تتهدّد المائة ألف تونسي الّذين يقيمون بليبيا هذه الأيّام أخطار متعدّدة بفعل الأوضاع الأمنيّة المتفجّرة هناك لعلّ أبرزها العنف الجسدي وربّما حتّى التّهديد بالقتل ما جعل المئات منهم يبادرون بالهروب عائدين عبر الحدود البريّة تاركين أموالهم وأمتعتهم ... أحد هؤلاء التّونسيّين من المقيمين بمدينة بنغازي قال في اتّصال هاتفي مع وكالة الأنباء الألمانيّة أنّ مجموعة من أنصار النّظام اللّيبي طاردوا تونسيّين ومصريّين في المدينة بتهمة "مساندة الثّائرين المنتفضين على النّظام" ... في حين تروّج بعض المصادر الأخرى من داخل ليبيا ذاتها أنّ بعض الأفراد من التّونسيّين ضبطوا ضمن عناصر المرتزقة الّذين جنّدهم النّظام اللّيبي لمواجهة الانتفاضة الشّعبيّ... طبعا، وفي ظروف الاضطرابات الاجتماعيّة الخطيرة والانفلات الأمني الواسع لا تبدو هناك حقيقة واضحة وثابتة الاّ تلك الّتي تقول أنّ حياة الأشخاص وممتلكاتهم تبدو في خطر فعليّ سواء كان هؤلاء الأشخاص من أبناء الوطن المشتعل أو من أبناء الجاليات الّتي تقيم فيه... ولأنّنا لانريد أن نسيء الظّنّ بالأشقّاء اللّيبيّين ليقيننا بأنّهم - سلطة وشعبا - يقدّرون جيّدا ويقدّسون رابطة الاخوّة الّتي جمعت تاريخيّا ولا تزال تجمع بين أبناء الشّعبين التّونسي واللّيبي... ولأنّنا نعرف جيّدا صدق وعمق المشاعر الأخويّة الّتي يحملها التّونسي لأخيه اللّيبي - والعكس بالعكس - فانّنا سوف لن نترك الوساوس والمخاوف تذهب بنا في هذا المجال الى أبعد ممّا يجب وسنبقى متوسّمين الخير في أشقّائنا في ليبيا الّذين نقدّر أنّهم - ومهما كانت الظّروف والأوضاع - سيظلّون غير حاملين لأيّ شكل من أشكال الحقد على أيّ تونسي على الاطلاق - لا فقط - لأنّهم خبروا جيّدا الطّبيعة المسالمة للتّونسيّين سواء وهم يعايشونهم في ليبيا أو وهم ينزلون عليه ضيوفا في تونس وانّما أيضا لخصوصيّة "العشرة" الّتي جمعت - تاريخيّا - الشّعبين التّونسي واللّيبي... لذلك فانّ ما سيكون مثار تعجّب التّونسيّين بل واستهجانهم - هنا - هوبالأساس الموقف السّلبي للحكومة التّونسيّة المؤقّتة أو المؤبّدة - لم نعد ندري حقيقة - ممّا يتهدّد التّونسيّين في ليبيا هذه الأيّام ... والاّ ماذا يعني الاكتفاء باعلان وزارة الخارجيّة في هذه الحكومة في بلاغ صادر عنها "أنّ أوضاع الجالية التّونسيّة بالجماهيريّة اللّيبيّة محلّ اهتمام متواصل من قبل السّلطات التّونسيّة" وأنّ "القنصليّة العامّة بطرابلس والقنصليّة التّونسيّة ببنغازي تتابع عن كثب أوضاع الجالية... وأنّه تمّ تركيز خليّة أزمة في الوزارة قصد المتابعة المستمرّة لأوضاع هذه الجالية" وغيره من الكلام الّذي لا يغني ولا يسمن من جوع... ياسلام، الحكومات الّتي نهضت فعلا هذه الأيّام لنجدة جالياتها في المدن اللّيبيّة بادرت ببعث طائرات خاصّة تتولّى تامين العودة السّالمة لهؤلاء الى اوطانهم... امّا الجالية التّونسيّة فلم تحظ سوى "بخليّة أزمة" تمّ بعثها في صلب وزارة الخارجيّة العتيدة... ما يعني - وبكلّ بساطة - أنّ التّونسيّين بالجماهيريّة اللّيبيّة قد تركوا ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم