بعد عشرين عاما تعود صورة الطالب الصيني المجهول الذي وقف متحديا الدبابة العسكرية خلال ربيع «تيان ان مان» او معبد السلام الذي كان شاهدا على اكبرانتفاضة طلابية تعيشها الصين خلال تسعينات القرن الماضي الى الذاكرة وتطفو على سطح الاحداث وتدفع في خضم التطورات المتسارعة الحاصلة في ايران الى التساؤل عما بقي من تلك الاحداث التي اهتز لها العالم واعتقد خلالها انها ستكون بداية نهاية نظام العملاق الصيني المنغلق الذي كان ولايزال مصدر انشغال من طرف الغرب المتحسب دوما لاهداف الصين العسكرية والاقتصادية وغيرها تماما كما هو الحال مع المشروع النووي الايراني.... واذا كان الطالب الصيني المجهول ورمز احداث تيان ان مان الذي عجزت كل شبكات الاستخبارات العالمية في الكشف عن هويته اكثر حظا من الطالبة الايرانيةالشابة ندا سلطان التي باتت بدورها رمزا للحركة الاحتجاجية في طهران بعد النهاية المؤلمة والغامضة التي وضعت حدا لحياتها فان الاكيد ان المشهد الصيني ومع مرور عشرين عاما على تلك الاحداث لا يزال ابعد من ان يبوح بمختلف تبعات تلك الاحداث وما يمكن ان يؤول اليه ربيع بيكين على مستقبل اكثر من مليار نسمة تنتمي الى ست وخمسين اقلية مختلفة تنتشر في الصين... وكما ان وجود احد المراسلين الاجانب في العاصمة الصينية بيكين كان له دوره في نقل مشهد الشاب الصيني في مواجهة الدبابة فان الفضل في انتشار اللحظات الاخيرة في حياة الطالبة الايرانية التي تضاربت الانباء حول موتهايعود بدوره الى سلاح الانترنت والفايس بوك الذي نقل للعالم نهاية ندا سلطان التي خرجت للانضمام الى صفوف المحتجين على نتيجة الانتخابات الرئاسية الايرانية... اكثرمن نقطة قد تدفع الى المقارنة بين ما لا يقبل المقارنة بين الاحداث التي عاشت على وقعها الشيوعية الصينية قبل عشرين عاما والاحداث المستمرة في الجمهورية الاسلامية الايرانية بعد ثلاثين عاما على الثورة فقد اعتقد الكثيرون انذاك ان بداية نهاية مرحلة بدلة ماو الزرقاء التي تجمع كل الصينيين دون استثناء ومعها نهاية صحفة الارز والشاي المتوفر لكل بيت صيني ودخول مرحلة جديدة من الاصلاح الاقتصادي والسياسي، وزاد في ترسيخ تلك القناعة حالة العدوى التي شهدها العالم والتي امتدت الى عديد المواقع في العقد الاخير من القرن الماضي مع سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي بما فتح المجال امام الكثير من الشعوب في اوروبا الشرقية الى تغيير واقعها السياسي والاقتصادي والدخول في رهانات جديدة مع التغيير... ولاشك انه وبعد عقدين على احداث تيان ان مان فان المشهد القادم من الصين قد تغيرمع اعتماد الصين نظام اقتصاد السوق الحر وفتح المجال للاستثمارات بما جعل الصين اليوم اشبه بمجمع لناطحات السحاب ولاحدث البنايات واجمل الطرقات والجسور وغيرها من مظاهر التقدم الحضاري وتتفوق بذلك على اقوى دول العالم واكثرها رقيا دون ان تتخلى عن نظامها السياسي وخياراتها الشيوعية المتوارثة عن ابرز قياداتها... و لاشك ان الاحداث المتسارعة التي جعلت ايران تحت المجهرمنذ الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية قد عززت بدروها الاعتقاد بان ايران على موعد مع ثورة جديدة ستقلب المشهد الايراني راسا على عقب وتجعل ايران قاب قوسين او ادنى من التمرد على نظام ولاية الفقيه... قد يكون من السابق لاوانه الحسم بشان مصير التحركات الاحتجاجية الحاصلة في ايران ولكن الارجح ان شانها شان احداث ربيع بيكين تبقى اشارة خطيرة على مشاعر الغضب المتولدة عن القيود المفروضة وحالة الكبت التي طالما تراكمت في نفوس الايرانيين ولاسيما فئة الشباب منهم وهي اشارة لايمكن لحكيم ان يتجاهلها او يقلل من اهميتها ومن امكانية تجاوزها كل الخطوط المسموح بها... ولعل الايام القادمة وعندما تبدا الازمة في الانحصار تحمل في طياتها المزيد من الاشارات عن التوجهات المستقبلية في ايران وربما تؤكد معها ما كان الرئيس الامريكي اوباما اشار اليه بان نجاد وموسوي نتاج الثورة الايرانية وقد لا يختلفان كثيرا في توجهاتهما بل وان الاهم من كل ذلك ما تتطلع اليه الشعوب من واقع مغاير...