تونس - الصّباح: وأنت تتفرج على فيلم «الشارة البيضاء» لمايكل هانكي، لا بد أن يعتريك أحد شعورين... اما الرهبة أو الانبهار، وكلا الشعورين مردهما ذلك الاحساس بالمتعة الذي توجده فيك تلك الدرامية العجيبة التي تدور في أجوائها أحداث هذا الفيلم الذي حصل على سعفة كان الذهبية ويعرض بسينما «أفريكا». فمن خلال مذكرات معلم شاب يدرس في قرية ألمانية عشية اندلاع الحرب العالمية الأولى، يأخذنا المخرج النمساوي مايكل هانكي من خلال عملية سرد روائي وحكائي مشوقة في رحلة مثيرة بالمعنى السينمائي للكلمة في حيثيات مجموعة وقائع وحوادث مرعبة وغامضة تشهدها القرية الريفية الهادئة... أحداث عنف واعتداء استهدفت في الاول طبيب القرية ثم تباعا عددا من الأطفال الأبرياء.. التاريخ وحقيقة الانسان على أن اللافت - هنا - أن المخرج «مايكل هانكي» وعلى الرغم من مركزية مثل هذه الأحداث والحوادث في المتن الدرامي والحكائي للفيلم... وعلى الرغم كذلك من فضاعة عمليات الاعتداء التي استهدفت الأطفال، خاصة فانه يبدو من خلال فيلمه وكأنه مهتم أكثر ب«أشياء» أخرى سواها... أشياء تحيل من بين ما تحيل على التاريخ وعلى حقيقة الانسان في المطلق بما هو مجموعة رغبات وطموحات ومعتقدات وغموض و...مفاجآت... والواقع أن مثل هذه «الأشياء» هي التي صنعت عمق الخطاب الدرامي للفيلم وجعلته يبدو أقرب في شكله إلى الرواية المقروؤة بالعقل والوجدان والرغبة والذاكرة منه الى الفيلم المشاهد (بفتح الهاء) بالعين... على أن هذا لا يعني - اطلاقا - بأن فيلم «الشارة البيضاء» هو فيلم كلمة وحكايات بل هو أيضا وبامتياز صورة سينمائية ووجوه وانفعالات.. فوجوه الأطفال - مثلا - في هذا الفيلم وكذلك حضورهم كذوات، استطاع المخرج أن يصنع منه كمّا - لا فقط - دراميا بل وكذلك مساحة فرجوية جميلة ومؤثرة بالمعني السينمائي.. الحس الانساني وكذلك الشأن بالنسبة لوجوه الرجال والنساء بل وحتى بالنسبة للمشاهد الطبيعية بمختلف مكوناتها.. ان المتفرج على «الشارة البيضاء» حتى وان لم يجد في فكرة الفيلم على مستوى الحكاية ما هو خارق - ربما - أو استثنائي فإنه، ينبهر حتما بذلك الحس الانساني العميق الذي يطبع كل مشهد وكل لقطة فيه.. كما ان المتفرج على فيلم «الشارة البيضاء» ل«مايكل هانكي» سيسلم لمهرجان «كان» السينمائي الدولي الذي منحه السعفة الذهبية في دورته الأخيرة... سيسلم له ولأعضاء لجنة تحكيمه بالنزاهة والحرفية وأنه تظاهرة سينمائية دولية تحترم تاريخها واسمها ولا تخون جوائزها... ذلك انه لو كانت هناك جائزة أخرى أكبر وأهم من «السعفة الذهبية» لمهرجان «كان» لاستحقها عن جدارة هذا الشريط العجيب للمخرج النمساوي «مايكل هانكي»... نقول فيلم «عجيب» لأننا نقدر أنه الفيلم الوحيد في تاريخ السينما العالمية الذي يتمنى مشاهده لو أنه لا ينتهي.. وأن يتواصل إلى ما لا نهاية!!!