سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مرحبا بالتعاطف مع القضية الفلسطينية لكني أطالب الجمهور والنّقاد بأن يتعاملوا معنا كمبدعين أولا بمناسبة خروج أحدث أفلامه للقاعات بتونس: المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي يتحدّث ل«الصّباح»
تونس - الصباح: شهد المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي هذا الأسبوع عملية إطلاق أحدث أفلامه بالقاعات التونسية وتحديدا بسينما أفريكا بالعاصمة. وقد انطلقت هذه القاعة في عرض فيلم "عيد ميلاد ليلى" منذ السادس من أفريل الجاري في عملية قلما تحدث ببلادنا. ذلك أنه عادة لا يقع عرض الأفلام المتوجة بجوائز أيام قرطاج السينمائية بالقاعات بسبب ما يتوقع لها من فشل جماهيري. فيلم عيد ليلى خرج عن القاعدة وهو الذي توج بالتانيت الفضي وبجائزة أفضل ممثل (محمد بكري) خلال الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية. المناسبة كانت سانحة للحديث مع المخرج عن هذا الفيلم وعن تجربة رشيد المشهراوي السينمائية عامة. مع العلم وأن رشيد مشهراوي من أبرز الوجوه السينمائية الفلسطينية وأن أفلامه عادة ما تجد التبجيل والحفاوة ومن بينها نذكر "حيفا" و"تذكرة إلى القدس" و"انتظار" إضافة إلى فيلمه الأول "حتى إشعار آخر" وإلى جانب أفلامه الوثائقية وهو من مواليد قطاع غزة. * "فيلم عيد ميلاد ليلى" أول تجربة في الإنتاج المشترك التونسيالفلسطيني وقد حصد الفيلم إلى حد الآن تسع جوائز. هل نعتبر هذه التتويجات مؤشرا على نجاح التجربة؟ - فيلم عيد ميلاد ليلى فعلا تجربة أولى في الإنتاج المشترك للفيلم الروائي الطويل. وتدل مختلف المؤشرات على نجاح التجربة. ويبدو لي أن مستقبل السينما العربية يكمن في الإنتاج المشترك كما يحدث في أوروبا مثلا. بالنسبة لفيلم "عيد ميلاد ليلى" أعتقد أن مؤسسة سيني تيلي فيلم المعروفة منذ أن كان يديرها المنتج الكبير الراحل أحمد بهاء الدين عطية تلعب دورا هاما في تطوير السينما التونسية وفي الحضور بالخارج كذلك. التجربة كانت ناجحة خاصة وأنها تضمن للفيلم الذي ينتظر أن يوزع في 15 دولة فرصا أفضل للتوزيع. (ولاحظ الحبيب عطية المنتج الذي حضر اللقاء أن الإنتاج المشترك يعتبر سببا هاما من أسباب إنجاح الفيلم ذلك أنه من الطبيعي أن يحرص المنتجون على الأقل على عرضه في بلدانهم كما يحدث اليوم في تونس. سيعرض الفيلم كذلك بالمغرب التي ساهمت في تمويله وطبعا بفلسطين بالقاعة الوحيدة الموجودة برام الله وببعض البلدان العربية وعدد من الدول الأوروبية وقد أشار الحبيب عطية بنفس المناسبة إلى صعوبة توزيع الأفلام بالمنطقة العربية. سيطرة شركات التوزيع المصرية مازالت تفرض قوانينها حسب تأكيده كما أن بلدا على غرار مصر مازالت تفرض قيودا شديدة على الأفلام العربية غير المصرية). * تدور أحداث فيلم "عيد ميلاد ليلى" حول عائلة فلسطينية تسعى للعيش بشكل عادي. إلى أي حد يعبر هذا الفيلم عن الواقع الفلسطيني؟ - أعتبر هذا الفيلم شديد الإرتباط بالواقع الفلسطيني. فهو يتحدث بعمق وبتفاصيل دقيقة عن حياة المواطن الفلسطيني، حياة يمكن أن تكون عادية أو يمكن أن يسعى المواطن الفلسطيني أن يجعلها عادية. الفلسطينيون يعيشون حكاية جارية منذ سنة 1948. يستخلص هذا الفيلم نتائج الإحتلال وتلك الحياة الفلسطينية التي لا يمكن إلا أن تكون نتيجة للوضع الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الإحتلال. هذا الفيلم إنساني جدا ويبلغ فكرة واضحة عن تعلق الفلسطينيين بالحياة وتحديدا بحياة عادية مثلهم مثل أي مواطن في أي بلد كان. هل هنالك أكثر بلاغة من مشهد يحاول فيه والد أن يحتفل بعيد ميلاد ابنته وهل هنالك أكثر واقعية من محاولة عائلة صغيرة أن تتجاوز كل العراقيل من أجل الإحتفال بعيد ميلاد ابنتها بشكل عادي. * ولكن كيف يمكن أن نقرأ أحداث الفيلم بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزةبفلسطين خاصة وأنك تبدو مع نهاية الفيلم وقد انتصر البطل كأنك قد استرجعت تفاؤلك بعد تلك النهاية الحزينة نوع ما لفيلم انتظار الذي سبقه؟ - بالنسبة لي من المهم جدا أن يشاهد الناس فيلم عيد ميلاد ليلى بعد أحداث غزة. إنه تفنيد لما يشاع حول الفلسطيني. الفلسطيني يستطيع أن يحيا وأن يحلم وأن يسعى إلى حياة عادية مثله مثل أي بشر رغم محاولات التدمير ورغم العنف المسلط عليه ورغم حرمانه من حقوقه. أمل الحياة لا بد وأن يستمر لأن في ذلك تقوية للفلسطينيين ومساعدة لهم على التحمل والمواجهة. فيما يخص فيلم انتظار(توج كذلك بجائزة التانيت البرونزي في الدورة قبل الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية) الذي صور المخيمات الفلسطينية بالخارج (لبنان والأردن وسوريا) كان عبارة عن الإعلان عن نهاية مرحلة. الكل يعلم أن الفلسطينيين يعيشون متأرجحين بين الأمل وخيبات الأمل. فيلم انتظار ناتج عن خيبة أمل. وعود لا تتحقق فكان عبارة عن دعوة للفلسطينيين للنظر جيدا إلى الواقع والتعويل على أنفسهم أما فيلم "عيد ميلاد ليلى" فهو نابع عن الأمل. إذا حاول الفلسطيني أن يحمل قدره بيديه فإن الأمل يبقى قائما. لسنا قساة لكن الوضع قاس وصعب * لاحظنا في كل من فيلم "عيد ميلاد ليلى" و«انتظار» مواقف على لسان الأبطال فيها نقد لاذع للعرب وللأنظمة العربية. - لا أنقد في أفلامي ولا أنتقد الأنظمة العربية. لكنني أرى أن من عنده جرحا لا بد وأن يلمسه حتى يفهم حقيقة ما أصابه حتى إن كانت ملامسة الجرح ينتج عنها وجع وألم. إنني وإن أنقد الفلسطينيين مثلا فإن ذلك نابع من شدة التعاطف ومن شدة الخوف ومن شدة الحرص عليهم. هنالك مشاكل لابد من الإشارة إليها بصراحة وبجرأة وبمصداقية كاملة. لسنا نحن الذين أصبحنا قساة. إن الوضع قاس وصعب.. * تكاد السياسة والإبداع لا ينفصلان عند الفنانين الفلسطينيين ولكن هل تشعر أحيانا أن هويتك كفلسطيني تطغى على شخصيتك كمبدع وإن كانت الإجابة بنعم هل تعتبر ذلك عبئا؟ - أنا من الأشخاص الذين طالبوا منذ سنين الجمهور بأن يقيّم أفلامنا بقيمتها الفنية وليس بقيمتها السياسية. كنت أيضا أطالب السينمائيين بالإنكباب أولا على الإبداع. المعالجة السينمائية, الصورة والفن عموما ثم تأتي السياسة في مرحلة موالية. أعتقد أننا حققنا نتائج بفضل ذلك وأصبح اليوم الجمهور لا يقبل أعمالا سينمائية فلسطينية بلا قيمة. أدرك أن التعاطف مع القضية الفلسطينية علامة صحية وإنسانية لكن التعاطف لوحده لا يصنع سينما قيمة. لقد مررنا بمرحلة كانت فيها الكاميرا ممنوعة. الإسرائيليون كانوا يخافون من الكاميرا أكثر من السلاح. وأنا من أول السينمائيين الفلسطينيين الذي صوروا تحت الإحتلال وكانت مخاطرة بالفعل. لازال الإسرائيليون يخشون الكاميرا ويمنعونها لكن الجديد يتمثل في وجود بعض المناطق الفلسطينية المستقلة نسبيا. السينما النضالية مرحلة هامة خاصة وأن الأفلام تصاغ أغلبها بالمنفى. اليوم لابد من التنويع ومن حق الفلسطيني أن يختار. أن يختار مثلا ممارسة السينما كفن يتيح له الفرصة للإبداع بعيدا عن التقيد بالهوية الضيقة مثله مثل أي مبدع في أي مكان بالأرض. متفائل بمستقبل السينما حتى ولو بدا أن الصورة مهددة في نفوذها * أثبت العدوان على غزة الذي نقلته الفضائيات التلفزيونية بالصوت والصورة وبشكل مباشر أحيانا أن الصورة مهما كانت تعكس الواقع فإنها لم تعد قادرة على الدفع من أجل التحرك لوقف العدوان مثلا كما حدث في السابق عندما ساهمت الصورة في التأثير في الرأي العام الأمريكي وتعبئته ضد حرب الفيتنام , هل أن الصورة تسير نحو فقدان نفوذها؟ - إن الصورة سلاح ذو حدين. إذا تراكمت الصور العنيفة وتكررت فإنها تدخل في خانة المعتاد وتفقد قدرتها على التأثير وهنا يأتي دور السينما. إن السينما ترفض الروتين والعادي والتكرار. تحدث انفجارات عديدة يوميا ومنذ سنين بالعراق مثلا. هل هي مؤثرة؟ أعتقد أنها ليست كذلك. السينما تترك الإنفجار وتذهب إلى التفاصيل. تصف ضحايا الإنفجار. تصف حياتهم اليومية. تحاول النفاذ إلى مشاعرهم ,تصور بكاءهم إلخ... إن السينما توفر الإمكانية لبناء علاقة مع المشاهد. لا تكتفي بمجرد الأرقام بل تهتم بنسيج الحياة وبإيقاعها مما يجعلها تواصل عملها في التأثير على المشاهد. من هذا المنطلق أعلن أنني لازلت متفائلا بمستقبل السينما رغم ما يتهدد الصورة من مخاطر. * يلاحظ المشاهد أن هنالك جهودا تبذل بفلسطين لبناء حركة فنية ناضجة. كيف تصفون أبرز ملاح الحركة السينمائية بالأراضي الفلسطينية. - لا بد من ملاحظة لا تهم فلسطين لوحدها. إن السينما صناعة وتجارة بخلاف أنها فن. وفي فلسطين تنقصنا البنية الأساسية الملائمة. هناك مثلا قاعة عرض واحدة بكامل فلسطين. لكننا نسعى لتطوير الحركة السينمائية من خلال استغلال المراكز الثقافية ومن تشجيع السينما المتنقلة وتطوير عمل السينمائيين. تفتقر السينما الفلسطينية للدعم وحتى الدعم الأوروبي فإنه يوجه لحاجة الأوروبيين وليس لحاجة الفلسطيني (ويتدخل المنتج الحبيب عطية نافيا وجود أي دعم أوروبي للسينما الفلسطينية مؤكدا أن فيلم عيد ميلاد ليلى لم يتحصل مثلا على دعم الإتحاد الفرنكفوني لأن المخرج فلسطيني وفلسطين تمت إزاحتها من الإتحاد طبعا مع الإبقاء على اسرائيل وشدد على أن ما يروج حول الدعم الأوروبي لا صحة له). * مشروع رشيد مشهراوي القادم؟ - لدي مشروع لإنجاز فيلم جديد خلال سنة 2010 يهتم بموضوع فلسطيني طبعا. سأصور في عدد هام من المناطق بفلسطين. القدس وأريحا ورام الله وبيت لحم وغيرها وكان فيلم "عيد ميلاد ليلى " قد صور بالكامل برام الله. لن أكشف عن تفاصيل الفيلم لأنني مازلت بصدد الكتابة ولكنني أشير إلى أنه يتعامل مع حياتنا الفلسطينية المليئة بالضبابية والشعارات. وتتواصل تجربة الإنتاج المشترك مع المنتج الحبيب عطية وقد أنجزنا أربعة أفلام وثائقية قصيرة وفيلما وثائقيا طويلا تتحدث جميعها عن تشغيل الأطفال بالبلدان العربية.