قد يكون الضغط التركي على الحكومة العراقية حول نشاط المتمردين الأكراد (الأتراك) وتواجدهم في الشمال العراقي مؤشرا لمرحلة جديدة في العلاقات التركية العراقية وخروجا من وضع الحياد الذي أبدته أنقرة منذ انهيار نظام صدام حسين حيث تركت المجال فسيحا أمام الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية وإيران ليتصرف كل حسب أهدافه العاجلة والآجلة في بلد لم يعرف الاستقرار حتى بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات. ومجرد سماح حكومة أردوغان للجيش التركي بالتحرك في شمال العراق ضد عناصر "حزب العمال الكردستاني" يعد خطوة من شأنها أن تحقّق لها عديد المكاسب..إذ بدت تركيا خلال الأيام القليلة الماضية قوة إقليمية تخشاها الحكومة العراقية التي رجتها عدم شن هجوم ثم تغيرت اللهجة لتعلن بصورة خفية حق تتبع الأتراك للمتمردين الذين وصفتهم بالإرهابيين وهي الصفة المستعملة في تركيا عند الحديث عن أعضاء "حزب العمال الكردستاني" هذه الخشية من التحرك التركي اتضحت في مواقف الإدارة الأمريكية التي قد تجد نفسها أمام أمر واقع جديد في العراق من شأنه أن يدخل أكراده في حلقة من التوترات مع الحكومة التركية فيما تشهد العلاقات التركية الأمريكية توترا بخصوص ملف الأرمن ومحاولة الكونغرس التصويت على نص يقر بحصول إبادة للأرمن على يد الأتراك في عهد الإمبراطورية العثمانية. وأمام تسارع الأحداث يبدو أن تركيا مقرة العزم أولا على إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني بعد أن كانت قد اعتقلت قبل بضع سنوات زعيمه عبد الله أوجلان وحاكمته وهي ترغب في ضرب قواعد الحزب في الشمال العراقي حيث يلقى بعض التسهيلات من أكراد العراق كما تريد تركيا البروز كعنصر مؤثر في الوضع الداخلي العراقي وتكييفه لمصالحها مثلما فعلت إيران طيلة السنوات القليلة الماضية. وإذا كانت إيران تتصرف في العراق من منطلق "التضامن" المذهبي الشيعي فإن تركيا لا تنظر إيجابيا إلى تطور العملية الاستقلالية التي ينفذها أكراد العراق تدريجيا إذ لطالما عارضت في الماضي قيام دولة كردية في المنطقة، فانفصال الأكراد العراقيين من شانه أن يكون حالة عدوى لأكراد تركيا الذين حاولت إرضاءهم في السنوات الأخيرة بإجراءات تتعلق بتدريس لغتهم في المناطق الكردية. ولذلك ترى أنقرة أن محاولات أكراد العراق تطهير منطقة كركوك الغنية بالنفط من العرب والتركمان تمثل تمهيدا لإعلان الاستقلال وقيام كردستان المستقلة ..والنفطية وليس غريبا أن تصر أنقرة على أن كركوك لا تتبع شمال العراق بل هي امتداد جغرافي لوسطه. إن الحكومة التركية الحالية بضغطها على العراق ستحقق جملة من الأهداف لعل أهمها إرضاء الجيش التركي غير المتحمس لانتخاب حليفها عبد الله غول رئيسا للدولة وبالتالي ستمثل العمليات في شمال العراق نوعا من إعادة الاعتبار للمؤسسة العسكرية التركية التي شهدت بعض التهميش منذ وصول "حزب العدالة والتنمية " إلى الحكم هذه "المصالحة " الداخلية التركية قد تكون منطلقا لدور تركي أكثر تدخلا في شؤون العراق للحد من الدور الإيراني وإعادة ترتيب البيت العراقي بما يرضي الأطراف الداخلية وأطرافا خارجية.