المغرب - تونس- الصباح الأسبوعي: إيمانا بدور الإعلام في تغيير المجتمعات والتأثير فيها احتضنت مدينة الرباط مؤخرا ملتقى تحسيسيا لفائدة وسائل الإعلام حول «أساسيات مقاربة تخفيض مخاطر مستعملي المخدرات بالحقن» المتسبب الرئيسي في انتشار مرض السيدا والإصابة بفيروس الايدز والأمراض العويصة بشكل عام في العالم... وهو ملتقى يندرج تحت إطار «مشروع مينارا (MENAHRA) وهي شبكة إقليمية للتعريف بمقاربة تخفيض المخاطر بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا «التابعة لمنظمة الصحة العالمية... وهو الثالث في هذا الإطار حيث كان الأول مع أصحاب القرار من مسؤولين في دول المغرب العربي والمعنيين مباشرة بهذه الظاهرة ثم كان الثاني مع أصحاب الشأن أي مستعملي المخدرات أنفسهم... دعوة وللحد من هذا الوباء كانت الدعوة ملحة على اعتماد استراتيجيات جديدة تدعو بالخصوص إلى إدراج هذه الظاهرة ضمن إجراءات الصحة العمومية والنظر إلى مستعمل المخدرات على أنه مريض وليس منحرفا مكانه السجن... فالتصنيف الجديد لمستهلك المخدرات هو مريض عقلي... وقد نص هذا الملتقى الذي اشرف عليه مختصون وأطباء على إيجاد مقاربة براغماتية وعملية بعيدا عن الوعظ والإرشاد ووصف مستعملي المخدرات بالعار كما تحث على ذلك الأممالمتحدة في مقاربتها لتقليص هذه المخاطر التي تلح على الاتصال بالمستهلك والأخذ بيده عوض الانتظار حتى تصبح حالته مرضية وميؤوسة... وكان التأكيد بالخصوص على عدم اقتصار البلدان على إلقاء القبض على هؤلاء المدمنين وسجنهم أو إخضاعهم لعلاج يعتمد على المنع لان نتيجة هذا هو أن المدمن على المخدرات والمخدرات المحقونة أصبح مجرما مختبئا لا يمكن الوصول إليه وهو ما يمنع أي مراقبة أو تقييم لهذه الظاهرة... كما يزداد الوضع تأزما مع إبعاد هذه الفئة من المصالح الصحية وتركها عرضة للأوبئة... علما وان هذا الوباء لن يبقى محصورا على هؤلاء المدمنين لأنهم بدورهم سينقلون العدوى إلى باقي فئات المجتمع... ترتيب وحسب التقارير المنجزة في إطار الأممالمتحدة فقد اتضح أن الطرق الردعية التي لم تكن ناجعة بدليل أن عدد المقبلين على المخدرات يتضاعف يوميا حسب الإحصائيات العالمية الرسمية لهذا كانت الدعوة ملحة إلى سياسات بديلة مثل التأطير والتحدث لهؤلاء المدمنين أو ما يعبر عنه ببرامج الشوارع لفائدة مستعملي المخدرات وقد برهنت هذه الطرق على نجاعة تجربتها في عدد من البلدان... وهو ما يعني استبدال السجون بمراكز للعلاج حتى داخلها... لأن الظاهرة التي لا يمكن تشخيصها وتحديدها لا يمكن بالضرورة معالجتها... زيادة على أن سياسة التخفي والإخفاء لا تزيد المجتمعات إلا تأزما... وتجدر الإشارة إلى أن التقارير التي قدمها المؤطرون في هذا الملتقى مخيفة ومفزعة على مستوى التزايد المستمر لاستعمال المخدرات في العالم... فحسب مكتب الأممالمتحدة للمخدرات والجرائم فان أكثر من 113 مليون شخص يستعملون الكوكايين وأكثر من 60 مليون يستهلكون أنواع أخرى من المخدرات ويبلغ مستهلكو المخدرات في الشرق الأوسط وإفريقيا التي تصنف كمجتمعات خفية في هذا المستوى قرابة 10 ملايين ثلثهم في ايران وهو ما يعني أنها تحتل المرتبة الأولى. وتحتل المغرب المرتبة الأولى في انتشار وترويج وعبور المخدرات على مستوى المغرب العربي نظرا لحدودها مع اسبانيا اكبر مستهلك ومروج للكوكايين في العالم زيادة على وجود 14 مطارا دوليا بها... اما البلد الافتراضي القادم لاحتلال المراتب الأولى في مستوى استهلاك المخدرات وترويجها فهو مصر. بريد ومن الغريب والطريف في الآن نفسه أن البريد هو الذي يحتل المرتبة الأولى في تجارة وترويج المخدرات بين الدول وتأتي بعده الحدود الجوية ثم البحرية ثم البرية... ومن النتائج والبديهيات التي انتهى لها هذا الملتقى هو التعامل بوضوح وشجاعة مع هذه الظاهرة الكارثية والآفة التي تتسبب في الموت البطيء للمجتمعات لأن سياسة الإخفاء والتخفي لا تزيد إلا الوضع تأزما كما أن الخوف ليس وسيلة لتغيير السلوك... كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الظاهرة ليست وليدة العصر بقدر ما هي قائمة الذات على مر العصور والأزمان ولم توجد حضارة ولا ديانة ولا مجتمع بدون مخدرات...