بقلم: كمال بن يونس بدأ العد التنازلي لموعد انتخابات 23 اكتوبر.. لكن الخلافات تعمقت بين عدد من صناع القرار السياسي وزعامات الأحزاب وبعض الشخصيات الوطنية..وقد انتظم أول أمس الأحد تجمع سياسي شعبي دعت له عشرات الأحزاب القانونية (؟؟) أفرز تناقضات صارخة حول المطالبة مجددا بأن يتزامن تنظيم الانتخابات العامة يوم 23 اكتوبر مع "استفتاء شعبي "حول مدة المجلس الوطني التأسيسي وبعض صلاحياته وملامح النظام السياسي الذي يعتمد بعد صياغة الدستورالقادم : هل يكون رئاسيا ام تشريعيا ام مشتركا؟ ومن يختار الرئيس والحكومة القادمة: غالبية أعضاء المجلس المنتتخب أو قيادات الأطراف السياسية المؤمنة بالوفاق؟ وبالرغم من تصريحات شخصيات مسؤولة في الهيئة العليا لحماية الثورة والاصلاح السياسي التي يتزعمها الاستاذ عياض بن عاشور ومسوؤلين من الهيئة العليا للانتخابات التي يرأسها السيد كمال الجندوبي وغيرهاعن " الاستحالة الفنية واللوجيستية والسياسية" لتنظيم الاستفتاء في23 أكتوبر( وربما قبل 4 اشهر) لايزال الجدل قائما حول هذه "الفكرة " في بعض الأوساط.. بما في ذلك في بعض القنوات التلفزية الوطنية.. وبعد ان اتهمت الأحزاب "التي تقودها شخصيات تجمعية" بالوقوف وراء الدعوة للاستفتاء بهدف " تعجيز الحكومة وجرها الى تأجيل الانتخابات ( وربما الغائها )، اصبحت احزاب وشخصيات "راديكالية سابقا" مثل السيدة مية الجريبي الامينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي والسيد محسن مرزوق تدعم المبادرة بقوة..
تهمة : محاولة الغاء الانتخابات ؟
في المقابل اتهم عدد من السياسيين المعارضين للاستفتاء (مثل السادة مصطفى بن جعفر وحمة الهمامي ونورالدين البحيري وزعامات التيار القومي العربي )خصومهم بالعمل على التشويش على محطة 23اكتوبر قصد اجهاضها اوعلى الاقل دفع الحكومة الانتقالية نحو تاجيل الانتخابات للمرة الثالثة منذ الثورة.. بعد تاجيل اول في فيفري ( بعد تجمع قام الاف الشباب والنشطاء في ساحة القصبة) وتاجيل ثان في جوان ( بسبب الملاحظات التقنية التي قدمتها الهيئة المستقلة للانتخابات)..
تململ في صفوف الامن
ومن بين ما يزيد الامر خطورة استفحال الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والمشاكل الامنية في عدة جهات بما في ذلك في مقرات السيادة وحولها مثل ساحة الحكومة بالقصبة ومقري وزارة الداخلية والادارة العامة للحرس الوطني فضلا عن مؤسسات اقتصادية امنية استراتيجية مثل المطارات والموانئ والبوابات. ويخشى كثيرون من بينهم الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية العميد هشام المدب من مخاطرتسرب اسلحة الى تونس خلال الاشهرالماضية (لاسيما من ليبيا ) ومن هجمات ارهابية قد تتورط فيها جهات دولية مثل " تنظيم القاعدة "(؟؟) لاجهاض سيناريو تنظيم الانتحابات.. مثلما ضغطت احداث الروحية في جوان الماضي على السياسيين لتبرير" التاجيل".
