عاد الكهرباء والماء.. وروح تضامنية كبيرة بين السكان قفصة الصباح لم يكن اهالي الرديف الذين ناموا باكرا ليلة الاثنين الموافق ل22 سبتمبر 2009 يدرون ان فجرها لن يكون مشرقا بل مرعبا بعد ان خلدوا للنوم على ايقاع قطرات المطر الضعيفة المتساقطة دون ان يولوها اي اهتمام واعتبروها بشائر قدوم فصل الخريف بعد درجات مرتفعة للحرارة خلال شهر رمضان لعلها تلطف الاجواء في تنزيل الحرارة. هطلت الامطار ضعيفة بداية من العاشرة ليلا بشكل متقطع وتواصلت الى حدود الساعة الرابعة وهي ساعة الصفر حيث عدت بشكل فجائي كميات لتصل الى 100 مم في الساعة مصحوبة برياح في شكل عاصفة بلغت سرعتها 150كم/س حسب معيار الرصد الجوي ثم سرعان ما رافقت هذه الامطار ثلوج (البرد) لتتحول الى اعصار طوفاني بدأ يضرب كل شيء امامه من اشجار ومبان واعمدة ليسقطها ارضا بالتوازي مع ذلك انفجرت جميع الاودية القريبة في الاحياء مباشرة وارتفع منسوبها ليصل الى 1.17م وسرعان ما اقتحمت سيول مياه الاودية المنازل لتغمر الغرف واسطح السكان جارفة معها ادباش الاهالي وغامرة المنازل بالاتربة والطين وهو ما جعل الكثير من العائلات تغادر منازلها بحي سيدي عبد القادر الطرابلسية وحي الصادة وحي النزلة هاربة من هول رعب العاصفة الطوفانية التي لم تشهد لها المنطقة مثيلا حسب شيوخ المدينة منذ سنوات خلت حسب الذاكرة وقد تواصل نزول الامطار وذلك بشكل غزير لمدة ساعة ونصف دون توقف وهو ما ادخل رعبا في نفوس الصغار والكبار خاصة مع دوي صوت قوي للبرق والرعد كان اشبه بصوت انفجار قنبلة الى حدود الساعة 07.30. حصاد العاصفة منذ الساعات الاولى من الصباح كان كل شيء مقضيا حيث هرع الجميع للشوارع لملاقاة الاجوار والاقارب والقاء نظرة عن قرب على ما خلفته العاصفة من خراب خاصة ان ظلام ساعات الفجر وانقطاع التيار الكهربائي كان بمثابة حاجز يمنع الرؤية اضافة الى اصوات البرق والرعد الذي كان يحدث هلعا يمنع الاهالي من مغادرة البيوت، فقد كان المشهد قاتما يثبر الرعب والذعر في النفوس والبطل من خرج وعائلته بسلام من دوامة العاصفة فالاضرار كانت فادحة وجسيمة: خراب هنا ومنازل تهاوت جدرانها وغمرتها السيول الهادرة وجرفت اثاثها وما تركته حولته الى كومة من الطين حيث لم يسلم من قوة السيول لا اشجار ولا احجار ولا حيوان الا وجرفته في طريقها نحو خارج المدينة. اعمدة الكهرباء والهاتف تهاوت وبقيت معلقة في اسلاكها وغمرت الاوحال الطينية جميع الطرقات لتقطع المرور بين الاحياء في اتجاه مركز المدينة لتتعطل شرايين الحياة داخل كامل المدينة واصبحت الحياة كئيبة حزينة. شلل يصيب الحركة الاقتصادية خلف الاعصار الطوفاني المصحوب بالثلوج والامطار والرياح خسائر في الارواح البشرية حيث بلغت الحصيلة غير الرسمية لليوم الاول 20 حالة وفاة و8 جرحى وعددا من المفقودين هذا الى جانب وجود حالتين في حالة حرجة. وقد تم العثور على جثة عجوز تبلغ من العمر 60 سنة على بعد اكثر من 20 كلم عن منزلها بعدما جرفتها السيول عبر الوادي الذي يشق منزلها ووجدوها المارة عالقة بسياج البلدية بينما