توزر/الصباح شاعر أحبّ الأرض.. فرفض مغادرتها.. أحبّ الكلمة الفاعلة فنذر حياته لها.. أحبّ الحياة فكتب أحلى القصائد التي تنتصر للانسان الحر.. آمن بقضية وطنه فتسلّح بالشعر مدافعا.. مكافحا محتضنا أطفال فلسطين الذين أعلنوا ميلاد جيل جديد صامد.. في مواجهة كل آلات الدمار الاسرائيلية.. سميح القاسم بحيوته المعهودة جاء توزر ليحتفي بشاعر تونس الخالد أبو القاسم الشابي وليؤكد بين احضان الخيمة المطلة على واحات توزر وبحضور عدد غفير من المثقفين وجمهور الشعر في مدينة الجريد أن سلاحه الذي أشهره في وجه الاحتلال الاسرائيلي هو الكلمة التي تكتب الحياة في أجل معانيها وتكتب الحرية في أبهى مظاهرها. سميح القاسم بتواضعه المحبب الى النفوس تحدث ل«الصباح» من توزر وهذه الحصيلة. ** سميح القاسم جاء توزر للاحتفاء بالشابي... كيف بدأت علاقتك بهذا الشاعر؟ منذ الطفولة.. وفي المدرسة حيث كنّا نردد ونحن تلاميذ: اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر.. من رائعته «ارادة الحياة» التي أعتبرها عنوان نضال كل الشعوب في مواجهة الظلم والاستبداد.. ارادة الحياة شعار كل الأحرار الرافضين للاستغلال والمدافعين عن قيم الحرية. جئت الى توزر للمشاركة في الاحتفاء بذكرى ميلاد الشابي وبداخل نفسي حيرة وتساؤلات. * ما هي أسباب ذلك؟ كنت أتمنى لو أخذ الاحتفال بالشابي بعدا عربيا تخليدا لروحه.. وأرى في هذا المجال ان الشابي وأحمد شوقي والجواهري من رموز الابداع في العالم العربي فلماذا لا يتم التنسيق بين كامل الدول العربية للاحتفاء بهذه الرموز.. واني أسأل في ذات الوقت عن سبب غياب اتحاد الكتاب العرب عن ذكرى الشابي الذي تدرس دواوينه في المعاهد والجامعات العربية ويردّد قصائده كل لسان عربي.. هي حيرة وأسئلة لم اعثر لها عن جواب شاف ومقنع.. ** لو أعود بالشاعر سميح القاسم الى البداية مع الشعر في فلسطين.. أي تأثير لعائلتك على ما تكتبه من أشعار؟ اشير هنا أن والدي كان مثقفا وهو من القراء المواظبين على ما أكتبه من شعر.. الا انه كان يقول لي دائما ان الشعر لا يمكّن صاحبه من تأسيس أسرة. ** لكنك كنت مصرا على الشعر؟ في كل ما كتبته من شعر لا أفصل بين الاسرة والوطن.. لا أضع حدودا بين ما هو عائلي وما هو وطني.. الوطن والشعب كيان واحد والالتحام بينهما حقيقة قدرية تحكمني دون اختيار. ** هل يمكن الحديث عن جمهور خاص لشعر سميح القاسم؟ الشاعر لا يكتب لجمهور بعينه والحس الجماهيري جزء من تكوين الشاعر النفسي.. الشاعر يعبّر عن نفسه بشكل مباشر لان الجماهير جزء منه. ** الشاعر مطالب بهذه الصفة بضرورة الالتحام مع الجماهير؟ بالفعل.. ولا أخفي سرا اذا قلت انه حول اسوار القدس العربية ووسط الجماهير الفلسطينية الغاضبة والصامدة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي ولدت جلّ قصائدي ان لم تكن كلها: «حب على الطريقة الفلسطينية» التي تم تلحينها وقدمها أكثر من صوت وقصيد «تقدموا».. ** سلاحك في مقاومة الاحتلال: الكلمة نعم سلاحي الكلمة ضد كل من يستهدف عروبتي وفلسطيننا.. فلغتنا العربية ثرية وشعرنا العربي متنوع وثري.. فالعمود الشعري والوزن والقافية من أجنحة الحرية التي نعبر بها عمّا في أعماقنا.. لذا فالكلمة الصادقة في مقدمة النضال ولا مجال للاستغناء عنها. ** اخترت عن اقتناع البقاء داخل فلسطين.. لم تهاجر.. مما دفع بالعديد من النقاد الى اطلاق صفة «التحريض» على كل ما كتبته من أشعار وهو أمر قد يكون ضيق عليك الأفاق؟ ليست هذه المرة الأولى التي أسمع فيها هذا السؤال الذي أعتبر موقف النقاد من النظريات المضحكة كأن يقول لك اذا اردت ان تتطور فنيا غادر وطنك.. ولا أخفي سرا اذا قلت انه في اطار تجربتي حققت من التطور ما لم يتح لأي شاعر آخر.. والدراسات النقدية المتعددة تشهد على ذلك. ** هل يأتي على الشاعر وقت يشهد فيه ابداعه تراجعا؟ ان الشعر ككل اشكال التعابير الفنية هو شكل من اشكال الدفاع عن النفس اسميه انا المقاومة.. في اشعاري ادافع عن نفسي.. أدافع عن شجرة هنا وعن واد هناك.. هذا الزخم الابداعي هو دفاع عن التاريخ وعن الروح والمنزل وعن قصيدة اوجدت هذا التراكم او هذه الغزارة نتيجة لرغبة دائمة وفي ظروف خاصة.. ان الشعر لا بد أن يكون معبّرا وناطقا ومصورا وناقلا لظروف ومعاناة يعيشها المبدع.. الشعر كلمة وفعل وتعابير لها مكانتها.. وليس كمّا من الكلمات في أي مكان وأي زمان. ** اصرارك على البقاء داخل فلسطين دفعك وقد قرأت ذلك في تصريح لك الى تشييد قبرك على ربوة عالية.. هل في ذلك استعداد منك للموت به؟ اني اعشق الحياة وأحبّها واهيم بها بكل تناقضاتها وتقلباتها ومسراتها وآلامها.. وعندما فكرت في تشييد قبري اخترت له مكانا خاصا.. انيقا.. متميزا يليق بي وبشعري.. الموت عندي ليس نهاية الحلم بل ربما يكون انفتاحا على حلم آخر نجهل تفاصيله.. لا أخفي سعادتي بقبري خاصة وقد تحوّل الى مزار للعديد من الأصدقاء الذين عبروا لي عن اندهاشهم وحيرتهم. أجرى الحوار: