البرلمان يوجّه برقية تعزية    مع الشروق .. إدانة... بنصف الحقيقة    تنبيه/ تحويل ظرفي لحركة المرور ليلا لمدة أسبوع بهذه الطريق..    قيس سعيّد يترأس جلسة عمل حول مشروع تنقيح هذا الفصل..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    فقدان 23 تونسيا في'حَرْقة': ايقاف 5 متهمين من بينهم والدة المنظّم واحد المفقودين    التضامن.. الإحتفاظ ب3 اشخاص وحجز كمية من المواد المخدرة    الليلة: سحب عابرة ورياح قوية والحرارة تتراوح بين 16 و26 درجة    عاجل: وسائل إعلام رسمية: انتخابات الرئاسة في إيران ستجرى في 28 جوان    الميزان التجاري يستعيد عافيته...رصيد المبادلات الخارجية يتطور ب %24    مدير عام ديوان تربية الماشية: النحل يساهم في ثلث غذاء الإنسان    وزيرة التجهيز تؤكد على جهود تونس في تحقيق التنمية بالجهات وتطوير الحركة الجوية بالمطارات الداخلية    التوقعات الجوية لهذه الليلة    نابل: وفاة شاب واصابة 10 أشخاص في حادث خطير    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    عروض ثريّة للإبداعات التلمذيّة.. وتكريم لنُجوم الدراما التلفزيّة    والي بن عروس: فخور ب"دخلة" جماهير الترجي وأحييهم ب"عاطفة جيّاشة"    وزير التعليم العالي يترأس الوفد التونسي في منتدى التعليم العالمي 2024 في لندن    الافريقي يرفض تغيير موعد الدربي    وزارة التربية: هذه هي الانشطة المسموح بها بالمؤسسات التربوية خارج أوقات التدريس    موعد تنظيم أيام كندا للتوظيف بتونس.. وهذه الاختصاصات المطلوبة    رفض الافراج عن سنية الدهماني    إضراب عن العمل بإقليم شركة فسفاط قفصة بالمظيلة    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    الهلال الأحمر الإيراني يكشف تفاصيل جديدة حول تحطّم المروحية الرئاسية    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    القيروان: إنتشال جثة سبعينية من فسقية ماء بجلولة    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    النادي الإفريقي: اليوم عودة التمارين إلى الحديقة .. ومعز حسن يغيب عن الدربي    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    هام/ هذه نسبة امتلاء السدود..    الأولمبي الباجي أمل جربة ( 2 1) باجة تعبر بعناء    خامنئي يعزي بوفاة رئيسي ويعلن الحداد 5 أيام..#خبر_عاجل    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحاكم الجنائية «المدوّلة» وتحطيم العمق العربي
نشر في الصباح يوم 08 - 04 - 2009

يمضي الزمان وتتغير معه الآليات ولكن للأسف تبقى وقد تتدعم الغايات التي تعمق وجودها ضمن المسار الإنساني كغاية الإستعمار والهيمنة وتقزيم الأخر المختلف. فها هو الغرب في معناه المطلق لا زال يحن إلى ذلك الماضي القريب والذي قبض من خلاله "بسياطه" على رقابنا سامحا
لنفسه بإنجاز كل ما هو "لا مباح" على أجسادنا المرتهلة والتي ظلت بالرغم من الرحيل في قبضته تارة بإسم العلوية الثقافية وطورا بإسم المساعدة على التنمية وحينا بإسم العولمة وأخرى بإسم شمولية حقوق الإنسان وأخيرا وليس آخرا بإسم العدالة الإنسانية والتي حكم عليها بأن "لا ترتع" إلا في بيوتنا مشجعة على الإعتداء علينا " متعامية " على أبشع ما شهدته الإنسانية من جرائم أنجزها الغريب الحاقد الذي حملته سفن الغرب إلى بيوتنا تحت عنوان التقارب الحضاري؟! ومن الملاحظ أن "فلكلور" العدالة الدولية انطلق من بوابتين بتوقيت يكاد يكون متزامنا ولكن برمزية موحدة.
1/ العدالة الدولية في المشهد اللبناني :
بتاريخ 24 فيفري 2005 وقع ببيروت إنفجار ضخم أودى بحياة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري واثنين وعشرين شخصا آخرين وقد تزامن هذا الفعل الشنيع مع تصاعد الجدل السياسي الداخلي حول مصير العلاقات اللبنانية السورية على هامش صدور قرار مجلس الأمن رقم 1595 الداعي إلى احترام سوريا للسيادة اللبنانية ونزع سلاح الميليشيات المسلحة والتي من أبرزها ميليشيا حزب الله ونظرا لأهمية العلاقات الخارجية للراحل رفيق الحريري مع المجموعة الدولية التي كانت تكن له الاحترام نظرا لكونه عراب اتفاق الطائف الذي يعتبر أبرز وثيقة خرجت بلبنان متوافقا من جديد بعد المخاض العسير للحرب الأهلية إضافة إلى مجهوداته في تحديث البنية التحتية الوطنية زد على ذلك ما يتمتع به الرجل من تموقع مالي جعل من عائلته تعد من أغنى العائلات وطنيا ودوليا كل هذه الأسباب جعلت من مجلس الأمن يصدر القرار رقم 1595 بتاريخ 17 أفريل 2005 والذي كيّف بمقتضاه هذه الجريمة بأنها "جريمة إرهابية وتمثل اعتداء خطيرا ومنهجيا على السلم والأمن الدوليين" مع الإشارة إلى أن هذا القرار أنشأ لجنة تحقيق دولية تعنى بالتحقيق في هذه الجريمة. ولكن قبل صدور القرار رقم 1595 شكلت لجنة تقصي حقائق كان دورها إنجاز المعاينة الجنائية الأولية التي من شأنها أن تنير مجلس الأمن حول صواب ما يمكن أن يتخذه مستقبلا وقد عرض هذا التقرير على أنظار المجلس بتاريخ 25 مارس 2005 ومن أبرز ما ورد فيه "بأن الأجهزة الأمنية اللبنانية ساهمت في نشر ثقافة الترهيب والإفلات من العقاب وأن للإستخبارات العسكرية السورية دورا في هذه المسؤولية وذلك بالنظر إلى التبعية الواقعية أو الفعلية للأجهزة اللبنانية لهذه الإستخبارات" كما حّمل هذا التقرير الأجهزة الأمنية اللبنانية مسؤولية التلاعب بالأدلة الثبوتية كل هذه المعطيات إضافة إلى جملة من المعطيات الأخرى التي تفاقم أثرها على إثر الإطاحة بحكومة عمر كرامي وخروج الشارع عفويا والذي تم استقطابه سياسيا تحت عنوان قوى 14 آذار والتي تشكلت من تحالفات سياسية غير تقليدية وتشكلت بالتوازي معها تحالف قوى سياسة جمعها ضمنيا الولاء التقليدي لسوريا ومن أبرزها حزب الله والتي اجتمعت تحت إسم 8 آذار وتفاعلت الأحداث نحو التصعيد الذي ترجم من خلال تبادل التهم وإلقائها جزافا ومازاد من تأزم الوضع أن الخلاف اللبناني دوّل وأصبح صراعا إقليميا وقد أصابت أسهم الإتهامات الأجهزة الأمنية ووقع إيقاف أربع ضباط رؤساء هذه الأجهزة وتمت معاينة تلاعب أحيانا بالشهود الذين أطلق عليهم تعريف "الشهود الزور" وكانت وضعية "الشاهد الملك" زهير الصديق ضابط المخابرات السوري السابق الذي أعطى منعرجات عدة للتحقيق طورا من خلال التجني على سوريا الممثلة في شخص رئيسها وطورا آخر من خلال الإدعاء على الرئيس اللبناني السابق العماد أميل لحود ومن يقف خلفه وقد تواصل مسلسل الشاهد الملك إلى حين إختفائه بفرنسا الشيء الذي أعاد ذلك الطرح الذي تبنته جماعة 8 آذار والذي مفاده بأنه وقع تسيس إجراءات التحقيق منذ البدء وما فبركه الشهود وممارسة التجني السياسي إلا تأكيد ثابت على ذلك وقد شهدت نظرة اللبنانيين للتحقيق الدولي حول مقتل الرئيس الحريري تغيرا منذ رحيل المحقق الألماني ميليس وقدوم القاضي البلجيكي بلمار والذي أعطى لمسار التحقيق منهجا مغايرا اعتمد فيه أسلوب التقصي القضائي وقد أكد بلمار على