قد يتبادر إلى الأذهان في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ البلاد وفي إطار استعدادها لانتخابات المجلس التأسيسي عديد التساؤلات منها هل أن المواعيد الانتخابية تمثل أفضل شكل لصياغة مجتمع ديمقراطي؟ هل يمكن أن تصنع الآلة الانتخابية وما يدور في فلكها من اعلام ومال سياسي صورة حقيقية لمجلس منتخب دون أن يكون الناخب واقعا تحت سطوة الة صناعة الراي وما وراءها من صناعة انتخابية اصلا؟ وهل يمكن القول أن التطورات الجديدة للتقنيات الحديثة والادارة العلمية للانتخابات قد تهدد انتخابات ما وذلك بعد سيطرة الصورة وتاثيراتها على الناخب وامكانيات الاخراج الهوليودي الذي من شانه أن ينتج مترشحا لا علاقة له بالعمل السياسي اصلا باستثناء انه كان نتاج صناعة انتخابية؟ وبهذا الشكل هل تفقد التمثيلية الجديدة قيمتها لانها وليدة صناعة وليس قناعات؟ وهل يعني اننا في تونس نعيش على وقع صناعة جديدة أي صناعة الانتخابات؟ ولنفترض جدلا ذلك ماهي حدود هذه الصناعة واين تكمن تجلياتها؟ كل هذه الاسئلة هي متناسلة من رحم الحملة الانتخابية المتواصلة إلى يوم 22 اكتوبر الجاري وما رافقها من محاولات لانجاح موعد 23 اكتوبر انطلاقا من قاعدة استعدادات المترشحين لموسم "الحج السياسي" إلى المجلس التاسيسي.
الخطاب "صناعة حديثة"
في واقع الامر هكذا يبدو المشهد السياسي في تونس ما بعد الثورة سيارات بالوان قوس قزح تحمل شارات القائمة المستقلة او شعار الحزب "الفلاني" والكل يسوق لصورة مستعينين في ذلك بخبرات اجنبية سواء كانت لبنانية او فرنسية او امريكية لزراعة "صناعة" لم يعرفها التونسي من قبل فتحول التركيز من على صورة القائد داخل الحزب إلى تغيير الصورة النمطية للحزب ولخطابته التي كانت تشكل عقبة في الوصول إلى القاعدة الجماهرية. فاليسار مثلا لم يعد يكفيه الحديث عن الماركسية وتجلياتها المجتمعية الانسانية وطبيعة المجتمع وتاثيرات العولمة في علاقات الانتاج فحسب بل أن تعديل الخطاب السياسي اهله لان يغزو عقول الناخبين في القرى والارياف وتحويل تلك الصورة المغلوطة إلى مستوى التعديل القادر على الاقناع. اما القوميون ورغم الخطاب العاطفي الذي يلامس البعد العروبي في فكر الناخب فانه لم يعد وحده جالبا للناس بل أن الواقع اليومي المعيش للمواطن التونسي كان نبراسا للأحزاب القومية التي ركزت على المشاغل اليومية للتونسي من شمال البلاد إلى جنوبها. وفيما يتعلق بالاحزاب ذات المرجعية الاسلامية فقد خرجت من جلبابها التقليدي القائم على اعتبار "الإسلام هو الحل" وصار خطابها يسهم وبشكل مباشر في التفكير الحداثي للعمل السياسي من منطلقات "غربية" كالديمقراطية وحقوق الانسان.
صناعة الصورة والرمز
لم يكن التحول على مستوى الخطاب وحده من صنع الانتخابات في شكلها الجديد بل أن التحولات العلمية كان لها الدور البارز فقد تم مثلا انشاء مؤسسات اشهارية تعنى بتقديم المترشحين للراي العام الوطني. وقد اعتبر رياض السباعي مرشح مستقل عن دائرة القيروان "أن صناعة الرأي العام هو بمثابة قصف العقول يمر عبر تقنيات الإخراج والتشويق وقد بدا ذلك منذ بداية حملة التسجيل في القائمات الانتخابية حيث لم يتركوا الناخبين لضمائرهم وارادتهم في التسجيل وانما دفعوهم دفعا لذلك بعد أن تبين ضعف الاقبال فاستعملوا شكلا لم يعهده التونسي من قبل مستغلين في ذلك صورة الرمز من فنانين ورياضيين وسياسيين، او ليس هذا بصناعة؟ ويمكن أن نفهم تقنية الصناعة الجديدة من خلال ما تم توظيفه من اموال وما فتح من وسائل اعلام ثم تطورت هذه الصناعة عبر شبكة من العلاقات الاجتماعية والمالية التي نجهل مصدرها فاحتلت الصور الحزبية والشخصيات السياسية جل الواجهات العامة واللوحات الاشهارية في مجتمع نمط عيشه لا تجعل منه الا كائنا منبهرا".
تخوف
وبين المولدي الطرابلسي المسلمي مستقل قائمة صفاقس1 أن الانتخابات ومن خلال أجوائها الديمقراطية والتعددية تقتضى زخما دعائيا يتداخل فيه الخطاب بما يحمله من صدق ووضوح وحقيقة تقنيات الاخراج وهو ما يتطلب امكانيات مادية هائلة. وامام تفاوت الامكانيات اصبحنا نخاف على مستقبل الديمقراطية التي قد تصبح مرهونة بتقنيات صناعة الراي العام وصناعة الرموز فتحول الدعاية إلى من كان الاصدق والاقرب إلى الناخب إلى من هو قادر على اغراء الناخب وغوايته وكاننا امام اخراج سينمائي الرابح فيه شركاء هذه الحركة والخاسر فيه هو الشعب الذي اصيب بشيء من الضبابية الذي انعكس على التوجه للتسجيل في القائمات الانتخابية ونتمنى ألا يكون كذلك يوم 23 اكتوبر.
تكافؤ الفرص
ومن جهته اعتبر رئيس الحملة الانتخابية لقائمة "من اجل جبهة وطنية تونسية" شاكر العواضي أن صوت المواطن التونسي تحول إلى سلعة في المزاد الانتخابي الذي غابت عنه البرامج الاصلاحية وتحول شعار الصراع الديمقراطي إلى شعار اجوف على اعتبار سقوط اهم عنصر من عناصره وهو مبدا تكافؤ الفرص خاصة على مستوى التمويل".
صناعة الانتخابات
وفي رده على جملة الاسئلة المقدمة بين الامين العام لحزب الوفاق الجمهوري مصطفى صاحب الطابع "ان ثورة الحرية والكرامة هي نقلة نوعية في تاريخ تونس الحديثة ولعل هذه النقلة قد أضفت على البلاد والشعب معايير وأنماط سياسية جديدة فنحن اليوم نعيش حملة انتخابية أو بالأحرى صناعة الانتخابات وهي تصنيع منتوج استهلاكي بغاية الربح والانتخابات هي وسيلة ديمقراطية حسب معايير مضبوطة لتمثيل الإرادة الشعبية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكن في الأخر الغاية نبيلة". واضاف المتدخل بالقول "ان للانتخابات مفهومين متباعدين كالشرق والغرب هل يلتقي الشرق مع الغرب في تونس يلتقي مع بعض الأحزاب أو مرتزقة السياسة التقاء في نقطة تقاطع هي أطماع سياسية على حساب إرادة شعبية فاليوم هذه الأحزاب تصنع البرامج وتسوقها مقابل مال زهيد أو الحليب أو الاكباش أو بطاقات شحن أسلوب تجمعي ليس بغريب عنا لكن أسلوبهم رخيص جدا فأمجادك اغلى وتاريخك أعظم تذكر أيها الشعب العظيم إذا ساهمت في صناعة الانتخابات فستساهم في صناعة السلطة وحتميا ستكون ديكتاتورية جديدة".