وجدوا جثة لشخص كان قد غادر منزله متجها في طريقه الى محطة القوافل ليسافر الى مدينة صفاقس في حين توفيت طالبة جامعية تجاوزت عقدها الثاني بقليل كانت قد غادرت منزلها لحظة العاصفة متوجهة لمحطة الحافلات قاصدة الجامعة حيث كانت صحبة والدها ولدى محاولتها تجاوز الوادي جرفتها المياه بسرعة مذهلة جعلت والدها يعجز عن نجدتها ليبقى متسمرا في مكانه مذهولا من الفاجعة ويرى ابنته تهلك امامه. ولقيت زوجة وابنها حتفهما اثناء محاولة مغادرتهما المنزل المجاور لاحد الاودية ولم يتم العثور على جثتيهما ولا تزال عمليات البحث عن المفقودين متواصلة خاصة وان عددا من العائلات اعلنت عن فقدان احد ابنائها كما توفيت عجوز صحبة ابنتها البالغة من العمر 18 سنة بعد ان غمرت السيول غرفتهما في حين عثر على البقية تحت ركام الطين وجدران المنازل بعد ان تعرضوا الى حالة اختناق بالماء. واصيبت المدينة بشكل كامل بشلل اقتصادي حيث جرفت سيول الامطار المواد الغذائية من المتاجر التي تحولت الى اكوام من الطين اختلطت مع السلع والمواد الغذائية بكامل متاجر السوق وقد تضرر ايضا عدد من المتاجر المخصصة لبيع الملابس والعطورات وجميع الفضاءات المخصصة لبيع احتياجات المواطن اليومية كما حملت السيول معها داخل الاودية العشرات من السيارات وانقلبت اغلبها وتكسرت نوافذها وتضررت جميعها. عاد الكهرباء والماء.. وروح تضامنية كبيرة بين السكان قفصة الصباح المتتبّع للوضع الطارىء الذي تعرّضت له مدينة الرديف يلاحظ الرّوح التضامنية التي تميّز بها أهالي المنطقة ومدى انصهارهم في عمليات الإغاثة مع بقية الأطراف حيث هبّوا كالرجل الواحد نحو المناطق المعزولة لتقديم المساعدة لفائدة المتضرّرين وقد ساعدهم على ذلك معرفتهم الجيّدة لتضاريس مدينتهم ومختلف مواقعها مقيمين بذلك الدليل على حسّهم الوطني. وفي نفس الإطار نشير إلى تدفق المواد الغذائية وخاصّة الخبز من مدينة أم العرائس وتوزيعه مجانًا على الأهالي من قبل أصحاب النفوس الخيّرة وذلك إلى جانب المساعدات المقدمة من الجهات الرسمية تعزيزات طبية هامة الوضع الطارىء الذي تعرّضت له منطقة الرديف دفع جميع الأطراف إلى مضاعفة مجهوداتها من أجل التخفيف من وقع الأضرار التي لحقت بالأرواح والممتلكات حيث تمّ تعزيز عدد المتدخّلين من قوات الجيش الوطني وقوات الامن الداخلي والاطبّاء وأعوان التمريض وفي هذا الصدد علمنا أنّ عددًا من أعوان الصحة العمومية واصلوا عملهم دون توقّف طيلة ما يزيد عن 24 ساعة بالاضافة إلى التواجد المستمرّ للمسؤولين المباشرين للقطاع الصحي منذ الساعات الأولى لحدوث هذه الكارثة الطبيعية المفاجئة. عودة الكهرباء والماء بدأت الحياة تدبّ تدريجيَّا في مختلف أجزاء مدينة الرديف من ذلك عودة الكهرباء الذي انقطع تمامًا على البيوت مثلما هو الشأن لمياه الشرب التي انقطعت هي كذلك عن كامل المدينة ويأتي ذلك في أعقاب المجهودات المبذولة من قبل الجهات المعنية وفي هذا الإطار تسعى المصالح الصحية المختصّة إلى مراقبة نقاط التوزيع مع استعمال الوسائل والأدوية الضرورية لمنع أيّ طارىء.