مزايا ثورة 14 جانفي لم تقتصر على ما هو سياسي أو اجتماعي واقتصادي وإنما تجاوزته إلى ما هو ثقافي وفني وذلك بعد أن رفعت الحظرعن عدد من المبدعين في الميدان لا سيما بالنسبة لعدد من المجموعات الموسيقية التي اختارت خط الالتزام بالقضايا الاجتماعية والسياسية والانتصار للهاجس الإنساني وما يكتنفه من دعوة وتغني بالكرامة الوطنية والحرية والعدالة الاجتماعية لتزيل بذلك الحجب عن بعض الأسماء التي برزت أو اختارت هذا النمط في العقود الأخيرة لعل من بينها الموسيقي وعازف الناي هشام البدراني ومن ورائه مجموعة المرحلة للموسيقى التونسية التي تأسست منذ سنة 1986 داخل أسوار الجامعة وكان أحد عناصرها. وكانت قد ضمت مجموعة من الطلبة من مختلف الاختصاصات العلمية جمعها امتلاك كل فرد فيها لموهبة الفن وحب الموسيقى. ولم يخف هشام البدراني ابتهاجه بما حققه شباب تونس في ظرف زمني وجيز عجزت كل التحركات المنظمة على امتداد عقود على تحقيقه. وأوضح محدثنا أن التعبيرة الفنية والثقافية التي تعنى بكل جوانب الأغنية، الملتزمة بقضايا إنسانية واجتماعية، من جودة في النص واللحن والآداء كانت ديدن أفراد هذه المجموعة في النضال ضد سياسة الظلم والتهميش والفساد منذ تأسيسها واقتصر نشاطها آنذاك في الجامعات ضمن الحركات الطلابية والمنظمات الحقوقية الرافضة لسياسة تكميم الأفواه إلا أن هذه المجموعة توقفت عن الغناء بعد أربع سنوات من النشاط بسبب رفضها لسياسة وثقافة الموالاة والتزكية التي سادت في الوسط الثقافي والفني واعتبر قرار التوقف عن النشاط موقفا رافضا لتلك الثقافة الهدامة. وأكد أن المجموعة عادت مؤخرا إلى دائرة النشاط والإنتاج من خلال مشروع فني متميز يتمثل في العرض الخاص بمهرجان الثورات العربية الذي انطلق بتونس بداية الأسبوع الجاري لتنتقل نفس المجموعة إلى كل من مصر وليبيا قريبا في محطات قادمة في برنامج هذا المهرجان.
مسؤولية مضاعفة
وفيما يتعلق بظروف عودة مجموعة المرحلة للنشاط بعد أن تفرق مؤسسوها وحدد دواعي هذه العودة بالمحافظة على نفس الخط والتوجه الذي رسمته منذ تأسيسها في وقت أصبح المشهد الفني عبارة عن فسيفساء أوزخرفة من الألوان والأنماط الموسيقية والفنية خاصة فيما يتعلق بالأغنية الملتزمة قال هشام البدراني : « لم نجد صعوبة للعودة لا سيما في ظل زوال أسباب الإقصاء. فاليوم الساحة الفنية مفتوحة أمام الجميع وكلمة العبور لاكتساحها هي الإبداع لا غير. لذلك يجب البرهنة على استحقاقات المرحلة والقطاع بتقديم وإنتاج أعمال بمقاييس قيّمة تكون في حجم الثورة لأني أعتبر أنه ليس هناك مجال للرجوع أوالعودة للديكتاتوريات وما لف لفيفها من سياسات الإقصاء والتهميش والتمييز ليقيني أن في زمن الضغوط والصنصرة والرقابة الخانقة هناك من تمسك بمبدئه وقناعاته في رفض السائد فقدموا إبداعات فما بالك اليوم بعد إنجاز فتح أبواب الحرية المطلقة على مصراعيها. لذلك سنواصل العمل على ترسيخ العمل الفني الهادف البديل لكل أشكال الرداءة في الفن والتي تعنى بالقضايا الاجتماعية والوطنية والتحررية والإنسانية عموما وهو تقريبا ما اتفقت عليه مع زملائي القدامى من مؤسسي المجموعة أوبالنسبة للعناصر الشابةالجديدة والمتميزة التي التحقت بنا مؤخرا بعد العودة حيث اتفقنا على المواصلة في نفس النمط أواللون الذي كنا عليه في الثمانينات مع رسم مسار خاص في التوزيع رأيت أنه يتماشى والإيقاع الموسيقي الجديد.» ودعا محدثنا الناشطين في مختلف القطاعات الثقافية والفنية إلى الحرص واليقظة من أجل الاستفادة من انجاز أحرار تونس لأنه يرى أن هامش الحرية وانفتاح فضاء رحب للنشاط والعمل يعد سلاح ذو حدين لأنه يستوجب مسؤولية مضاعفة وهو ما يحرص على مراعاته في عمله الجديد.
