الحكم في مادة تنظيم الأحزاب الّذي أصدرته المحكمة الإبتدائية بتونس يوم الإربعاء 9 مارس الجاري، يقضي إبتدائيا بحل "حزب التجمّع الدستوري الدّيمقراطي" وبتصفية أمواله والقيم الرّاجعة له عن طريق إدارة أملاك الدولة. وخلافا لما تمّ تناقله فإن هذا الحكم ليس حكما إستعجاليا، وإنّما هو حكم عادي صدر عن دائرة قضائية ثلاثية، برئاسة السيد بلقاسم برّاح وعضوية القاضين السيدتين ريم بوزيان وسندس الشيخ . وقد يكون خطأ البعض في وصفه ب "الإستعجالي "، خصوصية الإجراءات المتّبعة في مادّة تنظيم الأحزاب السياسية ، الّتي تقتضي آجالا خاصّة ، إذ يجب إستدعاء الحزب أمام المحكمة في أجل أقصاه عشرة أيام وذلك بواسطة عدل منفذ. وعلى الحزب المعني أن يقدم قبل ثلاثة أيام من موعد الجلسة جوابه دفعة واحدة ويوجه نسخة منه إلى وزير الداخلية في نفس اليوم. وبعد المرافعة التي تتم يوم الجلسة يعتبر رئيس المحكمة القضية جاهزة للحكم وعلى المحكمة أن تصدر حكمها في الأصل في أجل لا يتجاوز عشرين يوما من المرافعة ويجب تحرير الحكم في نفس اليوم. وأجل الطعن بالاستئناف أو بالتعقيب يكون في أجل عشرة أيام من تاريخ التصريح بالحكم أو بالقرار. وخلافا أيضا لما قيل على لسان البعض فإنّ هذه القضية لا تنشر بخصوصها مطالب إيقاف تنفيذ ، بل أن الطعن بالاستئناف أو التعقيب يوقف التنفيذ وذلك يعني أن الطعن يوقف التنفيذ آليا. هذا ويمكن لوزير الداخلية أثناء قيام الإجراءات أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية بتونس الحكم إستعجاليا بغلق محلات الحزب المعني وتعليق نشاطه ، كما يمكن تنفيذ القرار بالغلق والتعليق على المسودة بغض النظر عن الاستئناف. ولمزيد الإفادة تجدر الملاحظة بسرعة ودون الخوض في الشكليات، بأن المحمكة استندت في حكمها على عدّة أسباب لتعليل ما قضت به وكان بإسهاب أتى على جوانب كثيرة لم تقع إثارتها حتى من طرف المدّعي. ومن أهمّ ما جاء في هذا التعليل أن أحكام الفصل 19 من القانون الأساسي المنظم للأحزاب في فقرته الثانية رتبت جزاء الحل على الحزب الذي يخالف في تصرفاته أحكام الفصل 2 من القانون ذاته ومنها النظام الجمهوري وأسسه ومبدأ سيادة الشعب. واعتبرت المحكمة أن " السياسة التشريعية تقتضي أن لا يكون التدخل التشريعي إلا عند الضرورة وأن تعهد الدستور عموما- وهو القانون الأعلى للبلاد - لا يمكن أن يكون إلا عندما تقتضي المصلحة العليا للبلاد، ولكن بالرجوع إلى التنقيحات التي توالت على الدستور منذ سنة 1988، يتضح أن أكثرها قد انحرف عن هذا المبدأ ولم يعد معيار التدخل التشريعي للمصلحة العليا بل أصبح المعيار ما يوافق مصلحة رئيس الحزب المدعى عليه المحضة وما كان لهذه القوانين أن تصدر لولا تعسف ذلك الحزب في استغلال مركزه المهيمن على مجالس التشريع .... وليس له أن يتذرع بأن المجلس الدستوري قد أقر كل تلك التنقيحات ، فرأي المجلس استشاري تعرض عليه مشاريع القوانين في مرحلة إعدادها علما وأن النصوص المنظمة له لا تمكنه من إجراء رقابة المحكمة فذلك يفترض اعتماد إجراءات مبدأ المواجهة بين الخصوم الذي لا يتأتى إلا عبر محكمة دستورية." ورأت المحكمة " أن الحزب المدعى عليه قد أقال من هيئته المديرة الأساسية وهي الديوان السياسي رئيس الحزب وعدة أعضاء منه ولم يرد بملف القضية ما يفيد إعلام وزير الداخلية بهذه التغييرات وفق ما يقتضيه الفصل 15 من القانون الأساسي للأحزاب علما وأن عبء إثبات الإعلام محمول على الجهة المطالبة بالقيام به وهي في صورة الحال الحزب المدعى عليه إذ لا يمكن مطالبة المدعي بإثبات أمر سلبي وهو عدم إعلامه بتلك التغييرات" ونظرا لكون الفصل 16 من قانون الأحزاب يحجر على الحزب السياسي أن يتلقى من جهة أجنبية أو من أجانب موجودين في تونس بصفة مباشرة أو غير مباشرة إعانات مادية مهما كان عنوانها وما من سبيل لمراقبة ذلك إلا عبر تقديم الحزب لحساباته السنوية ضمانا لعدم التأثير أو التدخل الأجنبي في قرارات الحزب وما قد يترتب عنه لا بدورها من تأثير في قرارات الدولة التي يجب أن تكون نابعة من المصلحة العليا للبلاد دون غيرها في غير تأثر مباشر أو غير مباشر بمصالح أجنبية . ورأت المحكمة أن الحزب المدعى عليه أمسك عن تقديم الحسابات مانعا تحقيق تلك المراقبة وهذا أمر تستخلصه المحكمة من واقعة خلو الملف مما يفيد تقديم تلك الحسابات وإثبات ذلك محمول على المدعى عليه... وبخصوص "ما نسب للمدعى عليه من ضلوع في أحداث العنف فإنه مع تسليم المحكمة بوقوع أحداث عنف كبيرة وعملية ترويع إلا أنه لم يتوفر بملف القضية ما يكفي من أدلة أو قرائن منضبطة على إسناد الأفعال المذكورة إلى مسيري الحزب المدعى عليه أو هياكله واتجه لذلك عدم اعتماد هذا السند من الدعوى." وبخصوص تصفية الأموال والقيم فرأت المحكمة أن أحكام الفصل 24 من قانون الأحزاب في فقرته الأخيرة ينص على أنه في صورة حل الحزب السياسي تصفى أمواله والقيم الراجعة له عن طريق إدارة أملاك الدولة واتجه لذلك الإذن بتصفية أموال وقيم المدعى عليه طبقا لهذه المقتضيات. ويتّضح بالرّجوع إلى الحكم أن المحكمة أسست حكمها على مخالفة أحكام الفصول 12 و 15 و 16 و 18 و 19 و 24 من القانون عدد 32 لسنة 1988 المؤرّخ في 1988/05/03 المتعلّق بتنظيم الأحزاب السياسية ذات القانون وكل هذه المخالفات كافية بذاتها للتصريح بحل الحزب المدعى عليه. ويعدّ هذا الحكم الأوّل من نوعه في هذه المادّة وسيشكّل مادّة فقهية مثيرة للنقاش بإعتباره سابقة قد تكون مرجعا للدراسة والبحث.