تونس-الصباح تبعا لإصدار القانون الجديد الرامي إلى إرساء أمثلة التنقلات الحضرية، وفي اطار تواصل المساعي للحد أقصى ما يمكن من استهلاك الطاقة وتأثيرها على البيئة، وفي إطارالبرنامج الرباعي للتحكم في الطاقة (2008-2011) من المنتظر أن يعلن قريبا عن الإعفاء الكلي من الأداءات على توريد وبيع الدراجات الهوائية واعطاء الاذن لوزارة التجهيز والبلديات بتخصيص ممرات خاصة بها في كل الطرقات تقريبا. ومن شأن هذا الإجراء أن يحقق اهدافه وتكون له عديد التأثيرات الإيجابية سواء من حيث دوره المؤكد في التحكم في الطاقة وترشيد الاستهلاك أو الحّد من الإنفاق إذا ما اعتبرنا الكلفة الباهظة لاستعمال السيارة وصيانتها أو كذلك الدور الصحي الذي يمكن ان تلعبه عودة استعمال الدراجة والدور البيئي والدور الكبير والهام في التخفيف من مشكل الاكتضاض واختناق حركة المرور. إشكاليات لكن هل ان طرقاتنا وخاصة في العاصمة بامكانها ان تحتمل هذا الاجراء وبامكانها أن تتقبل تخصيص على الاقل أربعة أمتار (متران في كل اتجاه) على طول الطريق لسير الدراجات؟ الامر مستبعد جدا فطرقاتنا بطبيعتها ضيقة ومن غير الممكن ان نقتطع منها المزيد من الأمتار..كما أن مختلف هذه الطرقات غير مهيأة لأي تعديل على طبيعتها سواء بالنسبة للطرقات الرئيسية او حتى الفرعية... فهل أن شارع محمد الخامس مثلا أو الطريق الوطنية رقم 8 بين تونس وبنزرت أو شوارع العاصمة كشارع باريس أو شوارع اريانة او بن عروس وغيرها... بامكانها أن تتحمل اقتطاع أمتار جانبية منها وتخصيص هذه الامتار كممرات خاصة بالدراجات؟ والمشكل يمكن ان يطرح كذلك من زاوية التجربة التي قامت بها بلدية صفاقس هذه المدينة التي احتلت لسنوات المرتبة الثانية عالميا من حيث عدد الدراجات النارية... فقد أقامت البلدية ممرات خاصة بالدراجات في مختلف شوارعها... ولكن ظلت هذه الممرات مقفرة وظل صاحب الدراجة يفضل السير في الطريق العادية المخصصة للسيارات لتتحول ممرات الدراجات الى مجمع للاتربة والفضلات والاوساخ... إن التجربة التي تفكر فيها بعض الاطراف وخاصة وكالة التحكم في الطاقة كان يمكن أن تكون تجربة ناجحة ومفيدة جدا على جميع المستويات لو كانت بنيتنا التحتية مستعدة لذلك ولو كان التخطيط يحمل نظرة استشرافية بعيدة المدى. فوائد اقتصادية وصحية وبيئية... ولكن فالعودة الى استعمال الدراجة سواء منها النارية أو العادية اجراء له عدة فوائد اقتصادية وصحية وبيئية، لكن المشكل في المخططات ومشاريع البنية التحتية من طرقات وجسور ومحولات التي تجاهلت تخصيص مسالك خاصة بالدرّاجات والدرّاجين. وهو خلل يمكن أن يعرقل فكرة التشجيع على العودة لاستعمال الدراجة هذا الى جانب المخاطرالممكن حدوثها على الطريق لو وجد الدراج نفسه مضطرا الى السير في طريق عادية وسط السيارات والحافلات والشاحنات... بعد خروجه من المسلك الخاص بالدراجات. فيا حبذا لو تم منذ سنوات التفكير في الاقتداء بالتجربة الصينية التي تظل رائدة حتى أن الدراجة في المدن الصينية دخلت ضمن الموروث الثقافي وضمن وسائل عيش المواطن الصيني. فترى أغلب شوارع المدن الصينية الكبرى خالية من السيارات تقريبا لتعوضها جحافل الدراجات التي خصصت لها مسالك واسعة وإشارات مرورية خاصة ومآو بإمكانها إيواء الآلاف من الدراجات. وأصبح استعمال الدراجة تقليد لدى المواطن الصيني. وفي بعض الدول الأوروبية كذلك، دخلت ظاهرة استعمال الدراجة في عادات وتقاليد المواطن الأوروبي الذي تضرّر بدوره من غلاء أسعار البنزين ولم يعد قادرا على تحمل التكلفة المشطة للسيارة. واللافت للانتباه أن الأوروبي عمد إلى التوفيق بين حاجته للسيارة والحد من استعمالها،وذلك بأن يقطع مسافة سالكة بسيارته ليتركها جانبا في أحد المآوي عند مدخل المدينة ويركب دراجته ليواصل بها الطريق.وبذلك يتحكم في استهلاك الوقود ويحد من إنفاقه. كما يكسب الوقت للوصول إلى عمله بتجنب الوقوف المطّول في إشارات المرور والاختناق المروري. ويتمكن في نفس الوقت من ممارسة الرياضة والمحافظة على صحته... ويا حبّذا لو تتم العودة الى استعمال الدراجة العادية أو النارية في ظروف أخرى ووسط تهيئة الطرقات بصفة علمية مدروسة، فذلك من شأنه أن يجنب التونسي مصروف هام كان ينفقه على السيارة ويوفر له مكسبا ماديا ونفسانيا وصحيا. كما يمكن الدولة من توفير ملايين الدولارات التي تنفق سنويا على المحروقات والتي يساهم فيها صندوق الدعم بنسبة كبيرة وهامة.