تونس الصباح لا يعتبر الفنان الموسيقار سمير العقربي واحدا من أنبغ الموسيقيين التونسيين من ابناء جيله وأكبرهم موهبة فقط وانما ايضا الوحيد من بينهم ربما الذي يملك مشروعا فنيا بالمعنى التقني والثقافي للكلمة. فهذا الموسيقار المثقف والموهوب والذي ساهم بألحانه التي وضعها في جعل الاغنية التونسية تعرف فترة ازدهار نوعي وحقيقي على امتداد عشرية الثمانينات من القرن المنقضي وهي العشرية التي اصطلح على تسميتها ب«الفترة الذهبية» في تاريخ الاغنية التونسية الحديثة يبدو بالتأكيد لمن يعرفه سواء من خلال طبيعة اعماله الموسيقية الغنائية او على مستوى فلسفته» في الحياة وطريقة عيشعه و«سقف» مطالبه وطموحاته المادية وكأنه مشروع «راهب» ومجدد نذر نفسه وفنّه وموهبته لصالح تقديم الاضافة الفنية في مجال الاغنية والموسيقى مقتفيا في ذلك اثر اعلام موسيقيين كبار في تاريخ الاغنية والموسيقى من امثال خميّس ترنان وسيد درويش وغيرهم.. ففي الوقت الذي انصرف فيه بعض ابناء جيله من الموسيقيين التونسيين الى اقامة المشاريع التجارية مثلا (فتح مقاه ومدارس تعليم موسيقى..) وفي الوقت الذي انتبه فيه البعض الاخر منهم الى ضرورة «التموقع» في بعض المناصب الادارية (ادارة وتدريسا) او استغلال النجومية الفنية لتكوين «الثروة» وكسب الملايين من خلال اقامة الحفلات العامة كان الفنان الموسيقار سمير العقربي منخرطا من جهته بالكامل في «حلم» الاجتهاد من اجل المساهمة في الارتقاء بالخطاب الموسيقي الغنائي التونسي واثرائه وتطوير مضامينه اداته في ذلك «التجريبَ» والبحث من خلال الاشتعال على الموروث الموسيقي والغنائي والانشادي لا فقط التونسي بل والمغاربي عموما في جميع مظاهره.. فقد رأيناه مثلا من بين ما رأيناه يشترك مع المسرحي الفاضل الجزيري في انتاج عرضي «النوبة» و«الحضرة» الشهيرين كما رأيناه ايضا في وقت من الأوقات يكوّن مجموعته الموسيقية الخاصة الفقيرة في شكلها (ثلاثة منشدين وعازف ايقاع وسمير العقربي مغن وعازف على الكمنجة) ليجوب بها بعض المهرجانات الصيفية غير الدولية وليغني من خلالها للعمال والفقراء والموت والحياة من اشعار الصغير اولاد أحمد والمرحوم منور صمادح. واليوم اذ يعلن رسميا عن تسمية الفنان الموسيقار سمير العقربي على رأس مصلحة الموسيقى بمؤسسة الاذاعة والتلفزة الوطنية فليس معنى ذلك بالتأكيد عند من يعرف سمير العقربي ان هذا الفنان سينزع عنه جبة «النضال» من أجل اغنية تونسية جميلة وأصيلة وذات معنى وانه سيتحول فجأة الى «مدير» بالمعنى البيروقراطي والاداري السلبي للكلمة.. فهذه «اشياء» لا يمكن ان «تركب» على شخصية هذا الفنان المعروف بهوسه وعشقه للموسيقى بوفائه وحبه للأغنية التونسية والمغاربية عامة وانها ستكون مجرد «موقع» او «خطة» وظيفية كما يحلو له ان يسميها يواصل انطلاقا منها جهوده بكل كفاءة واقتدار من اجل خدمة الموسيقى والاغنية التونسية لا اكثر ولا اقل . ايضا تمثل تسمية الفنان الموسيقار سمير العقربي على رأس مصلحة الموسيقى مؤشرا اضافيا على ان كفاءاتنا الشابة والموهوبة والمثقفة في مختلف المجالا عموما قد بدأت تجد طريقها التي هي جديرة به الى مواقع القرار والتسيير والادارة.. فها أنه وفي مجال الموسيقى تحديدا نجد الفنانة سنية مبارك على رأس ادارة مهرجان الموسيقى التونسية وها ان الاستاذ والموسيقار الشاب زياد غرسة على رأس ادارة فرقة المعهد الرشيدي وها ان سمير العقربي اخيرا وليس آخرا على رأسم مصلة الموسيقى بمؤسسة الاذاعة والتلفزة الوطنية.