تونس الصباح: وقائع هذه القضية تبدو عادية بالمقارنة مع وقائع قضايا أخرى في استهلاك ، ولكن ما تتميز به هو أنها تمثل سابقة في تاريخ القضاء التونسي حيث طبق فيها الفصل 11 من المجلة الجزائية. وقبل الحديث عن مقتضيات هذا الفصل يجدر الحديث أولا عن منطلق القضية وتفاصيلها والتي تعود إلى يوم 18 ماي 2009 حيث لاحظ أعوان دورية أمنية أثناء مرورهم بشارع الهادي نويرة بحي النصر 2 سيارة يركبها شاب وفتاة يبدوان في حالة غير عادية فتشككا في إستهلاكهما للمخدرات ولذلك أوقفاهما وأحيلا على فرقة الشرطة العدلية بأريانة وعند سماع أقوال الشاب ذكر أنه يدعى «محمد» عمره 27 سنة وهو طالب بالخارج واعترف بأنه مدمن على استهلاك «الزطلة» منذ ثلاثة أعوام وأنه يتزود بها من شخص من متساكني حي باب الأقواس في العاصمة يجهل عنوانه، كما اعترف بأنه دخن «الزطلة» يومها وقبل إيقافه بوقت قصير. أما الفتاة فقالت إنها كانت ترافق محمد فقط ولم تدخن معه «الزطلة» وإنها دخنت السجائر العادية. وبعرض بقايا سيجارة حجزت لدى الشاب على التحاليل المخبرية المختلفة من فحص مجهري وتحليل كيميائي وبواسطة كروماتوغرافيا الطبقة الرقيقة تبين أن السيجارة تحتوي على مخدر القنب الهندي أو ما يعرف بالتكروري المدرج بالجدول «ب»، كما جاءت التحاليل التي أجريت على سوائل المتهمين إيجابية. ولذلك أحيلا على المجلس الجناحي بالمحكمة الإبتدائية بأريانة لمقاضاتهما من أجل مسك واستهلاك مادة مخدرة مدرجة بالجدول «ب» طبق أحكام الفصل 4 من القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992، فقضي بسجن كل واحد منهما مدة سنة ولكنهما طعنا في الحكم المذكور وأحيلا على محكمة الإستئناف الجناحي بتونس، وفي جلسة انعقدت مؤخرا قضي في حق المتهمين بعدم سماع الدعوى رغم ثبوت الإدانة في حقهما ورغم وجود أدلة قاطعة. «الصباح» اتصلت بالأستاذ منير بن صالحة المحامي لدى الإستئناف الذي ناب في هذه القضية ففسر المسألة من وجهة قانونية لا سيما أن هذا الحكم أصبح حديث المحامين، فرأى أن «الإجراءات الجزائية تحكمها قواعد شكلية عدة موجودة صلب مجلة الإجراءات وهي قواعد آمرة رتب المشرع التونسي على مخالفتها جزاء البطلان أي أن المتهم وبغض النظر عن ثبوت الإدانة في حقه من عدمها لا بد أن تحترم عند استنطاقه وعند القبض عليه أو عند تفتيش مسكنه قواعد إجرائية صارمة تعد بمثابة الضمانة القانونية لحرمة الأفراد وحصانتهم وحريتهم الشخصية وهي التي تؤسس لدولة القانون.» وأضاف الأستاذ بن صالحة أنه «إذا ما ارتكب شخص جريمة وثبت أن الاجراءات التي تولاها أعوان الأمن أو حاكم التحقيق لم تحترم النصوص القانونية ومن بينها مثلا استصدار إذن من وكيل الجمهورية فإن على المحكمة أن تقضي بعدم سماع الدعوى العمومية لبطلان الإجراءات مثلما نص على ذلك الفصل 11 من مجلة الإجراءات الجزائية وللأسف فان الفصل 11 أهمل لعقود عدة حتى صار نصا مهجورا لا يؤخذ بعين الإعتبار رغم أنه لا يزال إلى اليوم نافذ المفعول، لذلك يعتبر هذا القرار الجريء قرارا ثوريا لأنه أعاد الروح لهذا الفصل».