بعد معركة لم تكن بالهينة امام المحاكم الالمانية استمرت اربع سنوات استعاد العراق كاسا اثرية ذهبية يعود تاريخها الى اكثر من اربع الاف سنة وذلك بعد ان ظهرت الكاس فجاة لتعرض في المزادات العلنية في ميونيخ وتكشف القليل مما وقع نهبه وسلبه من كنوز العراق واثاره التي تتلهف عليها شبكات مافيا الاثار لنقلها الى الاسواق الاوروبية وغيرها بعد ان تحول العراق الى سوق سوداء تحكمها قوانين الفوضى الخلاقة التي ابتدعتها ادارة الرئيس بوش في خرق فاضح لكل نواميس الشرعية الدولية وقراراتها ومبادئها... قد لا يختلف اثنان ان ارض العراق كانت ولاتزال اكبر متحف عالمي للاثارو قد لا يحتاج المرء ان يكون عالما او اخصائيا في فن الآثار ليدرك تلك القيمة الحضارية والانسانية والتاريخية لكل قطعة من قطع الآثار العراقية التي جمعت بين خصوصيات حضارات انسانية كبيرة تعاقبت عليها بدات بالسومريين ومرت على البابليين والاشوريين وصولا الى الحضارة الاسلامية العربية ودولة بني العباس واكسبت الحضارة العراقية صبغة انسانية ندر ان يكون لها مثيل بين حضارات العالم... ولاشك ان في كل تلك الاثار التي نهبت او تلك التي لا تزال تشهد على الارث العراقي بمختلف جذوره ما يجعلها تقف رغم العصور والازمنة شاهدا شعاره التحدي يرفض الاندثارويصر على التمسك بجذوره الانسانية التي اكتسبها خلال مختلف الاحقاب التي مرت بها الحضارات المتعاقبة هناك... قد يكون التساؤل عن اليد او الايادي المسؤولة التي امتدت لتعبث بالآلاف من ممتلكات العراق وثرواته وقطعه الفنية والاثرية التي لا تقدر بثمن اشبه بالبحث العبثي عن تلك الحلقة التي ستظل مفقودة في تحديد مسؤولية قرار الحرب على العراق الذي تاه بين ادعاءات البحث عن اسلحة الدمار الشامل المهددة للامن والسلم في العالم وبين جلب مشروع الديموقراطية الى ارض الرافدين على ظهر الدبابات ووقع القنابل الذكية... شانه في ذلك شان الكثير من الكنوز الاثرية العراقية التي تمت مصادرتها تماما كما صودرت ثروات العراق النفطية وعائداته الخيالية في صفقات وهمية لم يعرف شعب العراق مالها. و لعل في تمثال الفتاة السومرية المتبخر الذي يعرف بموناليزا العراق والذي يعد من اقدم واشهر الاثار العراقية ما يرجح خضوع ثروات العراق الاثرية الى خطة ممنهجة لتعرية العراق وسلبه مقومات هويته وخصوصيات حضارته العريقة وهي بالتاكيد لم تكن الا استكمالا لحلقة سابقة من مصادرة ثروات العراق بدءا باسمى واقدس الثروات وهي الثروة البشرية والانسانية بكل ما تعنيه من عقول عراقية وحكماء وعلماء وفنانين وباحثين في مختلف المجالات ممن تحولوا الى هدف للقناصة والمسلحين المجهولين الذين لايمكن الا ان يكونوا اعداء للذاكرة العراقية التي تخيفهم ولكل ما تختزنه من كنوز فكرية... ... واذا كان الارجح ان العراق قد تعرض حتى قبل الاجتياح الامريكي الى محاولات متكررة لسرقة آثاره التاريخية فان الاكيد ان نسق تلك العمليات قد ارتفع وتضاعف خلال سنوات الاحتلال وما افرزه من غياب الامن وانتشار لغة العنف و الموت والدماء التي استنزفت العراقيين. ولعل في تلك الاخبار المتواترة بين الحين والآخر عن عمليات الكشف عن العثور على قطع اثرية مهربة في حقائب الجنود الاجانب ممن استنفذوا مهماتهم في العراق ما يعكس حجم الماساة وابعاد المهمة التي انيطت بعهدة اولئك الجنود ممن وقفوا بانفسهم يشهدون على سلب ونهب متاحف العراق وخزائنه. لقد استعاد المتحف العراقي اليوم عبر المحاكم الالمانية قطعة اثرية فنية لا يستهان بها لعلها تكون مقدمة لاستعادة ما فقد من انسانية العراق وكرامته وهويته في المحاكم الدولية...