تونس-الصباح: يبدو أن أصواتا عديدة بدأت ترتفع في أوساط رجال الأعمال والمستثمرين التونسيين، للمطالبة أو على الأقل اقتراح التخفيض في نسب الفائدة المعمول بها في البنوك التونسية، والتي تعرف اختصارا ب(TMM) خصوصا بعد عديد التصريحات التي أدلى بها رجال الأعمال، وفي أعقاب البيان الذي أصدرته منظمة الأعراف قبل نحو أسبوعين إثر اجتماع مكتبها التنفيذي، وهي تصريحات عكست وجود أزمة حقيقية في بعض القطاعات الاقتصادية والتصديرية، على غرار الميكانيك والالكترونيك والنسيج والجلود والأحذية، على خلفية تداعيات الأزمة المالية العالمية.. وعلى الرغم من الإجراءات الكبيرة التي اتخذتها الحكومة قبل بضعة أيام، للحدّ من تأثيرات هذه الأزمة على الاقتصاد الوطني، وبخاصة على عديد القطاعات الانتاجية والتصديرية، فإن محيط الأعمال في تونس وعديد المراقبين للوضع المالي، يرون أنّ إجراء التخفيض في نسب الفائدة البنكية على القروض، من شأنه التشجيع على الاستثمار وتحريك الاقتصاد الوطني وتنشيط السوق المالية بجميع مكوناتها، بالإضافة إلى بعث حياة جديدة في قطاع الخدمات الذي تعوّل عليه الحكومة خلال المرحلة المقبلة.. وكانت أوساط برلمانية عديدة، تساءلت في وقت سابق عما إذا كانت الحكومة تنوي - بالفعل - التخفيض في نسبة الفائدة، في السوق النقدية من أجل دعم الاستثمار في البلاد في وقت يشهد الاستثمار تراجعا في عديد البلدان في العالم.. واللافت للنظر، أن معظم الدول الصناعية، اتخذت إجراءات مختلفة للتخفيض في نسب الفائدة البنكية، بل إنّ بعضها يتردّد في اتخاذ خطوات غير مسبوقة في مجال السوق النقدية، في سياق تجاوز الأزمة المالية العالمية وتداعياتها الكبيرة على اقتصادياتها.. إجراءات سابقة... وكانت الحكومة قررت جملة من الإصلاحات على مستوى تصحيح الأساس المالي للقطاع البنكي، ساهمت - من وجهة النظر الرسمية - في التخفيض في معدّل نسبة الفائدة الفعلية المطبقة على القروض متوسطة الأجل من 25،8% منذ سنة 2005، قبل أن تصل إلى 90،7% العام 2008، فيما انخفضت نسبة الفائدة الفعلية المطبقة على القروض طويلة الأجل من 26،8% سنة 2005 إلى 07،8% خلال العام 2008. وترى الأوساط الحكومية أن القروض لفائدة الاقتصاد الوطني، سجّلت تطورا بنسب مرضية، حيث بلغت نحو 8،9 بالمائة في موفى سبتمبر 2008، مقارنة بنهاية ديسمبر 2007، مقابل تطور بنسبة 6% خلال ذات الفترة من السنة الماضية، فيما عرفت نسبة تطور بحوالي 8،13% في موفى سبتمبر 2008 قياسا بحجم التطور في العام 2007.. كما تطورت مصادقات البنوك لتمويل الاستثمار خلال سنة 2007، بنسبة 22%، مقابل 4% سنة 2006، فيما تشير البيانات إلى ارتفاع نسبة المصادقات على مستوى 25% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام المنقضي. بين الفائدة والتضخم وتربط الدوائر المعنية بالشأن المالي بين قرار التخفيض في نسبة الفائدة في السوق النقدية، ووضعية التضخم في البلاد، وهو ما يفسّر قرار السلطات النقدية منذ فترة غير بعيدة، الترفيع في نسبة الاحتياطي الاجباري للبنوك من 5% إلى 7% في أفريل من العام 2008، وإلى 10% في سبتمبر الفارط، وذلك بغاية الحدّ من آثار فائض السيولة الراجع بالأساس إلى التدفقات المالية الخارجية، سيما تلك المرتبطة بالاستثمار الأجنبي المباشر على نمو الكتلة النقدية، عوضا عن الترفيع في نسبة فائدته المديرة، وذلك في سياق تفادي ارتفاع تكلفة تمويل الاستثمار من قبل الجهاز البنكي، والحدّ من تطوّر قروض الاستهلاك.. من جهة ثانية، اضطرت الحكومة إلى اتخاذ عديد الإجراءات الإضافية لدفع الاستثمار، خصوصا من خلال رصد مبلغ 3900 مليون دينار (أي نحو 20%)، من المبلغ الذي وقع رصده في قانون المالية للسنة الماضية تحت عنوان اعتمادات التنمية. على أن هذه المسوّغات التي تقدمها السلطات النقدية، لاستبعاد إمكانية التخفيض في نسبة الفائدة البنكية، لا تبدو مقنعة، في نظر رجال الأعمال والمستثمرين المحليين على وجه خاص، على اعتبار أن أي قرار بالتخفيض في هذه النسبة من شأنه مزيد تفعيل الاقتصاد الوطني ودفع حركية الاستثمار، إلى جانب تنشيط السوق المالية، خصوصا في ضوء إقرار الحكومة بوجود تعقيدات في مستوى بعض القطاعات الحساسة في البلاد... فهل تستجيب الحكومة لنداءات رجال الأعمال والمتثمرين، أو لديها وجهة نظر أخرى؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال...