بقلم: كريم السليتي عنوان هذا المقال ليس اعلانا تجاريا على الطريقة الامريكية كما قد يتصوره البعض، بل هو حقيقة واقعية لكل طالبي الشغل في تونس أو لأولائك الذين لهم وظائف ولكنهم يريدون تحسين مسارهم المهني ومستوى عيشهم وأنا في هذا المقال لست بصدد التنظير أو رسم أمال أو أحلام بعيدة المنال لآلاف من شبابنا العاطل عن العمل، بل سأنطلق من تجربتي الشخصية وتجربة بعض الاصدقاء الذين تحولوا من البطالة الى مراكز عمل لا تقل أجورها عن 4000 دولار شهريا. الامر لا يتعلق بوصفة سحرية تقوم بها فجأة فتصبح من الغد مطلوبا في أسواق العمل العالمية، ولكنها مسار قد يأخذ سنة أو حتى بضع سنوات قبل تحقيق الهدف المنشود ألا وهو الحصول على وظيفة بمرتب يحقق لصاحبه ما لم يكن يحلم بها قبل الخوض في مختلف مراحل مسار الحصول على شغل «الاحلام»، دعنا نتطرق لأسباب فشل السياسة التونسية في مجال التعليم والتي انعكست في ما بعد على التشغيل. 1- أسباب انتشار البطالة وفشل السياسة التعليمية في تونس يعود السبب الاساسي في فشل السياسة التعليمية ثم سياسة التشغيل في تونس الى الغياب التام لدراسة الحاجيات الحقيقية لسوق العمل التونسي والاسواق العالمية على المستوى البعيد وهذا يعني أن الادارة/ الدولة لا تقوم بدراسات حول الحاجيات حسب الاختصاصات (آداب، حقوق، خدمات، اقتصاد، تصرف، هندسة، طب، اعلامية...) لسوق العمل التونسية علة مدى فترة لا تقل عن 20 سنة، واذا كان هناك فائض في الخريجين فيتعين الاخذ بعين الاعتبار للاختصاصات المطلوبة في الأسواق العالمية (الطيران، النفط والغاز، التمريض، البناء والانشاءات...). الواقع الحالي في تونس ومنذ الاستقلال تقريبا يتمثل في أن التلاميذ خلال سنوات التوجيه هم من يحددون النسب حسب الاختصاصات وليست الحاجيات الحقيقية لسوق العمل ( الآداب 40%، اقتصاد 20%، علوم 20% تقنية 10%، اختصاصات اخرى 10%). ويعتبر هذا خطأ استراتيجيا كبيرا يؤدي حتما الى وجود فائض كبير في اختصاصات لا تحتاجها سوق العمل، وربما نقص في اختصاصات أخرى قد يفضي الى جلب اطارات أجنبية لملئها. من جانب آخر، يتعين التذكير بغياب الاطارات الادارية المختصة في التخطيط في قطاعي التعليم والتشغيل، وهذه المهمة توكل عادة لموظفين من أي اختصاص كان أو للجان متكونة من غير المختصين وكعادة عمل اللجان في تونس فإنه يؤخذ برأي العضو الاكثر نفوذا أو الاعلى صوتا خلال الاجتماعات والذي عادة ما يكون أيضا الاكثر جهلا بالواقع (تماما كما تشاهدونهم في الحوارات التلفزية أو الاذاعية)، بعيدا تماما عن استعمال أسس علمية في التخطيط ورسم السياسات أو الاستعانة بخبرات مختصة ومستقلة، والامر مازال مستمرا على نفس النحو للاسف الشديد. وبهذه الطريقة يحدد مصير أجيال وأجيال من شباب تونس. الادارة أو الدولة لا تتحمل وحدها المسؤولية، لأن المجتمع بالمفاهيم السلبية التي يحملها، يكرس أيضا واقعا يساعد على البطالة وانتشار الكسل والانتهازية