يبقى التشويق مستمرا إلى اليوم، فساعات قليلة تفصلنا عن توضّح الرؤية بخصوص الإعلان عن إقرار موعد 24 جويلية أو عن تأجيله..وإن أجمعت مختلف الحساسيات السياسية على الامتثال لهذا الموعد، غير أن ضيق الوقت وارتباك عمل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، إضافة إلى صعوبة التحضيرات اللوجستية والفنية لهذا الموعد، يجعل من إقرار 24 جويلة تاريخا لانتخاب المجلس التأسيسي معجزة حقيقية قد تضاف إلى سجل إنجازات البلاد بعد 14 جانفي . وفي علاقة بهذا الاستحقاق، تعمل مختلف التشكيلات السياسية عن ايجاد موقع لها بالمجلس التأسيسي، قبل الحديث عن المشروع المجتمعي أو الفرز القائم على أساس ايديولوجي، وفي هذا السياق يتوقع أن تحصل مفاجأة أيام المعترك الانتخابي تكون فيها قائمات تجمع النقيض بالنقيض، وقائمات تحيد عن تحالفاتها، وأخرى يكون العامل الجهوي هو الأساس، أو الحسابي هو الرئيس ... يخدم الأحزاب أقرت اللجنة العليا لتحقيق أهداف الثورة الاعتماد على نظام النسبية وأكبر البقايا في انتخابات المجلس التأسيسي، وقرنت ذلك بالاعتماد على طريقة القائمات، وبذلك فسحت المجال للأحزاب السياسية لتكون ممثّلة أكثر من الأفراد في هذا المجلس، وهو ما سبّب انتقادا شديدا لعدد من الشخصيات القانونية والمستقلة. وعودة لنظام النسبية وأكبر البقايا، فإنّ هذا النظام يغلب التمثيلية، أي أنه لا يخضع لموازين القوى السياسية، بما يعنيه لا يسمح لحزب أغلبية مثلا بالاستحواذ على أغلبية بالمجلس التأسيسي وان تمكّن من تكوين قائمات بجميع الدوائر الانتخابية، كما لا يسمح بأن تكون لقائمة واحدة جميع المقاعد بدائرة واحدة.. وبذلك يمكننا أن نستنتج أن هذا النظام المعتمد لن يخدم الأحزاب السياسية الكبرى في صورة دخولها في تحالفات انتخابية، وذلك لأنها ستكون ممثلة بقائمة في أقصى عدد من الدوائر، وستكون لقائماتها حظوظ للفوز بمقعد على أقل تقدير، غير أنها قد تخسر ذلك المقعد في صورة دخولها في تحالفات مع أحزاب أخرى، في المقابل فان هذا النظام سيخدم الأحزاب الصغيرة التي ليس لها امتداد كبير، إذ سيتيح لها مجال التمثيلية في عدد من الدوائر بالتعاون مع حلفائها. الإمكانات الذاتية بدأت الرؤية تتوضّح شيئا فشيئا في مسألة التحالفات التي تعمل مختلف الأحزاب على الالتحاق بها أو تكوينها، ويبدو أن المعطى التقني" أي الحسابات الانتخابية، خاصة المتعلقة بعملية ربح أكبر عدد من التمثيلية" هو المحرك الرئيسي في أي تموقع للأحزاب خاصة الكبرى منها. ويبدو أن حزب التكتّل من أجل العمل والحرّيات، يبقى إلى اليوم دون حسم لمسألة التحالف رغم دخوله على الخط في نقاشات عدة لإيجاد أرضية عمل مشترك، ويذهب إبراهيم بالربيحة عضو المكتب السياسي إلى أن الحزب "فاتح باب الحوار ومستعد للدخول في التحالف الذي يجد من خلاله التكتل الأدنى الديمقراطي والمغلّب للمصلحة الوطنية". من ناحية أخرى يعمل الحزب الديمقراطي التّقدّمي على الدخول لهذا الاستحقاق مفردا، إذ يؤكد العمل الدؤوب لهذا الحزب في الاستقطاب وتكوين الجامعات والفروع في مختلف الجهات أن أحمد نجيب الشابي ورفاقه يغلّبون التّعويل على الإمكانات الذاتية قبل العمل المشترك للدّخول في هذا الاستحقاق، ويعتبر أحمد بوعزي القيادي بالحزب أن "الديمقراطي التقدمي يدخل هذه الانتخابات ليربحها"، مؤكّدا أن القائمات المشتركة "ستضرّ بالحزب أكثر من أن تنفعه". دون حسم كان حمادي الجبالي القيادي بحركة النهضة أكد في الأيام القليلة الماضية، أن الحركة تريد الدّخول إلى هذا الاستحقاق السياسي بأكبر عدد من الحلفاء، و اعتبر أن الحركة تجري مبدئيا " اتصالات مع الدكتور المنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية خاصّة وأنّه أعرب عن استعداده للتّحالف مع الحركة " وان دخل الحزبان الاستحقاق الانتخابي فسيكون طبيعة الالتقاء انتخابيا أكثر منه التقاء على أرضية البرنامج نظرا للتناقض في المرجعيات والأفكار بين الحزبين. من ناحية أخرى عمل عدد من الأحزاب والمستقلين على بعث مبادرة سميت بال"القطب الديمقراطي التقدمي" وانخرط في هذا المسار كل من حركة التجديد وحزب العمل الوطني الديمقراطي والحزب الاشتراكي اليساري وحركة الوحدة الشعبية والجبهة الشعبية الوحدوية وحزب الوفاق الجمهوري وحزب آفاق تونس كما التحق حزب تونس الخضراء إضافة إلى عدد من الجمعيات والمبادرات المواطنية، ولكن انسحب من النقاشات كل من الحزب الديمقراطي التقدمي وأيضا التكتل من أجل العمل والحريات و انسحبت أيضا منه حركة الوحدة الشعبية وهو ما يجعل هذا التحالف لم يحسم إلى حد الآن مكوناته. تسرع يبدو أن ملتقى الأحزاب ذات التوجه الوسطي التي جمعت ثلة من الأحزاب الجديدة والتي من ضمنها من لها امتداد ما قبل 14 جانفي وتكونت من "حزب الإصلاح والتنمية"، "التحالف الوطني للسلام والنماء"، "حزب المجد"، "حزب العدل والتنمية"، "الحركة الوطنية للعدالة والتنمية"، "حزب الوفاق الجمهوري"، "حزب الحرية والتنمية" و"حزب شباب تونس الأحرار" غير أن الملاحظين اعتبروا هذا التحالف لا يتّمتع بالنّضج الكافي رغم وزنه المحترم في المشهد السياسي . ويذهب المتابعون إلى أن الحوار بين مكونات هذا التحالف لم يرتق للحد السامح بالإعلان عن تحالف انتخابي قوي قادر على خوض استحقاق مثل الذي تنتظره البلاد، ويعتبر محمد القوماني القيادي بحزب الإصلاح والتنمية الذي لم يواصل المشاورات مع هذا التحالف أن " ليس هناك رصد ميداني لقوة الأحزاب، ولم تتوفر أرضية انتخابية ..يمكن أن تساعد في إنضاج مثل هذا التحالف. متداول ويتداول في الساحة السياسية امكانية أن تحمل الأيام القليلة القادمة مفاجآت أخرى قد تغيّر في مشهد التحالفات والاستقطابات، إذ أن الفرز مازال مستمرا إلى حدود هذه المرحلة الأخيرة ما قبل الدخول في انتخابات المجلس التّأسيسي، ولم يحسم عدد من التنظيمات الحزبية مسألة التحالف إلى اليوم. ويذهب المتابعون إلى أن هناك إمكانية في أن يظهر تحالف يضم حركات وسطية ذات بعد إسلامي مع أخرى يمينية وفي هذا السياق لم يستبعد محمد القوماني مثلا أن يدخل حزب الإصلاح والتنمية هذا الاستحقاق في تحالف انتخابي مع حركة النهضة، مشددا على أن حزبه يرفض أي تحالف على أساس أيديولوجي في هذه المرحلة. من ناحية أخرى لاحظ المتابعون تقاربا في الأيام القليلة الماضية جمع حزب العمال الشيوعي التونسي بحركة الوطنيين الديمقراطيين، خاصة أن كلا التنظيمين أكدا أن هناك استهدافا لليسار بعد حوادث الانفلات الأمني الذي شهدته البلاد في الأسابيع القليلة الماضية. وتعمل من جهة أخرى، الأحزاب ذات التوجّه القومي على الدخول في عمل مشترك ويعتبر المتابعون أن للقوميين- إن اجتمعوا- موقعا هاما في المشهد السياسي وآفاقا للتمثيلية المحترمة في الاستحقاق الانتخابي المقبل. وقد تكون المفاجأة آتية من قبل عدد من الأحزاب الجديدة ذات التوجه البورقيبي والدستوري "نسبة إلى الحزب الاشتراكي الدستوري" و " تبدو تحركات "حركة تونس الإصلاحية" بقيادة عمر صحابو تعمل في هذا الاتجاه. من ناحية أخرى ينتقد العديدون خطاب الأحزاب لتبرير تحالفاتها إذ عبّر عدد منها عن رفضها ما يسمّى بالتحالف الأيديولوجي، وأخرى التحالف الانتخابي وهو إخراج فني سياسي بالأساس ليبرّر كل تنظيم سياسي موقعه وهو يخوض معترك انتخابات المجلس التأسيسي رغم أن هذه المحطة ليست سوى انتخابية تعمل جميع الأحزاب على أن تكون ممثلة بأقصى ما يمكن قبل الخوض في أي تفاصيل أخرى وان كانت هي الأهم لتحديد مستقبل البلاد.