تونس الصباح تستمر الحملة الترويجية للصناعة التونسية بالخارج والداخل التي تنظمها وزارة الصناعة والطاقة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة إلى غاية السنة القادمة 2010 في التظاهرات الدولية المختصة وفي اللقاءات الداخلية مثل «أربعاء المؤسسة» في تونس، وذلك بهدف استقطاب أقصى ما يمكن من طاقات وتجنيدها خدمة للأهداف الجديدة التي جاءت بها الاستراتيجية الوطنية للصناعة إلى غاية 2016. إذا كانت الاستراتيجية المذكورة ترمي أساسًا إلى فتح نوافذ وآفاق جديدة أمام المنتجات الصناعية الوطنية في محيطها المتوسطي والدولي من خلال دعم عناصر القوة التنافسية التي تمكنت عدة صناعات تونسية من إحرازها على مدى العشرين سنة الأخيرة مثل صناعات النسيج والملابس والجلود والأحذية، أو الصناعات الكهربائية والإلكترونية، إلا أن الهدف المركزي من هذه الاستراتيجية الجديدة هو خلق علامة تونسية جديدة تحت اسم: تونس، الهضبة الأورومتوسطية للصناعة والتكنولوجيا أو تونس «الأوروماد فالاي» في إشارة ولو بعيدة وغير مباشرة لما يوحي به مصطلح «الفالاي» أو الهضبة من تفوق وجودة من جهة، ومن كثافة وتمركز من جهة ثانية على غرار سيليكون فالاي الأمريكية أو هضبة صناعة تكنولوجيا الذكاء الشهيرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويكشف هذا التوجه من خلال السعي إلى خلق هذه العلامة عن سعي الاستراتيجية المذكورة إلى تقديم تونس للعالم الخارجي والمستثمر بشكل خاص على شكل قاعدة مركزية في المنطقة المتوسطية عمومًا للصناعة ولكن أيضًا للخدمات المتعلقة أو التابعة مع ما يعني ذلك من اندماج وتكامل، بالإضافة إلى عناصر القوة التقليدية وهي القرب من أوروبا أولاً وكفاءة اليد العاملة والإطار المسيّر من جهة ثانية. تثمين القطاعات الكلاسيكية والمنافسة الجريئة في القطاعات المجددة تفرد الاستراتيجية الوطنية الجديدة مكانة خاصة لقطاعات ساهمت بشكل كبير في إحراز تونس مرتبة متقدمة في المنطقة المتوسطية على غرار صناعة النسيج والملابس والأحذية، الصناعات الغذائية، الصناعات الميكانيكية، الكهربائية والإلكترونية، وهي قطاعات ذات قدرة تصديرية عالية ومحترمة حيث يفوق رقم معاملات كل قطاع منها مع الخارج من خلال الصادرات المليار دينار سنويًا، إضافة إلى دورها التنموي الكبير، ذلك أنها تمثل مجتمعة ما يعادل 76% من المؤسسات الصناعية في بلادنا، 87% من الصادرات و62% من الاستثمارات الخارجية المباشرة ولكن أيضًا أو خاصة 83% من مواطن الشغل المحدثة. وهو ما يعطي هذه القطاعات كل المكانة والأهمية التي من المنتظر أن تلعبها في السنوات القليلة القادمة بمناسبة هذه الخطة الوطنية إضافة إلى قطاع جديد ومجدد سريعًا ما ارتقى إلى مرتبة الأولويات الوطنية، وهو قطاع صناعة الذكاء وتكنولوجيا الاتصالات الذي أصبح في فترة وجيزة جدًا يمثل ما يعادل 8% من الناتج الوطني الخام، وفي ظل الآفاق العريضة التي سيعرفها نمو هذا القطاع في العالم من جهة، وفي ظل النجاح التونسي المتزايد في هذا المجال من جهة ثانية، فإن كل الجهود تنصب مستقبلاً على ضمان كل حظوظ النمو لهذا القطاع. القيمة المضافة ضمان المنافسة تركز الاستراتيجية الوطنية الجديدة على دعم القطاعات الصناعية التونسية وفق مقاربة جديدة لتمكينها من كسب المنافسة الشرسة والمتزايدة في عدد من المجالات الهامة مثل صناعة النسيج والملابس والأحذية، حيث أن المنافسة التي يعيشها القطاع اليوم خاصة من قبل بعض الدول الآسيوية وفي طليعتها الصناعات الصينية، تفرض مراجعة جذرية لملف هذه القطاعات. وحتى تكون فرصة القطاع في المنافسة أكبر، تعمد الخطة الوطنية الجديدة إلى رفع حصة المؤسسة التونسية من الشراكة بدل المناولة كما كان الأمر إلى غاية فترة قصيرة خلت، حيث أن الرهان المطروح على النسيج أو الملابس أو الأحذية والقطاعات المشابهة، يكمن في الارتقاء إلى مرتبة أعلى على مستوى الإنتاج بالتركيز على المنتجات الراقية وذات القيمة المضافة مثل منسوجات الموضة والنسيج الفني والتصميم والابتكار من جانب، والتركيز على منتجات خاصة من جهة أخرى مثل النسيج المقاوم للحرائق، للبكتيريات، أو القابل للرسكلة أو المركب وغيرها من المجالات التي جاءت بها التجديدات التكنولوجية، والمرشحة للتطور بشكل كبير في السنوات المقبلة وذلك حتى لا تكتفي المؤسسة التونسية في هذا المجال بسلسلة الإنتاج أو المناولة، التي لا يمكن أن تنافس بأي