ذلك بمناسبة العرض الثاني لمسار التحقيق أمام أعضاء مجلس الأمن والذي أثار من خلاله فرضيات عدة خرجت عما وقع تداوله من قبل سلفه كما أشار بصفة موضوعية خالية من واعز التسيس إلى مجموعة الدول التي لم تسهل عمليات التحقيق وكان الاعتقاد بأن يكون الحديث حول حلف إقليمي على حساب حلف لكنه نقض كل الخطوط التقليدية متعرضا لتقصير أمريكي، فرنسي، سعودي وحتى إسرائيلي في تسهيل عمليات التحقيق الخارجية ولكن وقع منعرج خطير عندما أرسل المستشار القانوني للأمم المتحدة خلال سنة 2006 مشروع معاهدة المحكمة الدولية المختلطة لمحاكمة مقترفي الجريمة وذلك من أجل إصدارها طبقا للأصول الدستورية المرئية حسب الدستور اللبناني. مع الإشارة إلى أن البند 52 من الدستور اللبناني ينص على أنه "يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالإتفاق مع رئيس الحكومة ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء" ولكن هذه المقتضايات وقع خرقها من قبل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة المحسوب على تيار المستقبل بقيادة الزعيم السني سعد الحريري والذي استفرد بالمداولات وإمضاء الإتفاق مع الأمم المتحدة مقصيا بذلك رئيس الجمهورية حينها العماد أميل لحود والذي كان عرضة لحملة شنعاء تزامنت مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي عرف بتصادم مواقفه مع الرئيس لحود خاصة فيما يتعلق بالتمديد لهذا الأخير في منصب رئيس الجمهورية بالرغم من رضوخه في اللحظات الأخيرة بعد تشديد سوريا على ضرورة المضي في التمديد. إضافة إلى ذلك فقد تزامنت فترة المصادقة على معاهدة المحكمة من طرف الحكومة اللبنانية منفردة مع زعزعة التركيبة الطائفية صلبها من خلال انسحاب الوزراء الشيعة من حزب الله وحركة أمل مع التأكيد على أن مبدأ الوفاق الوطني أو ميثاق العيش المشترك هو مبدأ دستوري في لبنان ففي مقدمة الدستور هناك بند ينص على أن "لا شرعية لأية سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك" وقد اعتبر نتيجة لذلك ما أقدم عليه الرئيس السنيورة من انفراد بالمفاوضة والمصادقة من قبيل الأعمال المنافية للدستور ومهددة للعيش المشترك الشيء الذي أدى إلى انعكاسات إضافية كان أبرزها إدراج مجلس الأمن إنشاء المحكمة كإجراء صلب الفصل السابع والذي رأى البعض أنه بمثابة الإعتداء على السيادة اللبنانية فالقرار الصادر عن المجلس تحت رقم 1075 هو قرار "ملزم ذاتيا وشموليا لكافة الدول وليس للبنان" وقد اعتبرت بعض الأوساط القانونية المتفقة مع المنحى الذي اتخذه مجلس الأمن بأن واعز خرق السيادة بإقرار المحكمة تحت طائلة البند السابع هو واعز واهم ما دامت الجريمة اكتسبت صبغة العمل الإرهابي كما تركزت بعض الأوساط القانونية من فريق 14 آذار على ذلك التعليل الذي ردت به غرفة التحقيق للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا على ادعاء المتهم الصربي "تاديتش" الذي اعتبر أن محاكمته أمام تلك المحكمة تشكل انتهاكا لسيادة "جمهورية يوغسلافيا الفيدرالية فأجابت الغرفة بأنه «سوف تكون صورة زائفة عن القانون وخيانة للحاجة العالمية للعدالة بأن يسمح لمبدا سيادة الدولة بأن يكون دفعا مقبولا تجاه حقوق الإنسان ويجب أن لا تكون حدود الدول درعا ضد نفاذ القانون أو تستغل كحماية لهؤلاء الذين يطأون تحت أقدامهم أسمى الحقوق الأساسية للإنسانية» ولكن لا بد من الإشارة إلى أن المحكمة اللبنانية على عكس المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة هي محكمة مختلطة تتكون من قضاة لبنانيين وقضاة دوليين مع وجود ممثل الإدعاء العام يعين من طرف الأمين العام للأمم المتحدة وهو ما يمثل أول استثناء في العالم العربي وثالث استثناء في العالم بأنه سبق وأن ركزت محاكم مختلطة خاصة بكمبوديا وسيراليون لمحاكمة مجرمي الحرب لكن في هاتين الحالتين لوحظ أن المفاوضات طالت نسبيا مقارنة بالحالة اللبنانية كما أن سيراليون وكمبوديا على عكس لبنان فرضتا شروطا مجحفة من شأنها أن ترجح الكفة لفائدة القضاء الوطني على حساب القضاء الدولي فيما يتعلق بالتحكم في الإجراءات وهو ما قد يدعو إلى الريبة ويؤسس لهاجس تسيس المحاكمة وجعلها موجهة ضد طائفة أو حزب أو دولة والأخطر من ذلك أن المحكمة ولدت وسط عدم الوفاق الوطني بالرغم من نتائج قمة الدوحة في ماي 2008 والتي أعادت الاعتبار للإجماع حول المحكمة كوسيلة للمخرج من الأزمة السياسية ولو لفترة معينة وقد يخشى أن يهتز لبنان بإسم العدالة. ومن ورائه العالم العربي لأن لبنان كان ولا يزال بوابة التغييرات في العالم العربي.
2/ المحكمة الجنائية الدولية وإرباك السيادة السودانية:
في 14 أوت 2008 أعلن المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الأرجنتيني لويس أوكامبو عن لائحة طلب توجيه الإتهام ضد الرئيس السوداني عمر البشير وقد تعلل " بأن الرئيس السوداني قام يتدبير حملة منظمة لارتكاب أعمال قتل جماعي في دارفور واستخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب " كما شدد أوكامبو على ذكر هول الجرائم المقترفة "هناك 35 ألف شخص قد قتلوا بشكل مباشر في هجمات شنتها القوات المسلحة السودانية وميليشيات الجنجويد التي تدعمها الخرطوم وتفرض 2،5 مليون شخص آخرون لحملة اغتصاب وتجويع في مخيمات اللاجئين" وأن "البشير شخصيا هو الذي اتخذ قرار ارتكاب أعمال القتل الجماعي" وإن البشير ينفذ هذا القتل الجماعي من دون غرف الغاز ومن دون رصاص ومن دون مدى إنه قتل جماعي عن طريق الإستنزاف وإن البشير مسؤول باعتباره رئيس البلاد والحاكم الفعلي وله سلطة مطلقة ورئيس الحزب الحاكم وقائد الجيش وهو في قمة السلطة وأخضع قوات الجنجويد لتعليماته وفي نفس الوقت يستخدمها ليتبرأ من المسؤولية "فقد لخص أكامبو اتهاماته بأن البشير ارتكب جرائم حرب ضد الإنسانية وقام بإبادة جماعية لثلاث قبائل هي: الزغاوة والغور والمساليت" فإن البشير دبر ونفذ خطة لتدمير جزء كبير من مجموعات قبيلة الغور والمساليت والزغاوة لأسباب إثنية بعد أن احتج بعض أعضاء من المجموعات الثلاث ومن ذوي النفوذ في دارفور على تهميش الولاية وشرعوا في التمرد ولم يتمكن البشير من هزم الحركات المسلحة فصار يهاجم الشعب " وقد عرض أكمبوا في مؤتمره الصحفي خريطة تبين هجمات القوات المسلحة السودانية وكذلك الميليشيات الجنجويد على مواقع قبلية في دارفور كما أكد أنه تثبت من عدم إجراء أي تحقيق سوداني في الغرض. كما شدد على أنه سيعرض هذه اللائحة على أنظار المحكمة والتي من مشمولاتها استصدار أمر اعتقال وقد أجاب عن سؤال حول إمكانية رفض السودان للانصياع لهذا القرار "إذا رفض السودان فإن مجلس الأمن سيقوم باتخاذ الخطوات المطلوبة داخل الأمم المتحدة" وإزاء هذا الموقف ردت السودان بشكل فوري من خلال الندوة الصحفية التي عقدها نائب الرئيس علي عثمان طه مؤكدا على " رفض السودان لإدعاءات المدعي العام