المخرج الاستاذ حمادي عرافة هو احد الكفاءات المهمة في مجال الاخراج التلفزيوني.. فالرجل وفضلا عن مؤهلاته العلمية وتجربته المهنية المعتبرة في مجال اختصاصه فانه يعتبر احد المتابعين اليقظين لما يموج به المشهد الثقافي في تونس.. فهو دائم الحضور والمواكبة للعروض الثقافية وهو ايضا الحامل بامتياز للقب «صديق المبدعين» نظرا لعلاقاته الشخصية المتينة برموز الابداع الثقافي والفني الراقي في تونس. عن مسلسل «كمنجة سلامة» الذي أخرجه وشاهده الجمهور في النصف الاول من شهر رمضان المنقضي وعن الدراما التونسية عامة كان لنا معه هذا اللقاء. * كيف وجدت مسلسلك «كمنجة سلامة» بعدما تابعته بعين المشاهد العادي مع جمهور المشاهدين وليس بعين المخرج؟ ** وجدته كما تخيّلته وتمنّيته قبل ان أباشر عملية اخراجه.. وجدته عملا مغايرا ومختلفا لا يشبه الكتابات السابقة للسيناريست الاستاذ علي اللواتي هذا على مستوى المضمون . اما على مستوى الشكل فقد حاولت من خلاله المضي قدما على طريق ايجاد نمط جديد من الصورة التلفزيونية التي نريد لها ان تشكّل بديلا واضافة نوعية من شأنها ان تساعد على التنويع واثراء المشهد الدرامي التلفزيوني في تونس. الغريب أننا احيانا نصطدم ببعض ردود الافعال النقدية بين ظفرين التي تنكر علينا مثل هذا التوجه الاجتهادي.. فتجد مثلا من يدعوك الى أن تكون «شعبويا» في خطابك الدرامي التلفزيوني.. «شعبويا» شكلا ومضمونا بدعوى ضرورة الاستجابة لرغبات وميولات السواد الاعظم من المشاهدين.. وما من شك انه وبقدر ان الدراما التلفزيونية مطالبة بان تخوض في قضايا وظواهر مختلف الشرائح الاجتماعية.. فان جمهور الدراما التلفزية مطالب بدوره ان يقبل على مشاهدة مختلف الأعمال سواء منها تلك التي تعالج قضايا انسان الريف وتونس الاعماق او تلك التي تتعاطى مع قضايا انسان المدن.. أعود لمسلسل «كمنجة سلامة» لاؤكد لك من جديد بانه مثل لي منذ البداية اثرا ابداعيا دراميا جديدا اقتنعت به قبل مشاهدته وبعد ان شاهدته ووقفت من خلاله بعد مشاهدته خاصة على أنني قد توفقت في الاختيار وان رغبتي المبدئية في اخراج عمل درامي يكتبه السيناريست الاستاذ علي اللواتي لم تكن واهمة او في غير محلها.. فهذا المسلسل الدرامي النوعي واقول هذا بعيدا عن اي تواضع كاذب أو غرور ساذج هو ثمرة رغبة شخصية سكنتني طويلا وتتمثل في ان أثري رصيدي المهني والابداعي بعمل يكتبه السيناريست الاستاذ علي اللواتي.. بل اقول لك انني قبلتُ الاشتغال على مسلسل «كمنجة سلامة» حتى قبل ان أقرأ السيناريو!! وهذا امر يحدث لاول مرة معي على مدى مشواري المهني! لذلك وجدتني وأنا اشتغل على هذا المسلسل حريصا على ان أكون وفيا لسمعة واسم ومكانة المؤلف وايضا وفيا لنفسي كمخرج وذلك حتى اعطي هذا الأثر الابداعي الدرامي حقه من ناحية وألاّ اغبط حق نفسي في تحقيق الاضافة على مستوى الصورة. رغبتي كانت أن أبلغ بمسلسل «كمنجة سلامة» مستوى جماليا راقيا شكلا وصورة احتراما ووفاء لنفسي ولتجربتي ولقيمة واسم الاستاذ علي اللواتي واحتراما للمشاهد التونسي وللدراما التلفزية التونسية. * فعلا لقد وقع الاجماع تقريبا على جمالية مسلسل «كمنجة سلامة» على مستوى الشكل والصورة خاصة.. ولكن الجدل حام حول ما أسماه البعض توجهه النخبوي على مستوى المضمون.. ما رأيك؟ ** قد يكون مسلسل «كمنجة سلاّمة» عملا غير «شعبوي» وقد تكون متابعته تتطلب قدرا من التركيز الذهني.. فهو عمل يتحدث عن الموسيقى وعن مشاكل نفسية تعتمل في نفوس شخوص ابطاله.. كما انه يتناول بأسلوب ابداعي درامي شيق قضايا سوسيوثقافية وحضارية في صلب المجتمع التونسي راهنا ولكن هذا لا يعني انه «نخبويا» وليس في المتناول.. ربما، عرضه في خضم الوفرة و«الشكشوكة» الانتاجية الدرامية الرمضانية هو الذي جعله يبدو ربما «عسيرا» نسبيا على الهضم عند المتفرج العادي الذي لا يريد ان يجهد نفسه بالتركيز.. وأنا أتصور ان اعادة عرضه بعيدا عن «تخمة» رمضان سيجعل الكثيرين وحتى من هم في قائمة المتفرجين العاديين يكتشفونه من جديد.. * ولكن الاستاذ علي اللواتي بدا من خلال مسلسل «كمنجة سلامة» وكأنه يكتب لنفسه وليس للناس؟! ** الأستاذ علي اللواتي هو كاتب وشاعر وسيناريست ومثقف وهو لا يساوم اطلاقا في مسألة الكتابة.. فهو عندما يكتب فانه يكتب بصدق.. وأسلوبه كما اراه شخصيا هو هذا.. ومسألة انه يكتب لنفسه فهذا ربما يكون صحيحا.. فهو في مسلسله «عشقة وحكايات» مثلا كان ايضا يكتب لنفسه في رأيي بمعنى انه كان يكتب بذوق وبابداع وبلذة شخصية ولكن هذا لا يعني انه كان يغيّب القضايا الاجتماعية التي تناولها في ذلك المسلسل.. وهو ايضا في مسلسل «كمنجة سلامة» كتب بصدق وبلذّة شخصية ولكنه تناول وعالج بعمق وبابداع ظواهر وقضايا ذات ابعاد انسانية واجتماعية عميقة.. * هل تابعت حلقات مسلسل «الليالي البيض» وكيف وجدته؟ ** نعم، تفرّجت عليه.. * لقد فاجأتني كنتُ انتظر منك اجابة تقليدية مفادها انك لم تتمكن من ذلك نظرا لضيق الوقت كما يجيبنا عادة زملاؤك من اصحاب «صنعتك» عندما تسألهم نفس السؤال! ** أبدا، انا شخصيا احرص على مشاهدة كل الانتاجات الدرامية وحتى غير الدرامية.. * وكيف وجدت مسلسل «الليالي البيض»؟ ** وجدته عملا طيبا عموما سواء على مستوى السرد الدرامي او على مستوى تسلسل الاحداث و«الخرافة» التي هي اساسا وقوام كل عمل درامي واني بالمناسبة احيي كاتبة سيناريو مسلسل «الليالي البيض» الاستاذة رفيقة بوجدي وأتكهن لها بمستقبل مشرق في مجال الكتابة الدرامية. بدوره بدا زميلي المخرج الحبيب المسلماني كعادته متمكنا ومتحكما في ادوات عمله وقد حاول وهذا مهم ان يجدّد من خلال مسلسله هذا بالذات في شكل الصورة التلفزيونية (مسألة التقطيع ومسافة تركيز الكاميرا..) في كلمة، بدا مسلسل «الليالي البيض» طيبا عموما.. وقد اقنع المتفرّج وهذا مهم في حد ذاته. * كيف ترى مستقبل الدراما التلفزية التونسية.. هل انت متفائل.. هل هناك عوائق؟ ** أنا مع التفاؤل غير الساذج طبعا.. فنحن بالفعل بدأنا ومنذ تسعينات القرن المنقضي خاصة نؤسس لما يمكن ان نسميه «دراما تونسية» فالانتاج الدرامي اصبح مسترسلا وبمعدل لا يقل عن مسلسلين سنويا واحيانا اكثر.. صحيح، في الستينات والسبعينات وغيرها كانت هناك انتاجات درامية تلفزيونية تونسية ولكنها كانت تبدو معزولة عن بعضها البعض.. ولكن منذ التسعينات صار هناك توجه ووعي بضرورة التأسيس لدراما تلفزية تونسية. اما عن العوائق فالدراما التونسية عوائقها ليست تقنية في رأيي.. فالكفاءات الفنية موجودة من مخرجين وتقنيين وأنا بالمناسبة اريد ان أتوجه بتحية لكل التقنيين الذين ساهموا في انجاز الاعمال الدرامية التونسية ماضيا وحاضرا واريد ان اؤكد ان العمل الدرامي التلفزيوني الناجح قوامه دائما فريق عمل متكامل يضم الكاتب والمخرج وكامل عناصر الفريق التقني. ولكن، يجب الاشارة بالمقابل الى ان العائق الاكبر الذي يبدو قائما في وجه الدراما التونسية هو الذي تعكسه بعض الكتابات النقدية التي تحاول ان تفرض قيودا رجعية في معناها الاجتماعي على كتّاب السيناريو عندنا وذلك بدعوى ضرورة احترام التقاليد والاعراف حتى تلك التي تبدو بالية وتجاوزها العصر وتجاوزتها الأجيال.. وانها لمفارقة حقا ان يجد المثقف والكاتب والسيناريست التفهم الكامل من قبل الادارة لكي يكتب بجرأة وبشجاعة وبحرية.. في حين يجد التضييق من قبل بعض النقاد.. اني أدعو الى ان نكون متسامحين مجتمعيا ايضا مع كتاب الدراما في تونس لان مستقبل هذه الدراما هو رهين مستوى «سقف الحرية» المتوفر مجتمعيا لصانعيها..