المنافسة الخلاقة
وخلافا للمواقف والآراء الرافضة للأنماط الجديدة التي اكتسحت الساحة الغنائية في تونس ما بعد الثورة وكلها ترزح تحت غطاء الأغنية الملتزمة، عبر هشام البدراني عن تفاؤله بهذا التنوع والتعدد حيث يقول :» لم أكتشف في الوسط الفني وما شهده من حراك وتنوع وتعدد للمجموعات الموسيقية بعد ثورة 14 جانفي ما يوحي بالتصنع أوما شابهه بل لاحظت أن نسق النشاط والتكاثر كان صادقا في محتواه فكان الواقع ترجمانا حقيقيا للاضطهاد الذي عرفه المجتمع التونسي على امتداد عقود طويلة. لذلك أعتبر كل مجموعة أوفنان ملتزم برؤيته أوبانتمائه لمدرسة معينة أونمط محدد كما أنه حر في تفكيره ومحاولته معالجة وطرح بعض القضايا والمسائل التي استوجبتها المرحلة ومن شأن هذا التنوع والانفتاح أن يخلق أجواء من المنافسة الخلاقة التي تعود بالفائدة على مستوى الأعمال المنجزة ومن ثمة المتلقي. لكن أعتقد أن لغة التخاطب اليوم أصبحت تتطلب مجاراة ما هو موجود خاصة بعد القطيعة مع اللون الواحد فساحة النشاط والإبداع مفتوحة للجميع بعد أن وجدنا هامشا من الحرية بعيدا عن الممارسات المغرضة الدنيئة.»
خصوصية وليدة المرحلة
وفيما يتعلق بالعوامل التي تراهن عليها المجموعة على نحو يصنع فرادة مجموعة المرحلة في خضم هذا التنوع ويضمن نجاحها أضاف عازف الناي وقائدها قائلا :» اشترطت على المجموعة إعادة تأثيث وترتيب البيت من جديد. إذ استطعنا في ظرف زمني وجيز أن ننجز أعمالا لاقت استحسان المتلقين من خلال العروض التي قدمناها في عديد الجهات داخل الجهورية في إطار مهرجان ثورات عربية وذلك بفضل التجاوب السريع بين أفراد المجموعة من ناحية والدعم الذي وجدته المجموعة من قبل المولود الجديد في مجال الشركات الداعمة للمجال الفني وهي التونسية العالمية للإنتاج. وقد نجحنا في اختيار المزج الموسيقى التونسية الصميمة والايقاعات الغربية وذلك بالإعتماد على الآلات الموسيقية العصرية لأني أعتبر أن خاصية التونسي المتفتح على الثقافات والفنون باعتبار أنه قد نهل من الحضارات والثقافات التي تعاقبت على أرضها لذا أسعى للاستفادة مما أعادته الثورة من ثقة لهذا النمط الموسيقي دون أن أنسى ان المسؤولية أصبحت مضاعفة».