للمحكمة وأنها باطلة وكاذبة ما دام السودان ليس عضوا في المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي فلا ولاية لها عليه" كما أكد على أن تعليل المدعي العام المبني على صراعات قبلية تعليل واهم لأن هذه الصراعات موجودة في دارفور قبل تولي نظام الإنقاذ بالسودان في سنة 1989 كما جرى الإعلان بشكل سريع عن تكوين لجنة قومية لدراسة الأزمة وسبل التعامل معها برئاسة سلفا كيرميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان كما أعلن الرئيس البشير عن مبادرة جديدة لتسوية الأزمة أطلق عليها " مبادرة أهل السودان" كما زار لأول مرة منذ اندلاع الأزمة الولايات الثلاث لدارفور وألقى خطبا هناك تميزت بتراجعه عن مواقف سابقة كرفضه المفاوضات مع حركة العدل والمساواة المتمردة على إثر الهجوم على أم درمان في شهر ماي 2008. كما حذرت أحزاب المعارضة الرئيسية في السودان من أن صدور أمر دولي بإلقاء القبض على الرئيس عمر حسن البشير سيزعزع استقرار أكبر دولة في إفريقيا ويتسبب في إعدام السلام" وقال الصادق المهدي "إنه يجب مراعاة التوازن بين العدالة والتنمية" أما الحزب الإتحادي الديمقراطي المعارض الذي يتزعمه محمد عثمان الميرغني فأكد أنه يرفض تسليم البشير أما حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن التّرابي المنافس العنيد لحزب المؤتمر بزعامة الرئيس البشير فقد أشار في ردة فعله الأولية إلى أن نموذج جنوب إفريقيا للجنة الحقيقة والمصالحة هو السبيل للمضيء قدما ثم تراجع الدكتور حسن التّرابي عبر تأكيده أن "الإسلام لا يعرف وجود حصانة حتى لأمراء المؤمنين" أما فصائل دارفور فقد تباينت على مستوى المواقف فحركة العدل والمساواة التي تعد من أكبر الفصائل بزعامة خليل إبراهيم حاولت الخروج من حالة الإنحصار خاصة بعد توجيه إتهامات دولية وحتى أمريكية وداخلية لها إبان هجومها على مدينة أم درمان في ماي 2008 محاولة بذلك إسقاط النظام في عقر داره وتفاديا لتراجع صورتها حاولت أن تقدم مبادرة تقوم على تأليف حكومة وحدة وطنية. أما حركة تحرير السودان فصيل الوحدة وحركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد محمد نور فقد رحبت بالمذكرة. أما فيما يتعلق بالمواقف الإقليمية فقد قام الإتحاد الإفريقي بالإعلان عن رفضه أي طلب لتوقيف الرئيس عمر البشير وأعلن وزير الخارجية النيجيري بأن الإتحاد تقدم بطلبه إلى مجلس الأمن لإرجاء إجراءات المحكمة " لتجنب المساس بعملية السلام في السودان " أما جامعة الدول العربية فقد أكد مجلسها الوزاري في اجتماعه الاستثنائي في 19 أوت2008 مساندته المطلقة للسودان كما شدد المجلس على رفضه أية محاولات لتسيس العدالة الدولية مؤكدا أهلية القضاء السوداني واستقّلاله باعتباره صاحب الولاية الأصلية في إحقاق العدل وقرر المجلس الوزاري للجامعة العربية الذي أبقى اجتماعه مفتوحا لمتابعة تطورات الموضوع " التضامن مع جمهورية السودان في مواجهة أية مخططات تستهدف النيل من سيادته ووحدته" وقد تقرر لذلك إعطاء الأولوية لإنجاز التسوية السياسية وضرورة تفعيلها والدعوة إلى عقد اجتماع دولي رفيع المستوى لدفع العملية السياسية في دارفور ووضع خريطة طريق وإطار زمني لتنفيذها وتقرر بصفة فورية تحرك عمرو موسى نحو الخرطوم من أجل عرض الملامح الأساسية لخطة العمل السياسية والقانونية حول كيفية التعاطي مع قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وكانت