"قطاع الطرق" في العاصمة؟
ولعل من بين ما يدفع البعض لتوقع مزيد من الاضطرابات الامنية والسياسية والاجتماعية قبل موعدالانتخابات في محاولة لتاجيلها (اوالغائها) ثلاثة عناصروثلاثة مخاوف. اولى تلك العناصر: "القنابل الموقوتة " التي تهدد البلاد منذ سنوات وكان انفجار بعضها في ديسمبر الماضي مقدمة لانهيار نظام بن علي وعلى رأسها البطالة وتهميش الشباب وتراكم مضاعفات الظلم والقهروالتمييز بين الجهات والفئات.. في هذا الصدد تعتبر أحداث " قطاع الطرق " في حي التضامن والمنيهلة (بالعاصمة) مساء الجمعة الماضي ومن قبلها عودة التوترو"قطاع الطرق" الى مناطق كثيرة في الجنوب والشمال " رسالة خطيرة جدا " بصرف النظرعن الجهة التي حركت هؤلاء " المرتزقة" أو" قطاع الطرق المسالمين"..؟
عفو عام عن أعوان الامن؟
العنصر الثاني الذي يوشك أن يتسبب في مزيد تعقيد الامور قبل الانتخابات هو الاعلان عن ال15 من سبتمبر موعدا لبدء محاكمة عشرات الضباط واعوان الامن المتهمين بالضلوع في تجاوزات وفي اطلاق الرصاص على المتظاهرين قبل الثورة وبعدها والتسبب في سقوط عشرات الشهداء والجرحى.. ويبدو من خلال الشعارات التي رفعها اعوان الامن المتظاهرين خلال الاسبوع الماضي في القصبة وامام مبانى وزارة الداخلية ان من ابرزها المطالبة باطلاق سراح زملائهم "الابرياء" وعدم تسليط "مظالم" على اعوان نفذوا تعليمات رؤسائهم ومن بينها اطلاق الرصاص واستخدام القوة ضد المتظاهرين.. ويبدوأنه على راس مطالب " نقابات " رجال الامن استصدارعفوعام عن كل زملائهم "الابرياء "واختزال التتبعات في " اقلية صغيرة قد تكون اخطات"..؟ كما يعتبر بعض السياسيين ان من بين شروط انجاح الثورة والانتخابات احداث الية وطنية جديدة سريعا مهمتها التوفيق بين الحق في المحاسبة والمساءلة والانصاف وواجب تكريس المصالحة الوطنية والتفرغ لبناء المستقبل.
محاكمة "شركاءالطرابلسية "؟
اما الملف الثالث المستجد الذي يوشك ان يؤثر سلبا على سير التحضيرات لاول انتخابات تعددية بعد الثورة فهو بدء محاكمات رموزعائلة الطرابلسية الموقوفين ..وهي محاكمات قد تؤدي الى محاولات لتوريط الاف من شركائهم في قطاعات اقتصادية وادارية وسياسية وقضائية عديدة فضلا عن احتمال ادانتها لعدد من رموز صناع القرارالاقتصادي والاعلامي والسياسي بعد الثورة .. وبخلاف كل المحاكمات الغيابية لبن علي وزوجته ولاصهاره الفارين فان محاكمة الموقوفين قد تفجر اضطرابات امنية واقتصادية واجتماعية وسياسية جديدة لان ال300 شركة التي صودرت كليا او جزئيا لها علاقات مباشرة وغير مباشرة بالاف المؤسسات الاخرى وبعدد كبير من اللاعبين السياسيين الحاليين والسابقين..
القطار يسير..
في المقابل فان حوالي 15 الف تونسية وتونسي ترشحوا للانتخابات في اكثر من 160 قائمة كما تجندت الحكومة وكبرى الاحزاب والمنظمات والهيئة العليا المستقلة للانتخابات والراي العام لموعد23اكتوبر. ويعتقد كثيرون ان غالبية المواطنيين الذين يشتكون من سلبيات تاجيل الانتخابات التي كانت مقررة في مارس ثم في جويلية لن يقبلوا بسهولة تاجيلها مجددا "مهما كانت التعلات". وسيفهم كثيرمن المواطنين أن "التاجيل" سيعني هذه المرة "الغاء " للانتخابات واجهاضا للثورة الشعبية التي حركت الشارع العربي والدولي منذ 14 جانفي وسانده زعماء العالم اجمع شرقا وغربا.. انها معادلة صعبة جديدة.. ولا بديل عن احترام موعد 23 اكتوبر ونتائج صناديق الاقتراع.. مهما كانت الالوان الفائزة.. لكن الحكومة وقيادات الاحزاب الكبرى يمكنها في الاثناء استباق الانتخابات باجراء مشاورات سياسية حقيقية تؤدي الى وفاق ملزم للجميع حول بعض القضايا.. من بينها ان لا تتجاوز مدة المجلس الوطني التاسيسي المنتخب الشهر القادم عاما واحدا.. ان القطار يسير في الاتجاه الصحيح.. رغم كل النقائص.. ولا داعي لايقافه..