تونس الصباح: كشفت نتائج الاستشارة الوطنية حول التشغيل وتظاهرة الحوار مع الشباب أن العديد من خريجي مؤسسات التعليم العالي الفلاحي أو مراكز التكوين المهني الفلاحي يعانون من البطالة رغم وجود آلاف الهكتارات من الاراضي غير المستغلة على النحو المطلوب.. ويطالب الكثير من هؤلاء الشبان بتمكينهم من فرص أكبر للظفر بمواطن شغل من ناحية وبإحياء تلك الاراضي البور والاراضي الفلاحية غير المستغلة من ناحية أخرى.. كما أنهم يتوقون إلى تسهيل عمليات حصولهم على قروض فلاحية تمكنهم من بعث مشاريع تدر على المجموعة الوطنية أرباحا هامة وتمتص المشكلات المتعلقة بارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية.. ولا شك أنها مطالب مشروعة ويعد تحقيقها أمرا ضروريا في هذا الظرف الذي يتسم بارتفاع أسعار المواد الغذائية وغلاء كلفة قفة المستهلك وتزايد حجم الاستهلاك العائلي.. ولكن إذا لم تتحقق مثل هذه المطالب وبقي الكثير من المهندسين الفلاحيين والتقنيين السامين أو خريجي مراكز التكوين المهني الفلاحي عاطلين عن العمل فأية فائدة ترجي من تكوينهم وتخريج دفعات جديدة منهم سنويا من الجامعات أو من تلك المراكز؟ وفي هذا الصدد يمكن الاستشهاد ببعض المعطيات الرقمية التي كشف عنها التقرير الوطني الاخير حول التطور التربوي بتونس 2004- 2008 الصادر عن اللجنة الوطنية التونسية للتربية والعلوم والثقافة بوزارة التربية والتكوين.. وقد ورد في هذا التقرير أن منظومة التعليم العالي الفلاحي تتكون من 11 مؤسسة. وتخضع مؤسسات التعليم العالي الفلاحي إلى الاشراف المزدوج بين وزارة الفلاحة والموارد المائية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا ويتمّ التنسيق بين المؤسسات والوزارتين عن طريق مؤسسة البحث والتعليم العالي الفلاحي والجامعات المعنية. كما أشار التقرير إلى أن عدد خريجي مؤسسات التعليم العالي الفلاحي تطور خلال السنوات العشر الاخيرة من 384 سنة 1997 إلى 1183 خريجا سنة 2007 كما أن نسبة النجاح بمؤسسات التعليم العالي الفلاحي تعد مرتفعة وهي في حدود 97 فاصل 10 بالمائة ويعود ذلك إلى نسبة التأطير المرتفعة من جهة والتركيز على المواد التقنية والتطبيقية من جهة أخرى. وتشمل مؤسسات التعليم العالي الفلاحي على مراحل مختلفة من التعليم العالي مثل مرحلة الدراسات التحضيريّة في البيولوجيا والجيولوجيا (سنتان بعد الباكالوريا ) ومرحلة تكوين فنيين سامين (3 سنوات بعد الباكالوريا) ومرحلة تكوين المهندسين شهادة مهندس وطني (3 سنوات على إثر مناظرة وطنية بعد مرحلة الدراسات التحضيريّة) ومرحلة ماجستير ودكتوراه (بعد الدراسات الهندسيّة وعلى إثر مناظرة حسب الملفات) ومرحلة تكوين أطباء بياطرة (على إثر مناظرة وطنية بعد سنة تحضيرية بيولوجيا والجيولوجيا).. وتدوم الدراسة 5 سنوات للحصول على شهادة طبيب بيطري ويغطي التكوين العالي الفلاحي عديد الميادين على غرار الانتاج النباتي والانتاج الحيواني والهندسة الريفيّة والمياه والغابات والصيد البحري وتربية الاحياء المائية والصناعات الغذائية والاقتصاد الريفي والطب البيطري ويتفرع كل من هذه الميادين إلى اختصاصات تشمل عديد الانشطة في الميدان الفلاحي والصيد البحري والصناعات الغذائية والطب البيطري. وتوجد جلّ مؤسسات التعليم العالي الفلاحي بالريف لتستغل ضيعات فلاحية ولكي يكون بإمكان الاساتذة والطلبة معاينة جميع الانشطة والاشغال الفلاحية عن كثب كما تمثل الزيارات الميدانية والتربصات تكملة للتكوين النظري بما يجعل الطالب عند حصوله على الشهادة متمكنا من التقنيات التي تؤهله للحياة المهنية على أحسن وجه. ويذكر أنه مع مطلع السنة الجامعية الجارية انخرطت مؤسسات التعليم العالي الفلاحي التي تكون في مرحلة تقني سامي في منظومة "إ.