أبرز محاور الخطة العربية فتح الجامعة لقنوات حوار مع المحكمة الجنائية من أجل إيقاف إجراءات التقاضي وإعادة الاختصاص للمحاكم الوطنية لكل من ثبت اتهامه كما تقرر تكوين لجنة قضائية من قبل قضاة من السودان وقضاة من الجامعة العربية ومن الاتحاد الإفريقي لدفع المسار القضائي متزامن مع الحل السياسي وكان هناك جزء من الخطة العربية اكتسى الصبغة السرية تمثل في اقتراح قيام السودان تسليم كل من أحمد هارون وزير الدولة لشؤون الإنسانية وعلي كوشيب زعيم ميليشيا الجنجويد المطلوبين من المدعي العام للمحكمة الجنائية قبل طرح طلب الرئيس البشير وذلك من أجل رفع الاتهام على هذا الأخير وبناء على ما يعرف ب " مسؤولية القيادة " والتي ترمي إلى تاكيد حصانة أعلى الهرم أثناء ممارسته في صلاحياته في ضمان الأمن القومي حسب المنظور السوداني فالمحكمة الجنائية تعللت بأن مسؤولية القيادة تعنى تحمل البشير تتبعات أعمال مرؤوسيه ولكن السودان رفضت هذه الخطة وإلى جانب موقف الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية كان الموقف الأمريكي مؤيدا لاتجاه المدعي العام مع العلم أنه بتاريخ 10 أوت 2008 صرح المتحدث بإسم الخارجية الأمريكية ولمح إلى علم مسبق لدى واشنطن بالتطورات التي ستطول الرئيس السوداني قائلا " إن احتمال توجيه الاتهام إلى الرئيس قائم خلال عدة أيام وإننا ندرس المسألة " مع العلم أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد امتنعت عن التصويت عن قرار رقم 1593 الصادر في 31 مارس 2005 من مجلس الأمن والقاضي بتحويل أزمة دارفور إلى القضاء الدولي. لقد توالت التطورات نحو الأسوأ بالنسبة للسودان وكان الختام بموافقة المحكمة على لائحة الاعتقال للرئيس البشير الصادرة عن المدعي العام وارتبك النظام السياسي السوداني وتأكد بأن القرار يستهدف العمق الاستراتيجي العربي بدءا من العراق، لبنان، سوريا وأخيرا وليس آخرا السودان وأصبحت أقنعة العدالة الدولية تسقط في براثن التسيس فكيف يمكن لعدالة الإسفاف أن تتعامى على ذبح وإبادة أطفال غزة بتعلة عدم الإختصاص وينشط الفصل السابع في إتجاه واحد إسمه الشرف العربي لقد حاول السودان ومن وراءه العرب التقليل من وطأة الكارثة بتعلة عدم ولاية المحكمة الجنائية على قضايا السودان غير العضو ولكن أغفلوا أن "الشيطان الصهيوني" حاك المؤامرة بكل إتقان جاعلا المدخل الرئيسي للتحقيق والإدعاء والتنفيذ هو مجلس الأمن فالمادة 25 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة تقضي بأن "الدول الأعضاء ملتزمون بجميع القرارت التي تصدر عن مجلس الأمن ونتيجة لذلك فإن مجلس الأمن يستطيع حين يحيل حالة إلى المدعي العام أن يطلب من كل الدول أن تتعاون مع المدعي العام" فكان على العرب أن ينظموا تحركهم منذ إعلان مجلس الأمن عن تكوين لجنة "كاسيوس" للتحقيق في الوضع في دارفور بتاريخ 1 أكتوبر 2004 والتي قامت بتوثيق شهادات لربما تمت فبركتها ومكنت المدعي العام من الإستناد (حسب قوله) إلى شهادة خمسين خبيرا مستقلا وهنا يمكن لنا أن نتسائل لماذا كتب على العرب القبول بلجان التحقيق الدولية في حين يعارضها الآخرون بكل قبح وتظل إسرائيل أبرز مثال على ذلك. إن لبنان ودارفور تبرزان هوان العرب دوليا لأنهم لم يستوعبوا الدرس الذي مفاده أنك إذا أردت أن يهابك الآخرون فكن قويا. (*) باحث ومتصرف مستشار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.