تونس الصباح الذين حضروا حفل الفنانة شهرزاد هلال مساء أمس الأول بقصر خير الدين في إطار سهرات الدورة 27 لمهرجان المدينة، لا بدّ أن يكون قد خامرهم وهم يقفون من جديد على عذوبة صوت هذه الفنانة الشابة وقدرتها على الأداء الجيد بمختلف أنماط الأغنية من خفيفة وقصيد... سؤال مفاده: لماذا تنتشر وتشتهر أسماء الفنانين وفنانات هم بكل المقاييس دون مستوى شهرزاد هلال موهبة وصوتًا وثقافة موسيقية.. في حين تغيب هي ومثيلاتها القليلات أو تكاد في زحمة منطق الإثارة والتجارة والدعاية الإعلامية التي تهيمن على الساحة الفنية وعلى «سوق» الأغنية؟! هل هي بالدرجة الأولى مسؤولية شهرزاد هلال ومثيلاتها من الفنانات اللاتي اخترن التجديف ضد تيار استعجال النجاح والإثراء على حساب الفن والذوق؟ أم هي مسؤولية وسائل الإعلام والصحافة المنوعاتية التي أصبح كل «همّها» الترويج والانتصار لأصحاب «النزوات» و«الهبلات» والتفاهات الفنية؟ تونسي وشرقي حفل الفنانة شهرزاد هلال في مهرجان المدينة الذي راوحت فيه بين أعذب الأغاني والألحان التونسية والشرقية مثّل أيضًا بالنسبة إلى من حضره وخاصة رجال الإعلام، شكلاً من أشكال «الرجّة» التي تجعلنا ربما ننتبه إلي خطورة خطإ انخراطنا في الترويج لنماذج كسولة من بين فنانينا وتقديمهم في صورة «نجوم» و«فلتات» على حساب أسماء أخرى تبدو مؤهلة أكثر بحكم موهبتها وثقافتها الموسيقية لأن ترتقي بمستوى المشهد الفني وتثري المدوّنة الغنائية التونسية.. فمن استمع إلى الفنانة شهرزاد هلال وهي تغني في حفلها هذا أغنية «مغرومة» أو «إنت روحي» أو «انحبك» وهي أغان إيقاعية خفيفة وجميعها في الطبوع التونسية.. كتبت كلماتها ولحنتها شهرزاد هلال، سيدرك بالتأكيد مدى تشبّع هذه الفنانة القديرة لا فقط بالثقافة الموسيقية بل وكذلك أهليتها كفنانة ومطربة لإثراء المدونة الغنائية التونسية وتقديم الإضافة الأصيلة والنوعية. أما من استمع إليها وهي تؤدي مجموعة القصائد والأغاني التونسية والشرقية التي تضمّنها برنامج حفلها مثل قصيد «أغدًا ألقاك» الذي يعدّ من روائع المطربة أم كلثوم أو قصيد «متى ستعرف كم أهواك يا أملاً» كلمات نزار قباني وألحان محمّد عبد الوهاب أو قصيد «ما أظلمك» الذي هو من الإنتاج الغنائي الخاص بالفنانة شهرزاد هلال (كلمات عبد الوهاب المنصوري وألحان رضا الشمك).. أو هي تؤدي أيضًا أغنية «هقابلو بكره» أو أغنية «يا محسونة»، فإنه لا بد أن يشعر بالمتعة الفنية وبالاعتزاز بأن يكون لنا ضمن قائمة فنانينا وفناناتنا الشبان، المثقفين والموهوبين واحدة تدعى شهرزاد هلال. إن برنامج حفل الفنانة شهرزاد هلال في سهرة أمس الأول في إطار مهرجان المدينة لم يكن يقل في شيء عن برنامج حفل الفنانة أمينة فاخت مثلاً في إطار مهرجان قرطاج الدولي... بل ربما كان حفل شهرزاد هلال أرقى وأنقى شكلاً ومضمونًا.. فلماذا تحضر دائمًا أمينة فاخت في مهرجان قرطاج الدولي وتغيب عنه دائمًا شهرزاد هلال؟ من يملك الإجابة؟!