م.د" وستأخذ الاجازة التطبيقية مكان مرحلة تقني سام. وتضّم مؤسسات التعليم العالي الفلاحي ما يقارب 6900 طالب وقد تزايد نسق عدد الطلبة المرسمين بمؤسسات التعليم العالي الفلاحي خلال السنوات الاخيرة وفقا لتزايد عدد الناجحين في شهادة الباكالوريا وكان عدهم نحو 4617 خلال سنة 2002-2003 ويوجه سنويا حوالي 1200 ناجح جديد في شهادة الباكالوريا إلى مؤسسات التعليم العالي الفلاحي منهم ما يقارب 500 طالب نحو السنوات التحضيرية للدراسات الهندسية و700 طالب نحو مرحلة فني سام أما عن مرحلة تكوين المهندسين فيتم توجيه حوالي 700 طالب من ضمن الناجحين في المناظرات الوطنية للدراسات الهندسية في اختصاصات بيولوجيا - جيولوجيا، ورياضيات- فيزياء وتقنية وتمثل الفتيات نسبة هامة من مجموع الطلبة (معدل 53 في المائة). ولكن رغم ذلك ورغم الاموال التي تصرف سنويا على تكوين هؤلاء الخبراء فإن العديد منهم يعانون من البطالة ويتوقون إلى الحصول على قروض ومقاسم فلاحية تساعدهم على بعث مشاريع فلاحية.. التكوين المهني الفلاحي بالاضافة إلى المكانة التي يحظى بها التعليم العالي الفلاحي فإن منظومة التكوين المهني الفلاحي تخرج بدورها سنويا عددا هاما من المتكونين وفي جرابهم خبرات هامة في المجال الفلاحي يمكن توظيفها والاسفادة منها.. وفي هذا الصدد يشير التقرير الوطني الجديد حول التطور التربوي بتونس سالف الذكر إلى أن جهاز التكوين المهني في الفلاحة والصيد البحري يلعب دورا أساسيا في النهوض بالقطاع الفلاحي انطلاقا مما يوفره من يد عاملة مختصة ونظرا إلى ما يسعى إليه من ترفيع في مهارات الناشطين في القطاع ومؤهلاتهم. وتؤمن مؤسسات التكوين المهني التكوين الاساسي الذي يهدف إلى تأهيل المتربصين لممارسة حرفة أو مهنة تستوجب إحدى الشهادات والمؤهلات التالية: إما شهادة الكفاءة المهنية أو مؤهل التقني المهني كما تؤمن التكوين المستمر للناشطين في القطاع الفلاحي بهدف دعم المعارف العامة والمهنية المكتسبة للعاملين في القطاع الفلاحي والصيد البحري وهو موجه إلى عدة فئات أهمها الفلاحون والبحارة وأبناؤهم وكذلك المرأة الريفية والباعثون الشبان وغيرهم وهي تعمل على تحسين المؤهلات الفنية للاطارات والاعوان العاملين بمختلف مصالح التكوين والارشاد الفلاحي. وتتمثل الاهداف المرسومة في مجال التكوين المهني الفلاحي خلال المخطط الحادي عشر في دعم التكوين المهني كمسلك للنجاح ومواصلة تأهيل منظومة التكوين المهني ورفع مردوديّة هذا الجهاز وذلك بجعل التكوين المهني الفلاحي يستجيب كمّا وكيفا للحاجات الراهنة والمستقبلية للقطاع من اليد العاملة المختصة والتقنيين وذلك بالاعتماد على آليات دقيقة لتحديد هذه الحاجات وعلى طرق بيداغوجية متطورة وعلى أنماط تنظيميّة عصريّة للمراكز مع الرفع في طاقة التكوين. كما تتمثل في بلوغ طاقة تكوين بنحو 3000 موطن تكوين تمكن من ضمان 2000 متخرج من منظومة التكوين المهني الفلاحي وتتمثل في ضمان استفادة 15000 من رواد منظومة التكوين المستمر سنويا وتأهيل 16 مؤسسة وإعداد 26 برنامجا وفق المقاربة بالكفايات وتركيز تمشي الجودة في 8 مؤسسات وتحسين نسبة التأطير بتوفير 283 مكونا إضافيا.. ويبدو من خلال هذه التوجهات أنه يوجد انشغال كبير بمنظومة التكوين المهني الفلاحي فهل سيؤدي ذلك إلى تجاوز الصعوبات التي تعترض خريجي هذه المنظومة وخاصة ما يتعلق منها بالتشغيل؟