بقلم: آسيا العتروس من أكثر التعاليق اثارة في أعقاب وفاة ستيف جونز أحد الاقطاب المؤسسين والمدير التنفيذي لشركة ابل الذي غيبه الموت قبل أيام تلك التي اعتبرت أن ثلاث تفاحات غيرت وجه العالم أما الاولى فتفاحة ادم هليه السلام وأما الثانية فهي تفاحة نيوتن وأما التفاحة الثالثة فهي بالتأكيد تفاحة ستيف جونز رمز شركة أبل والتي ارتبطت خاصة بالحاسوب الشخصي أو لغة العصر الجديدة التي اجتاحت العالم... فجأة اكتشف العالم أن ستيف جونز الرجل الذي احتل بوفاته صدارة الصحف واستقطب اهتمام العالم من أصل عربي فوالده البيولوجي عبد الفتاح الجندلي مهاجر من سوريا ترك مسقط رأسه مدينة حمص في خمسينات القرن الماضي ليخوض تجربته في زمن تحقيق الحلم الامريكي فحقق حلمه في الحياة ونجح في بلوغ أعلى المراتب وجمع من المال ما جعله يمحي من ذاكرته أعظم وأفضل ما منحته الحياة وهوالطفل الذي سيغير لغة التواصل في العالم. ولعلها من المفارقات أن يحتل ستيف جونز اهتمام العالم في الوقت الذي تعيش فيه مدينة حمص وغيرها من المدن السورية على وقع السياط والقمع الذي اختاره النظام السوري كحل للرد على تحركات شعبه ومطالبه بحقه في الحرية والكرامة والعدالة و في ذلك ما يدعو للتساؤل هل كان ستيف جونز سيصل الى ماوصل اليه في أمريكا لو أن والده لم يغادر سوريا وعاش في حمص يلهث وراء لقمة العيش اليومي و يواجه كل أنواع الضغوطات والابتزازات والمساومات بسبب أفكاره و ابداعاته؟ وماذا لو كان الطفل ستيف جونز ولد في سوريا فهل كان مصيره سيكون كمصير الذي يواجهون الموت اليوم بسبب ارائهم ومواقفهم ومبادئهم الانسانية؟ قد يعتبر البعض أن هذه التساؤلات من شأنها أن تدفع بنا للوقوع في عالم من الفرضيات والاحتمالات التي تتناقض مع العلوم الصحيحة ولكن الاكيد أن والد ستيف جونز الذي تخلى عن طفله بعد أسبوع من ولادته لتتولى احدى العائلات الامريكية تربيته ومنحه اسمه قد أخطأ مرتين وهو الذي تخلف عن رعاية ابنه الذي سيفقد كل صلة به على مدى عقود طويلة قبل أن يعلم عن طريق الصدفة أن ستيف الذي حفظ العالم بأسره اسمه وأدرك أهمية هذا الرجل ليس سوى ابنه وأما الخطأ الثاني الذي اقترفه فيتعلق بافتقاره للجرءة التي تميز بها ابنه الراحل ليكتشف ان الكاتبة منى سيمسون ليست سوى شقيقته و قد اعترف الجندلي بعد ذلك بخطئه معتبرا أنه لو عاد به الزمن الى الوراء لربما كان أصلح بعض الاشياء و لكان أقرب الى ابنه ... لقد كان جونز أحد أكبر نوابغ عصره وهوالذي استطاع أن يدخل كل البيوت ويحتل موقعا لدى كل العائلات بعد أن جعل من الحاسوب الشخصي مفتاح كل الاتصالات في عالم أشبه ما يكون بالقرية المترابطة. لقد أعاد اسم ستيف جونز الى السطح الكثير من القضايا المعقدة في العالم العربي أولها قضية الابداع ومحنة الوصاية التي تمارسها الانظمة القمعية كل رجال الفكر والثقافة والفن والباحثين والعلماء والمفكرين وأما القضية الثانية فتتعلق طبعا بهجرة الادمغة ولجوئها الى الخارج بعيدا عن كل أنواع القيود والهيمنة من أجل تحقيق ما تتطلع في مجال تخصصها والمؤسف أن الغرب قد انتبه الى هذا الامرالذي تجاهله المسؤولون العرب عن غير قصد في بعض الاحيان وعن قصد في أحيان كثيرة , فلم يبخل بذلك الغرب على المفكرين والباحثين العرب والمسلمين الذين لجأوا اليه بالمناخ وبكل الموارد و الامكانيات التي تشجعهم على الخلق والابداع بل ولم يتوانى عن منحهم الجنسية وكل ما يمكن أن يفقدهم الصلة بالمجتمع الذي جاؤوا منه...