والقاء اللوم والمسؤولية على الآخرين, نحن لا ننسى أن العقليات المتوارثة المتعلقة بالنجاح في الدراسة بالحد الادنى المطلوب لاسيما في الجامعات «عشرة الحاكم»، والتي لا تشجع على التفوق والتميز، وعقلية المرتب الدائم «شهرية في حيط من عند الحاكم» حتى وان كانت قليلة ولا تفي بأسس العيش الكريم. بالاضافة الى ربط النجاح في الحصول على شغل بمدى وجود «الواسطة» (الاكتاف أو المعارف) وقيمة مبلغ الرشوة الذي سوف تدفعه. ظاهرة التدخلات والرشوة في الانتدابات موجودة لكنها تعلة للفاشلين في النجاح في مناظرة حتى لا يلقوا اللوم على أنفسهم بأنهم لم يجتهدوا كما ينبغي خلال سنوات الدراسة الجامعية، أو لم يقوموا بالتحضيرات اللازمة لاجراء تلك المناظرة خاصة في ما يتعلق بالحضور الذهني خلال اختبارات الشفاهي كما أن الاولياء يرجعون فشل أبنائهم في النجاح في مناظرة أو الحصول على شغل مباشرة الى الرشوة والتدخلات في حين أن عددا كبيرا منهم مستعد لدفع الرشى ويقوم بأقصى ما في وسعه من تدخلات ليكون ابنه أو ابنته ضمن الناجحين بحق أو بغير حق. وكم من ولي باع ضميره وأخلاقه من أجل ان يتم توظيف أحد أبنائه، وفيهم من باع منزله أو سيارته أو أغنامه كي يتم توظيف أبنائهم ولكن أغلبهم خسروا أموالهم وضمائرهم وبقي أبناؤهم عاطلين عن العمل، وفيهم من إنتُدب ثم أُطرد لضعف المستوى أو لرداءة الاخلاق. يجب أن نعي جميعا بأننا نعيش في مجتمع أغلب سيماته هي السلبية، يركز كثيرا على الانتقاد اللاذع والمدمر، وينظر دائما الى نصف الكأس الفارغة وينسى النصف الملآن. مجتمع يستصعب الامور كثيرا ويقرأ الفشل قبل النجاح في كل شيء, طبيعة هذا المجتمع لها تأثير سلبي على نفسية الانسان العادي، فما بالك بالشاب الذي يمر بفترات فراغ طويلة ناتجة عن البطالة. لذلك يتعين على من يريد النجاح والتميز أن يغير من بيئته وليبدأ بنفسه فيكون ايجابيا، فاعلا، واثقا من نفسه، محبا للخير وأن يتجنب القاء المسؤولية على غيره وأن يرضى بالقليل حتى يأتي الكثير. 2- ما الذي يلزم للحصول على وظيفة الاحلام قد يكون هذا الجزء من المقال هو الاهم بالنسبة للعاطل عن العمل، فهو قد لا يهتم بأنه كان ضحية لمجتمع مبني في جزء منه على مظاهر غير أخلاقية (الانتهازية، الوصولية، الانانية، التكبر، الاعتماد على المظاهر، العنصرية الجهوية، الربح السريع...) وضحية لمسؤولين اداريين غير مختصين أو غير مخلصين في عملهم ولوطنهم,ما يهم العاطل عن العمل في كل هذا الامر هو حلول فعلية وواقعية تكون قد أثبتت نجاحها ونجاعتها في ايجاد الشغل المطلوب ولذلك فإنه من غير الضروري اعادة اختراع العجلة من جديد، فقط يتعين علينا أن نتابع ماذا فعل الذين نجحوا في الحصول على وظائف بآلاف الدولارات ونسلك نفس المسار الذي سلكوه. قد لا تكون هناك وظائف كافية في تونس لتشمل الجميع ولكن لماذا نحد تفكيرنا في مجال ضيق جدا فأرض الله واسعة؟ لماذا لا تكون سوق العمل العالمية هي اهتمامنا وهدفنا؟