تحيي الاوساط الفنية في عديد البلدان الغربية هذه الايام الذكرى الثلاثين لرحيل الفنان والممثل السينمائي العالمي شارلي شابلن... هذا الكوميدي العبقري الذي انطق السينما الصامتة وجعل لها لسانا بقدر ما هو ساخر هو ناطق بمفارقات الحياة وسخريات الاقدار وحماقات لا فقط الانسان الفرد بل وكذلك الانظمة والقوانين التي صاغت منطق العلاقات في المجتمغات الغربية على امتداد سنوات القرن العشرين المنقضي... والواقع أنّ شارلي شابلن، هذا الفنان البريطاني الاصل يمثل عبقرية فنية انسانية عالمية تتجاوز في حجمها منطق وحدود اعتبارات الانتماء الجغرافي والعرقي وغيرها... فأنت لو سألت اليوم طفلا كمبوديا أو تايوانيا أو سودانيا أو فلسطينيا اوتونسيا... عن شارلي شابلن لعرفك من يكون شارلي شابلن...انه عنده ذلك الفنان الذي جعل من الفن السابع - السينما- ومن التمثيل «اداة» لمساءلةالانسان ولمحاكمة جنونه وانانيته ولتصوير احلامه واشياءه البريئة منها والخطيرة.. أنّ الخطاب السينمائي في افلام واعمال شارلي شابلن «الصامتة» تمثل صرخات فنية شجاعة عالية ومدوية في وجه الظلم بمختلف اشكاله وفي وجه العنصرية بمختلف اشكالها وفي وجه الجنون والجموح الانساني نحو كل ما هو اختيارات تتناقض مع انسانية الانسان ومع جوهر رسالته الحضارية في الكون،،، على أنّ اللافت اكثر في عبقرية هذا الفنان الكوميدي العالمي هو خاصة ذلك المزيج المبهر من العفوية والبراءة والنبوغ الذي يطبع اداءه التمثيلي... فانت حينما تتفرج على افلام شارلي شابلن«الصامتة» تجد نفسك -في الحقيقة- تستمع بل قل تصغي اليه بكل جوارحك... فالرجل - ومن خلال افلامه «الصامتة» - هو يتحدث اليك باكثر من «لسان» وباكثر من«لغة»».. فملامحه البريئة «لسان».. وبريق عينيه «الذي يشع ذكاء» لسان «وهندامه الذي لا يتغير» لسان «وعصاه التي لا يتكىء عليها انما يهش بها على الناس والاشياء في افلامه «لسان».. أنّ افلام شارلي شابلن «الصامتة» هي في الواقع افلام ناطقة باتم معنى الكلمة... هي ناطقة بمزيج من اللغات «والالسنة» لذلك احبها كل أطفال العالم ورجاله ونسائه بمختلف ثقافاتهم وأعراقهم ودياناتهم... ولعله يكون السبب ذاته الذي يجعل اليوم عديد الاطراف والجهات الغربية- خاصة- تتنازع فيما بينها انتماءه اليها في محاولة منها للاستحواذ عليه... فهذه فرنسا - مثلا- واوساطها الفنية والثقافية تحتفل هذه الايام بذكرى مرور ثلاثين سنة على رحيله فتقيم له مهرجانا يتواصل الى غاية يوم 21 نوفمبر الجاري يشتمل من بين ما يشتمل على مجموعة عروض لافلامه الشهيرة التي قدمها للسينما،، الصامتة... وما من شك في أنّ الاوساط الفنية في بريطانيا ستنحو المنحى ذاته على اعتبار أنّ شارلي شابلن هو فنان بريطاني الاصل (ولد في بريطانيا عام 1889)... وقد تفعل الاوساط الفنية الامريكية نفس الشيء ايضا بما أنّ شارلي شابلن كان قد هاجر الى الولاياتالمتحدةالامريكية وعمل بها في الفترة ما بين 1913 و1952... فنان عالمي وما من شك في أنّ أية محاولة ل«حصر» وحشر عبقرية وموهبة الفنان العالمي شارلي شابلن في حدود انتماء جغرافي قطري معين هو في حد ذاته اعتداء على هذه العبقرية الفنية الانسانية الخالدة التي عرف صاحبها كيف يوظفها ويجعلها في خدمة قضايا الانسان في المطلق... لقد عاش شارلي شابلن - من خلال افلامه- ساخرا من كل شيء وخاصة من محاولات التعدي غلى كرامة الانسان وتقزيمه وتشييئه وجعله مجرد قطعة غيار في دولاب الة ضخمة وجبارة اذا ما دار واشتغل فانه - وفي سبيل تحقيق الربح المادي - يمكن أنّ ياتي على كل شيء جميل في حياة الكائن البشري والمجتمعات البشرية... لقد رفض شارلي شابلن بحسه الفني والانساني هذا المنطق الذي تاسست عليه فلسفة الحياة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية وحاول بموهبته وعبقريته الانسانية أنّ يكون صوتا للانسان في المطلق... ولقد كان بالفعل كذلك... وليس هناك خير من افلامه الخالدة لتكون شاهدة غلى ما نقول... من هنا ,تصبح كل محاولات تصنيفه والحاقه بجنسية قطرية معينة بمثابة عملية تزييف لطبيعة وماهية وحجم عبقريته الانسانية الخالدة حتى ولو تخفت هذه المحاولات في شكل احتفلات تكريمية واحتفالية بموهبته في ذكرى مرور ثلاثين عاما على رحيله...