كل عمل قصصي للناشطة النسوية المصرية الشهيرة نوال السعداوي لا يمكن أن يمر مر الكريمات... من «زينة» لم تحد السعداوي عن خطها السوي فاخضعت القصة الى سلم افكارها... فكان ما كان.. عرض. تونس - الصباح: غلبت نوال السعداوي في روايتها الجديدة «زينة» ابداء الرأي على الحدث اذ هي تصادر اصوات ابطالها وتتخذهم وسيلة للاجهار بأفكارها السياسية والثقافية بشكل متواتر، ولأنها لا تتصور نفسها سوى مصلحة أو مناضلة نسوية أو باحثة أو مرشدة اجتماعية، فقد عمقت فعل التنظير ولم تكترث طويلا لأحداث القصة والاصل في افكارها واطروحاتها المنشورة منذ اولى رواياتها هو الدفاع عن الانثوية في وجه الذكورية، تلك الطاغية التي تتحول بين يديها الى عدائية سافرة تجاه الرجل. وتتجسد هذه العدائية بوضوح في رواية «زينة» وما تحمله الشخصيات الرئيسية من كره ومقت جليين للرجل، فبدور مثلا تحلم بالثأر من زوجها ويتهيأ لها انها تخترق صدره بسكين... وهي بذلك تعبر عن لاوعيها المؤرق. الانفصام «سمة الحياة» وبدرية زكريا وصافي، مجيدة واحمد... مصابون بالانفصام والازواجية التي ترى فيها نوال السعداوي «سمة الحياة» بالتالي نقرأ من خلال السطور حجم هذا الانزياح بين الواقع والمتحيل والتجاذب بين ما هي عليه بدور وما تريده او تتمناه. القصة في نظر المؤلفة هي المتنفس للافكار المحظورة والمشاعر والرغبات المكبوتة المدمرة والعميقة. و عالم الرواية بلامبادئ ولا قيم عند السعداوي هو اقرب الى العدمية منه الى اعتناق افكار ومبادئ بعينها، فالحكام والسياسيون والموظفون والصحفيون ورجال الدين الذين نكتشفهم في رواية «زينة» يعانون من انحرافات مختلفة. فهم مستغلون ومنافقون وخونة وبائعو ذمة. ولان الراوية لدى السعداوي مساحة لابداء الرأي والتعليق على اكثر من قضية، فقد عرضت فيها عما يحدث في مصر ومدارسها وجامعاتا وشوارعها وازقتها وبيوتها واداراتها... تناقضات وخليط من التجاوزات والمعضلات الاجتماعية والنفسية... وتبرز الراوية رأيها في الكون والدين والموسيقى والغناء والأحزاب والزواج المختلط والبنوك اللاربوية والتزمت الاخلاقي والنفاق السياسي والديني والايمان والكفر والصحافة والنقد الادبي والجماعات «التكفيرية» والحب المازوكي والسادي وشح المياه وانقطاع الكهرباء وزعيق الاصوات والروائح الكريهة للمجاري و...و... قضية تخفي قضايا... «زينة» بطلة الرواية فهي امثولة النقيض لما تعانيه نساء السعداوي عادة من احساس بالذنب والاثم والخوف فيما زينة هي ثمرة الحرية والحب والطبيعة والعفوية ثمرة الحياة النامية على هامش المجتمع. فمن خلال استعراض منزلتها، نقتحم عالم أطفال الشوارع والأزقة وهو العالم الحقيقي، عالم الصدق والعفوية. وسبق لنوال السعداوي ان نادت بحق اولاد الشوارع (الذين تربو اعدادهم على مليونين) في العيش بكرامة والاقرار بانسانيتهم... وقد ادرجت قضية ثانية فجرتها في مصر حين طالبت السلطات المصرية بادراج اسم الام الى جانب اسم البنت او الصبي... وتجعل الكاتبة من «فرقة مريم» في الرواية اول من يطبق هذا النسب الامومي على اطفال الشوارع، وما لم تفلح في تحقيقه السعداوي على ارض الواقع تحققه على الورق. مواقف السعداوي في روايتها من اهل الصحافة والادب كونهم في نظرها «ماسحو احذية» وان النقد الادبي مهنة «طفيلية» تعيش على دم الرواية هي مواقف قد لا تتفق واياها ولكن تهمز بها السعداوي العالم المحيط بها.. وربما بسبب هذه الثورة العارمة سقطت السعداوي في اكثر من مفارقة، فكيف يمكن لزينة المشردة اللقيطة ان تتعلم في المدرسة نفسها مع مجيدة ابنة الطبقة الثرية؟ وكيف نقتنع ان احد المسؤولين العسكريين يخاف من الفئران والصراصير؟ وكيف يسمع اغاني زينة علنا وجهارا من هو امير جماعة اسلامية تحرم سماع الأغاني... هذه رواية هي في الاساس مشروع سلم افكار قبل ان تكون فضاء للاحاسيس... وهو اكبر خطأ يقع فيه الروائي.