بعد أن هدأت الأمطار الطوفانية التي هطلت على عديد مدن الجنوب الغربي والساحل والتي خلّفت عددا من القتلى في الرديف والرقاب وبومرداس وعشرات المفقودين والجرحى، استفاق المواطنون صباح أمس على وقع ما خلّفته الكارثة وحاول الكثيرون البحث عن جثث الموتى وعن المفقودين وتوفق البعض وواصل الآخرون البحث بمساعدة الأجوار والأقارب ووحدات التدخل التابعة للحماية المدنية والجيش. عديد المواطنين الذين عايشوا الطوفان في الرديف والذين نجوا من الموت تحدّثوا ل «الشروق» عما شاهدوه وعايشوه وكيف حاولوا انقاذ أقارب وأجوار لهم وعجزوا عن ذلك. مواطنون آخرون في صفاقس وبعض مدن الساحل تعرّضوا في حديثهم ل «الشروق» عن بقائهم لساعات محاصرين على الأسطح وفي السيارات والحافلات فيما وصف كثيرون حجم الخسائر المادية التي لحقت منازلهم ومتاجرهم ومواشيهم وممتلكاتهم آملين في أن يتم التعويض لهم. وفي المقابل تم الشروع في إزالة مخلفات الأمطار الطوفانية وإصلاح الأعطاب التي طالت شبكتي الكهرباء والهاتف وفي توزيع المساعدات من المواد الغذائية والأغطية على العائلات المتضررة. وواصلت اللجان المختصة رصد واحصاء الأضرار الحاصلة وايواء المتضررين الذين فقدوا مساكنهم أو أثاثهم. وشهدت مدينة الرديف انقطاع مياه الشرب بعد انقطاع الكهرباء كامل يوم الاربعاء وهو ما فرض على السلط هناك توزيع المياه المعدنية المعلّبة. «الشروق» وعبر مكاتبها وشبكة مراسليها تابعت الأوضاع في الرديف والرقاب وقصور الساف وبومرداس وصفاقس وبنزرت وتمغزة والشراردة والجم وأعدّت الملف التالي. مواطنون من الرديف ل «الشروق»: صدمنا لما رأينا وعجزنا عن إنقاذ أقاربنا وأصدقائنا مازالت حصيلة ضحايا الفيضانات التي حدثت في مدينة الرديف ترتفع تباعا، إذ بلغت حسب تصريحات بعض الأهالي المقيمين بالمدينة 28 فردا بعد أن تم انتشال جثث عدد من المفقودين الذين حملتهم المياه بعيدا. المشهد في المدينة يبدو كارثيا وحجم الدمار الذي خلفته السيول يعطي الانطباع بأن ما جرى يفوق حددو الوصف والتصور. بعض الأهالي ممّن تحدثنا إليهم بدا عليهم الذهول وعقد ألسنتهم هول ما شاهدوا ولم يستطع بعضهم حتى سرد الأحداث بهدوء وتسلسل. الشاب محمد حدثنا بكثير من التأثر أنه كان نائما فجر ذلك اليوم المشؤوم ولم يحس بشيء ولكنه فجأة استيقظ على صراخ أفراد عائلته بعد أن غمرت المياه منزلهم لم يفهم شيئا في البداية قبل أن يحاول البحث عن أفراد عائلته ومحاولة مساعدة بعضهم ولكن هيهات فقد جرفتهم المياه ووجدت جثث زوجة ابن عمته وابنيها في مكان بعيد جدا عن منزلهم وما هاله وزاد في فجيعته أنه وجد أحد جيرانه وهو زميله في العمل أيضا يصرخ بحرقة ماسكا جثة زوجة أخيه بعد أن جرف السيل ابنتيها الشابتين. وفاة أقاربه وجيرانه جعلت الشاب محمد لا يكترث مثلما صرح بالخسائر المادية التي لحقت منزله بحي السوق الذي انهارت بعض أجزائه كما شاهد بعينه عشرات السيارات التي كانت المياه تجرفها إضافة الى عدد كبير من قطع الأثاث المنزلي التي حملتها المياه بعد أن انهارت عديد المنازل وطفا ما كان داخلها في مجرى الوادي. العم علي صرّح لنا متلعثما أنه لم يشاهد طيلة حياته مثل هذا السيل الجارف وقد كان شاهد عيان على وفاة عدد من جيرانه وما حزّ في نفسه أنه فشل في مساعدتهم وقد ظلّ راسخا في مخيلته مشهد مروع بعد أن رأى إحدى جاراته (حفصية) تتخبط وسط المياه وعبثا حاول إنقاذها رغم محاولته اللحاق بها لكن السيل حال بينه وبينها وكانت تصرخ وتستغيث وكان من جانبه يصرخ ويستغيث ولكن المياه جرفتها بعيدا وكادت تلحقه بها. العم علي مازال تحت هول الصدمة وزادت حالته تدهورا بعد أن علم أن زملاءه الذين يعملون معه توفي منهم ثمانية. أما السيد صالح فوصف ما شاهده بأنه يتجاوز كل ما عرض عبر شاشات التلفزات عن فيضانات مماثلة حدثت في أماكن متفرقة من العالم إذ غمرت المياه حيهم السكني (حي الطرابلسية) وبلغ ارتفاعها مترين ولم ينج إلا من صعد فوق أسطح المنازل التي ظلّت صامدة ولم تنهر بفعل السيول وقد شاهد بعينيه عددا كبيرا من المواطنين تجرفهم المياه ولكنه كان عاجزا عن مدّ يد المساعدة لهم وما حزّ في نفسه أنه يعرف عددا كبيرا منهم وفيهم من كانوا من عائلة واحدة. الجميع أجمعوا على أن ما شاهدوه يفوق الوصف والحديث عن الخسائر المادية يبدو غير ذي جدوى بفعل حالة الأسف والحزن التي تملأ النفوس وتجعلها غير مكترثة بشيء بعد أن ذهب الأهل والأحبة.