المواجهة الدائرة هذه الأيام بين إدارة الرئيس باراك أوباما وحكومة تل أبيب حول مسألة الاستيطان اليهودي بالأراضي الفلسطينية المحتلة تكتسي أهمية بالغة بحكم الانعكاسات المرتقبة للنتيجة التي ستفرزها على مستقبل العملية السلمية بالشرق الأوسط، ومستقبل العلاقات العربية - الأمريكية التي سبق أن شهدت انتكاسة كبيرة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش. وحتى هذه اللحظة، تبدو المؤشرات الواردة من البيت الأبيض دافعة إلى بعض التفاؤل خصوصا أن الرئيس أوباما لم يفوت فرصة استقباله أخيرا الرئيس الفلسطيني محمود عباس في واشنطن للرد على تحدي سلطات تل أبيب بإعادة تأكيد إصرار بلاده على الحصول على تجميد كامل لكافة النشاطات الاستيطانية الاسرائيلية بلا استثناء وتمسكها بحل الدولتين كمدخل للتفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين. هذا الموقف من جانب الادارة الأمريكيةالجديدة يتناغم مع الوعود والتعهدات التي قدمها الرئيس الأمريكي الجديد لناخبيه بالقطع مع السياسة الخارجية التي انتهجها سلفه وكان من أبرز سماتها التبني المطلق لتصرفات الكيان العبري والتغطية العمياء لجرائمه وانتهاكاته بحق الفلسطينيين بوجه خاص والأمتين العربية والاسلامية بشكل عام وهي سياسة كان من نتائجها المباشرة اهتزاز مصداقية واشنطن كدولة كبرى راعية للسلام والشرعية الدولية وحقوق الانسان. ويبدو أن الرئيس أوباما يلقى تأييدا ومساندة لا يستهان بهما من جانب جزء كبير من الشعب الأمريكي الذي بات يدرك أن مصلحة الولاياتالمتحدة تقتضي إعادة الاعتبار لهذه المصداقية من خلال اتخاذ إجراءات وخطوات تتفق مع المبادئ الانسانية التي يؤمنون بها وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط التي تكتسي أهمية استراتيجية واقتصادية حيوية لبلادهم. لكن يبقى مع ذلك السؤال مطروحا: هل سيصمد أوباما أمام الضغوط التي سيمارسها على إدارته قطعا اللوبي الصهيوني النافذ داخل الولاياتالمتحدة والذي سيسعى ناتنياهو إلى تجنيده لتعزيز موقفه الرافض للاستجابة لمطالب وإرادة واشنطن؟ إن احتمال تمسك البيت الأبيض إلى النهاية بهذا الموقف وكسبه المواجهة مع حكومة تل أبيب المتطرفة من شأنه أن يشرِّع بابا للأمل في إمكانية إنهاء حالة الجمود التي بسطت ذراعيها على العملية السلمية على امتداد فترتي ولاية بوش الابن وأن يساعد على الدفع باتجاه التوصل إلى حل سلمي يخرج المنطقة من دائرة اليأس والعنف التي توشك أن تفلت عن نطاق كل سيطرة. أما إذا ضعف أوباما وكسبها ناتنياهو، فستكون النتيجة بلا شك مدمرة لأن استمرار تجاهل الشرعية الدولية من طرف إسرائيل وتصرفها كدولة خارجة عن القانون سيفسح المجال -وهذا مؤكد - لردود الأفعال الأكثر تطرفا في المنطقة بما يدخل الأوضاع فيها طي المجهول.