كادت ردة الفعل التركية إزاء تصاعد عمليات مقاتلي "حزب العمال الكردستاني "- الذي ينشط منذ بداية الثمانينات من أجل انفصال الإقليم الكردي عن تركيا أن تزيد أوراق مختلف الأطراف الفاعلة في الوضع العراقي تبعثرا خصوصا أن هناك ضغطا شعبيا ومن قبل المؤسسة العسكرية التركية لشن عملية واسعة في شمال العراق حيث يحتمي المتمردون الأكراد. بعد الاستعدادات التركية من موافقة برلمانية وحشد القوات على حدود العراق يبدو أن حكومة أنقرة أصبحت تفضل التمهل في حسم المسألة الكردية في جانبها المسلح بانتظار ما ستسفر عنه الجهود الديبلوماسية سواء من قبل الإدارة الأمريكية أو الحكومة العراقية . ولئن كانت السلطات الرسمية العراقية من حكومة ورئاسة دولة تأمل في عدم قيام تركيا بأي عمل عسكري في شمال العراق فإنها في واقع الأمر لا تستطيع فعل شيء ضد أية مبادرة تركية في اتجاه تصفية وجود الحزب الكردي في منطقة يجد فيها منذ سنوات الدعم والتأييد خصوصا منذ قيام حكومة كردية في شمال العراق . ويبدو أن التريث التركي يعود في جانب كبير منه إلى نداء وزيرة الخارجية الأمريكية للحكومة التركية بعدم شن هجوم على الشمال العراقي فيما أعلن الرئيس العراقي الطالباني وهو من أصل كردي عن استعداد "حزب العمال الكردستاني " لوقف مشروط لإطلاق النار بوقف العمليات العسكرية التركية ضد قواته وعدم دخول شمال العراق وتوخي موقف سلمي. وبين موقف أمريكي يطالب تركيا بعدم التدخل ورأي عام تركي ضاغط على حكومة أردوغان ويرى أنها متخاذلة في مواجهة المتمردين الأكراد تبدو الحكومة التركية وكأنها وقعت في فخ، فهي من ناحية تريد الحفاظ على هيبة الجيش التركي والمؤسسة التركية وتلبية مواقف الشارع في تركيا ومن جهة أخرى الرضوخ لمطالب واشنطن بعدم إحداث توترات أخرى في العراق . وليس أمام الحكومة التركية الآن سوى الانتظار غير أن هذا التريث قد لا يدوم طويلا بالنظر إلى حساسية الموقف داخليا، فهناك معارضة ورغم قلة تأثيرها تتربص بالحكومة الحالية وهناك مؤسسة عسكرية لا يمكنها أن تهادن بخصوص تعرض الجنود إلى عمليات من قبل المتمردين الأكراد وبالتالي فإن أردوغان قد يتصرف من منطلق عوامل وأهداف داخلية مما قد يعرض علاقاته مع أمريكا إلى هزات وتوترات خصوصا إذا ما وضعت التوترات في سياق الوضع العراقي المتوتر الذي تريد واشنطن تجنيبه التفاعلات لتكتفي حكومة المالكي بإدارة أزمة داخلية في إطار ضيق.