حال من الأحوال بعض الدول الأخرى مثل الدول الآسيوية وعدم الاكتفاء بالسيطرة على كلفة الإنتاج، لأنه مهما كان ذلك ممكنًا، فإنه يوجد دائمًا منافس أقل كلفة وأرخص لسبب أو لآخر (غياب الكفاءة العالية، تشغيل الأطفال، غياب التشريعات والقوانين الحمائية...). وفي قطاع النسيج والقطاعات المشابهة، فإن الهدف الاستراتيجي الذي جاءت به هذه الدراسة يكمن في الوصول إلى تجاوز مرحلة المناولة (التركيز على صناعة الجزء)، إلى مرحلة المنتج الكامل ذي الجودة والإضافة العالية، وذلك بالوصول إلى 300 مؤسسة عاملة في هذا المجال سنة 2016 مقابل 70 وحدة فقط في الوقت الراهن مع تحقيق 40 ألف شغل إضافي، خاصة في المناطق ذات الأولوية، أي مناطق التنمية الجهوية. أما قطاع الصناعات الغذائية، فإنه يعدّ الضلع الثاني الهام في هذا التوجه من حيث التركيز على الاختصاصات ذات القيمة المضافة العالية على غرار تعليب المواد الغذائية (زيت الزيتون، الغلال، نصف المصبرات، الأطعمة الجاهزة أو المثلجة ونصف المثلجة)، وهي قطاعات تشهد طلبًا متزايدًا وانفجارًا حقيقيًا على مستوى الاستهلاك. أما الاختصاص الثاني الهام في هذا المجال فيبقى بلا شك المواد الغذائية الصحية أو البيولوجية، التي تشير الأرقام والإحصاءات المختلفة إلى تطور الإقبال عليها في العشرية القادمة نظرًا لقيمتها الصحية من جهة ولكن أيضًا لتراجع كلفتها المنتظر مقارنة بالأسعار الحالية المعمول بهاو ما يجعل منها سوقًا حقيقية في وقت قريب يمكن للصناعات التونسية أن تجد لها فيه موطء قدم هام. ويهدف التوجه الاستراتيجي إلى إدراك أرقام طموحة على هذا الصعيد: استقطاب 585 مليون دينار من الاستثمارات وإحداث 34 ألف موطن شغل مباشر، ونسبة نمو سنوي في حدود 6%. أما في خصوص الصناعات الميكانيكية والإلكترونية، فإن الخطة الاستراتيجية تعتمد على الطفرة الهائلة التي يعرفها هذا القطاع على المستوى العالمي وعلى النجاحات المتواصلة التي تعرفها تونس في الفترة الأخيرة في هذا المجال، وتشير الدراسات إلى أن المناولة في ميدان صناعة السيارات مثلاً أو الطائرات تتراوح في حدود 77% من السيارة أو الطائرة في حدود 2016، ما يفتح آفاقًا عريضة وهامة في وجه الصناعات التونسية التي نجحت منذ سنوات في احتلال مكانة أساسية في مجال المناولة في قطاع السيارات، وتسير بخطى ثابتة حاليًا في مجال الطائرات والصناعات الفضائية من أجل احتلال مكانة رائدة في هذا القطاع وذلك بهدف الوصول إلى تحقيق استثمارات مباشرة تصل إلى 658 مليون دينار وإحداث ما لا يقل عن 45 ألف موطن شغل في هذا القطاع. أما الضلع الرابع الأساسي في هذه الخطة، فإنه يتمثل في صناعة الذكاء وتكنولوجيا المعلومات التي شهدت في تونس قفزة نوعية وكمية هائلة جعلت منها إحدى الدول الرائدة على المستوى الدولي في هذا المجال الحيوي، الذي أصبح اليوم مدعوًا إلى دعم دوره ومكانته، من ذلك الوصول إلى رقم 500 مليون دينار سنة 2016 مقابل 53 مليون سنة 2007 مثلاً، والترفيع إلى 20% من حجم القطاع في الناتج المحلي الخام مقابل 8% حاليًا والترفيع في مواطن الشغل من 8 إلى 15 ألفًا سنة 2016. صناعات أخرى للتثمين إذا كانت الخطة الاستراتيجية تركز بشكل أساسي على الرباعي سالف الذكر، إلا أن ذلك لا يعني الاكتفاء بهذا التوجه، بل إن الخطة تشمل قطاعات لا تقل حيوية وأهمية وإن كانت أكثر تخصصًا وأقل تصديرًا، مثل صناعات البلاستيك المختلفة أو مواد البناء والتعليب، أو خاصة الصناعات والخدمات الصحية، والتي تتراوح بين الطب عن بعد والبيوتكنولوجيا وصناعات الأدوية واللقاحات (يبلغ حجم سوق الأدوية غير المملوكة للعلامات Génériques أكثر من 100 مليار دولار سنويًا). ضمانات نجاح على هذا الأساس باشرت الأطراف ولا تزال إلى غاية آخر السنة القادمة التعريف بهذه الخطة الجديدة والإمكانات والقطاعات التي تم تشخيصها من أجل تقديمها للمستثمرين التونسيين والدوليين، على أساس توجه واضح مرقم على مستوى الإحداثات والاستثمارات واليد العاملة ومناخ الأعمال، تحت شعار «فكّر بتونس Think Tunisia»، فكّر بأفضل الفرص المتاحة للاستثمار وأفضل ظروف النجاح، ذلك أن تونس لا تقدم فرصًا أو أفكارًا فقط بل توفر كذلك وربما بشكل خاص مناخًا متكاملاً ومشجعًا على مستوى الحوافز والضمانات والتسهيلات إلى جانب الكفاءات العالية والرغبة الصادقة في تقديم الإضافة الحقيقية للاقتصاد الوطني في الفترة القادمة لرفع كل التحديات.