد ليكون رئيس الوزراء الاسرائيلي ضمن اول قائمة ضيوفه الاجانب وهو بالتاكيد تقليد ديبلوماسي حافظ عليه الامريكيون وتمسك به الاسرائيليون لضمان موقعهم لدى كل ادارة امريكية جديدة وتاكيد نوعية العلاقات بينهما بفضل الدعم الكبير الذي يحظون به من الكونغرس بشكل خاص ومن مختلف مؤسسات صناعة القرار الامريكي بشكل عام فضلا عن الموقع الذي نجحوا في التوصل اليه لدى مختلف المؤسسات الاعلامية النافذة... ولاشك ان اوباما سيكون في انتظار ما ستحمله الانتخابات الاسرائيلية بعد ثلاثة اسابيع ليعلن استقبال رئيس الوزراء الجديد في اسرائيل وربما يبدا بالكشف عن نواياه وجهوده فيما يتعلق بملف الشرق الاوسط المعقد وتتضح معه حدود ما يمكن لفريق هيلاري كلينتون تقديمه في المنطقة التي شهدت خلال فترة قصيرة اكثر من حرب كانت لها تكاليفها على الانسان والاقتصاد... ولاشك ان في حصيلة السنوات الثماني الماضية لرئاسة الرئيس جورج بوش الذي يغادر غير ماسوف عليه ما يمكن ان يفسر اكثر من أي وقت مضى هذا الاهتمام الواسع بالرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما لامن جانب الراي العام الامريكي الذي انهكته الضرائب والازمات الاقتصادية المتواترة وتراجع صورة امريكا في العالم وضياع مصداقيتها فحسب بل كذلك من جانب الراي العام الدولي وخاصة العربي الذي بات ينظر بكثير من الازدراء والغضب الى قرارات السياسة الخارجية الامريكية المعادية له والى الفيتو الامريكي القائم دوما كسيف مسلط على الرقاب لاجهاض تطلعاته المشروعة في اروقة الاممالمتحدة... وكما ان للرئيس المغادر الذي سيحمل لقب "اسوا رئيس في تاريخ امريكا " اولوياته المعلنة التي لم يعد احد يهتم بها وهي اولويات شخصية ما انفك يروج لها تنطلق من حرص من جانبه على مواصلة الترويج لافكاره ومبادئه بشان الحرية والديموقراطية التي اثبتت افلاسها في اكثر من موقع من العراق الى افغانستان وفلسطين ولبنان وايران فانه في المقابل للرئيس الامريكي الشاب اولوياته التي ستكشف عن توجهات واختيارات زعيم القوة الاولى في العالم لا سيما وان اوباما توخى حتى هذه المرحلة الكثير من التعتيم والتكتم حول سياسته الخارجية واعتمد خلال حملته الانتخابية لغة التعميم دون التخصيص والايحاء دون التحديد ليفتح بذلك الابواب امام كل الاحتمالات والقراءات والتاويلات. ولاشك ان حرص اوباما طوال الاسابيع الثلاثة من العدوان السرش على غزة على توخي الحذر المطلق وتجنب اعلان موقف واضح من العدوان الاسرائيلي على غزة ما يثير الكثير من نقاط الاستفهام حول ما يمكن ان يحمله الرئيس الامريكي من جديد في ملف الشرق الاوسط الذي لم يشهد خلال السنوات الثماني الاخيرة لسلفه الجمهوري غير الوعود الزائفة والفرص الضائعة ومحاولات التدويخ حول مفاوضات لم يجن منها الفلسطينيون غير المزيد من المستوطنات... واذا كان الرئيس الامريكي اوباما قد اختارالوصول الى البيت الابيض مقتفيا خطى الرئيس الاسبق ابراهام لينكولن ومشددا في ذات الوقت امام نصب الزعيم مارتن لوثر كينغ الذي تغنى ذات يوم بخطابه "لدي حلم" Ihave a dream قبل ان يدفع ثمن ذلك الحلم بدمائه بان امريكا لا تزال ارض المفاجات والاحلام فان الاكيد ان الكثيرين يتطلعون الى الا تتوقف حدود التغيير الذي وعد بها الرئيس الامريكي الافريقي الاصل خلال حملته الانتخابية عند المظاهر الاحتفالية التي اراد لها طابعا خاصا يحمل في طياته رسالة لا تخفى على مراقب وهي ان الذين كانوا عبيدا بالامس باتوا اسيادا اليوم بفضل نضالاتهم وتضحياتهم واصرارهم على اقتلاع حقوقهم المدنية ورفض كل قيود التمييز والتهميش والرفض الذي مورس عليهم طوال عقود كانوا خلالها وقود العجلة الاقتصادية الامريكية واسباب هيمنتها الاقتصادية. لقد اختار اوباما او هذا على الاقل ما تسرب حتى الان ان يبدا اول ايام حكمه في البيت الابيض بلقاء مع الفريق المكلف بالعراق ولعل في ذلك ما يعكس رغبة في اظهار نواياه لدى الناخبين بانه مصر على الحفاظ على الوعد الذي قطعه خلال حملته الانتخابية وعدم انطلاق ولايته بما يمكن ان يخذل او يهز ثقتهم على ان تغيير في خيارات الادارة الامريكية قد لا يكون بهذه البساطة وان تحقيق الوعد الاول بالانسحاب من العراق يتطلب اكثر من ذلك... الارث الثقيل الذي سيكون اوباما مضطرا لتحمله نتيجة سياسات سلفه لن يعفيه من المسائلة والانتقادات امام تفاقم التحديات واولها التحديات الداخلية في مواجهة راي عام يستعجل التغيير ويتطلع لانهاء اسوا ازمة اقتصادية منذ ثلاثينات القرن الماضي ولكن ايضا يتطلع الى القطع مع ولاية الرئيس الاقل شعبية لدى الامريكيين... وعسى ان تكشف الايام القليلة القادمة ما خفي من سياسة الرئيس أوباما...