على مدى ثلاثة أسابيع كنت كتبت عن قصّة «أمّي تراكي» امرأة ال84 سنة والتي أنجبت ما شاء الله من البنات والأولاد... وحكيتُ عن مأساتها التي اختزلتها في كلمة الجحود ولعلّكم شاهدتم يوم الجمعة الماضي وفي برنامج «المسامح الكريم» لقطات من الحصة التي حضرت فيها آنذاك... وتميّزت فيها بردودها الطريفة وذكائها الوقّاد... والأهم بعطفها وحبّها لكل أبنائها بلا استثناء... ... كانت لحظات لا تنسى وابنها سمير يقبّل يديها ويرسم قبلة أخرى على جبينها... وكانت لحظات لا تنسى أيضا في حياتي أنا شخصيا عندما اقتربت منها... ولمحت دمعة ساخنة في عينيها لم تقدر شاشة التلفزيون على التقاطها فوجدتني ألمس يديها وأندفع لأقبلها دون أن أشعر بأحد... نسيت أني أمام كاميرا التصوير وأمام ملايين من المشاهدين ووجدت نفسي وكأني وحيد... أنا وهي...! ... وجدت نفسي أمام أم قهرها الزمن وأتعبتها الأيام ومازالت مصرّة على الحياة وعلى «التجاوز» وعلى «التسامح» وقد قالت «راني مسامحتهم»... ... اعترف أني أثناء إعلان خبر وفاتها على شاشة التلفزيون يوم الجمعة الماضي... كدت أنفجر بالبكاء... كانت لحظات صعبة بالنسبة لي رغم أن جلّ الإعلاميين في العالم يعلنون وفاة آلاف الناس يوميا... ولا يثير الأمر أي شيء داخل استوديو التصوير... ورغم أني مُدرك جدا لذلك.. فإنني عندما أعلنت عن وفاة أمي تراكي كدت أفقد صوتي خصوصا أن الجمهور الحاضر معي... وهو الجمهور نفسه الذي حضر معي أيضا عندما كانت «أمي تراكي» ضيفة على «المسامح كريم» تفاجأ بالخبر... وهناك من بكى أمامي وهناك من تأسّف وأصابه الذهول... فأمي تراكي لم تمرّ هكذا... بل تركت في ركن من أركان استوديو «المسامح كريم»... بصمة... وكلمة ودمعة! .. أعلنت خبر وفاتها دون أن يتغيّر شيء في حياة أبنائها... ظلّ الصراع بين الاخوة قائما إلى اليوم... ذهبت «أمي تراكي» بلا رجعة وتركت لهم آلاما وعبرة كذلك عسى أن يلتئم الشمل بعد وفاتها بعد أن عجزت الظروف عن لمّه وهي حيّة ترزق... ... إنها نهاية امرأة مناضلة... شريفة ككل الأمهات التونسيات اللواتي يذبن من أجل الأبناء... فهل نقدر على ردّ ولو بعض من الجميل لهنّ! ... «المسامح كريم»... دمعة وابتسامة... ابتسامة ملأت الأستوديو عندما قالت «أمي تراكي» ردّا على إحدى بناتها المتدخلات عبر الهاتف أثناء تسجيل الحصة: «راك ما تنجمهاش يا عبد الرزاق.. راهي مهفة عليك»... ودمعة نزلت في مآقي كل الحاضرين عندما دخل ابنها سمير وقبّلها وضمّها وبكى! ... هذا هو «المسامح كريم»... صور لن تمحى في حياتي! شكرا لقراء «الأسبوعي» أتوجه بشكري الجزيل لكل قراء «الأسبوعي» وكل قراء بطاقة «من القلب» على تفاعلهم مع كل ما يكتب من إرهاصات خارجة من عمق الأحاسيس والعواطف... وأخصّ بالذات القارئة وجدان مقراني (كلية الحقوق والعلوم السياسية) على سعة صدرها واهتمامها بكتاباتي وبرامجي وإني أعدها أنني استخلصت الكثير من الأشياء وأنا أقرأ رسالتها كاملة... كما أتوجه بشكري الجزيل إلى الآنسة سناء الشريف وأقول لها إحساسك جميل ورائع ولن أضيف أكثر... كما أعلم الآنسة عواطف بأني تفاعلت لحالة «آية» التي تحدثت عنها وإني أعدك بأني سأهتم بالأمر خصوصا أنك قلت حرفيا «حالة آية محزنة جدا وموجعة جدا» شكرا عواطف... إذن للتفاعل مع الكاتب يمكن الاتصال عبر الSMS على الرقم 22.885.804 أو عبر الموزع الصوتي: .87999 أو عبر البريد العادي على العنوان التالي: «الأسبوعي» - شارع 7 نوفمبر- تونس، أو عبر الإلكتروني للجريدة... إذن اكتبوا لي... حتى أستطيع الكتابة!!! للتعليق على هذا الموضوع: