تونس - الصباح: سبع سنوات ونصف هي المدة التي تطلبها صدور حكم نهائي في الدعوى الجنائية التي قامت برفعها النيابة العامة الليبية ضد طاقم قيادة طائرة "الشورتس" المملوكة لشركة سرت للنفط إحدى الشركات المملوكة للمؤسسة الوطنية للنفط الليبي. الطائرة تحطمت يوم 13 جانفي 2000 على بعد أربعة أميال قبالة شاطئ مدينة البتر وكيمائية مرسى البريقة حيث يقع مقر شركة سرت للنفط ونتج على إثر الكارثة وفاة 21 شخصا من ضمنهم الضحية التونسية الوحيدة المرحومة دليلة سعد عزيز عنون التي كانت المضيفة الوحيدة على متن طائرة الموت. الدعوى الجنائية شهدت فصلين من أوجه التقاضي، الفصل الأول انتهى بتاريخ 5 سبتمبر 2005 حين صدر حكم ابتدائي من محكمة البريقة الجزائية في الجنحة رقم 142/2005 بعد أن وجهت النيابة العمومية التي تولت مباشرة الدعوى ثلاث تهم أساسية ضد قيادة الطائرة تمثلت في: 1- "تعريض السلامة العامة للخطر بإحداث كارثة بأن تسببا خطأ في إسقاط الطائرة (شورتس) ونتج عنه وفاة واحد وعشرين راكبا..." 2- "التسبب خطأ وبغير قصد ولا تعمد في قتل واحد وعشرين راكبا كانوا على متن الطائرة وذلك عندما أهملا في قيادة الطائرة الموصوفة بالأوراق مما أدى إلى سقوطها في مياه البحر وعلى النحو المبين بالأوراق.." 3- "التسبب خطأ وبغير قصد ولا تعمد في إحداث إيذاء لسبعة عشر راكبا كانوا على متن الطائرة وذلك عندما أهملا في قيادة الطائرة الموصوفة بالأوراق مما أدى لسقوطها في عرض البحر على النحو المبين بالأوراق". هذه التهم تنطبق عليها مواد القانون الجنائي الليبي 63/3، 76/1، 298، 313/2 عقوبات والمحكمة بعد اطلاعها على الأوراق وسماعها المرافعات التي استمرت لقرابة 3 سنوات وبعد استقراء الوقائع وتمحيصها بما يطمئن إليه ضميرها وتستقر عليه عقيدتها، فقد ثبت لها صحة إسناد التهم في حق المتهمين وعليه قررت إدانتهما وتسليط العقوبة المناسبة مراعية في ذلك نوع الفعل وطبيعته ومدى القصد الجنائي لدى المتهمين وجسامة الضرر وحكمت بمعاقبة كل واحد منهما بالحبس لمدة ستة أشهر. المتهمان قررا الطعن في الحكم ضد النيابة العامة ورفعا الاستئناف المرقم تحت عدد 231/2005 أمام محكمة اجدابيا الابتدائية - دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة التي تداولت الدعوى لعدة جلسات استغرقت قرابة السنتان، وفي الجلسة الأخيرة التي تقرر خلالها حجز الدعوى للحكم حضر المتهمان ومعهما دفاعهما الذي دفع بفساد استدلال وقصور حكم محكمة البداية كما دفع بمخالفة الحكم المستأنف للقانون وطالب بإلغاء الحكم! كما طالب ببراءة المتهمين مما نسب إليهما لعدم توفر الأدلة واحتياطيا الحكم بانتداب خبير استشاري أما إذا ذهبت المحكمة لخلاف ذلك فإن المتهمين يلتمسان استخدام كل ظروف الرأفة والتخفيف. اقرار مسؤولية قائدي الطائرة المحكمة وبعد الإطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص وسماع المرافعة الشفوية وإتمام المداولة قانونا وباستعراض وقائع الاستئناف على نحو ما سلف من إشارة وبيان وما قدم به من مستندات وأوراق وما أثير من دفوع الدفاع، وحيث لم يظهر دليل مغاير للأدلة التي بني عليها الحكم المستأنف انتهت المحكمة إلى رفض موضوع الاستئناف وتأكيد الحكم المستأنف بما ذهب إليه من قضاء بالأدلة والأسباب التي بني عليها، وحيث ترى المحكمة بأن المتهمين قد أصيبا إصابات بالغة أشارت إليها الأوراق ونشأت عن وقوع الحادث ولكل هذه الأسباب حكمت المحكمة حضوريا بقبول الاستئنافين شكلا ورفضهما موضوعا، وأمرت بتوقيف تنفيذ العقوبة المقضي بها لمدة 5 سنوات ابتداء من تاريخ صدور هذا الحكم. وبصدور هذا الحكم يتم طي الفصل الجنائي في جانب مسؤولية قيادة الطائرة المنكوبة الذين تسببوا في وقوع هذه الكارثة الإنسانية التي دفع ثمنها بأرواحهم كل الضحايا وتحملت عائلاتهم وزر المعاناة المادية والنفسية التي نتجت - وحسب المحكمة- على إثر مسلسل أخطاء وإهمال وتقصير المتهمين الذين تمت إدانتهما. أمل وعلى اثر صدور هذه الاحكام اتصلت"الصباح" بعائلة المرحومة دليلة والتي امتنعت عن إبداء أي تعليق بخصوص هذا الحكم احتراما منها لسيادة القضاء الليبي وانطلاقا من ثقتها به وبهذه المناسبة عبرت عن أملها في أن تتم تسوية حقوقها في جانب التعويض المستحق في القريب العاجل بعيدا عن إجراءات التقاضي المعقدة والطويلة خاصة في ظل وجود أساس للتسوية تم اعتماده مع باقي الأسر وعندها يتسنى لأسرة المرحومة طي صفحة هذه المأساة بشكل كامل خاصة بعد ثبوت مسؤولية قيادة الطائرة وتبعا لذلك مسؤولية شركة سرت للنفط والمؤسسة الوطنية للنفط الليبي. رحلة الموت يذكر ان الطائرة الخاصة كانت في رحلة لنقل موظفي الشركة من مدينة طرابلس إلى مكان عملهم بالمركب البتروكيميائي بمدينة مرسى البريقة التي تقع 800 كم شرق مدينة طرابلس، عندما توقف محركاها على التوالي وهو ما أدى إلى سقوطها وارتطامها بسطح البحر على بعد 4 أميال من مطار الوصول وأدت الكارثة إلى إصابة 17 شخصا وقتل 21 من ضمنهم المرحومة التي كانت عضو الطاقم الوحيد الذي قتل. ومنذ ذلك الوقت وبعد الخروج تدريجيا من هول الفاجعة، تحركت جميع الأطراف لتحديد المسؤوليات وتعويض عائلات الضحايا. ولاقى هؤلاء صعوبات جمة في الحصول على حقهم . وبعد مدة حصل جميع المتضررين وعائلات الضحايا على التعويضات المستحقة باستثناء عائلة التونسية دليلة . 4 مليون دولار تعويضات للضحايا الانقليز وهو ما اكدته حتى الصحف البريطانية من ذلك "الدايلي تلغراف" بتاريخ 31 ماي 2001 و"الدايلي بوست" بنفس التاريخ اللتين نشرتا خبرا مفاده أن عائلات الضحايا الانقليز الخمس والذين هلكوا في الحادث حصلت على مبلغ 2.5 مليون جنيه (4 مليون دولار تقريبا)كتعويض كما حصلت عائلات بقية الضحايا على التعويضات اللازمة وكذلك بعض المتضررين الذين أصيبوا ولم يقضوا في الحادث.. وانتظر أهل دليلة يوم الثامن عشر من شهر جوان ليصدر حكم قضائي من محكمة جنوبطرابلس المدنية الذي قضى بجبر الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بوالد المرحومة. وظلت القضية الخاصة بتعويض ابنتيها دون حراك لحدّ الساعة مع بطء وتعطيل في الإجراءات ، وذلك بسبب قصور في وثيقة التأمين التي تغطي الطائرة المنكوبة إذ أنها كانت تشمل الكل باستثناء الطاقم وهو من الأمور التي كانت تجهلها شركة سرت وغفلت عنها.. ...وعائلة دليلة؟ ورغم المساعي التي بذلت في كل من بريطانيا وسويسرا ولا تزال تبذل في كل من تونس وليبيا من قبل العديد من الجهات والمؤسسات والأطراف لم توفق إلى حد الآن في تسوية الموضوع وديا على غرار ما تم مع باقي عائلات الضحايا، رغم أن شركة سرت سبق لها أن عرضت تسوية الموضوع وديا في مناسبتين الأولى كانت بسويسرا سنة 2001 والثانية بليبيا سنة 2005 إلا أن الشركة تراجعت عن إتمام التسوية، وعليه كان من الضروري السعي في المسلك القضائي. ورغم الحكم بتعويض والدي الضحية دون سواهما من بقية أفراد عائلتها فان التنفيذ الفعلي للحكم الصادر لم يتم لحد الآن وكان من الممكن أن يكون قد صدر منذ سنوات وهو ما اعتبرته عائلة المرحومة دليلة تعد على حقوقها الإنسانية والطبيعية بالإضافة إلى أنه تعد على مبدا المساواة وهو مبدأ سام تحميه الأعراف والقوانين الوضعية والطبيعية الإنسانية وكذلك الاتفاقيات الدولية. وكانت المرحومة دليلة خلفت وراءها بنتين الأولى تبلغ اليوم 18 سنة والثانية 13 عاما وزوجا ظلّ وفيّا لروح زوجته وكرّس وقته لرعايتهما وتربيتهما، ووالدين ملتاعين. والطفلتان هما أكثر المتضررين ومازالتا تعانيان من مصابهما الجلل إلى جانب أنه لم يتم تعويضهما عن الأضرار التي أصابتهما كباقي أطفال أسر الضحايا المنتمين إلى ثمان جنسيات مختلفة وهما في انتظار إحقاق الحق في مطالبهما العادلة والتي تمت تأديتها للجميع باستثنائهما.