أصدر الشاعر عادل المعيزي مؤخرا مجموعة شعرية اختار لها عنوان « أما أنا فلأي فردوس» هذه المجموعة السادسة التي أثرى بها المدونة الشعرية التونسية خاصة والعربية بصفة عامة جاءت بعد «وطان القصيدة» (ديوان شعر صدر بتونس سنة 1998 و«أحبك حين أحبك» (ديوان شعر صدر بتونس سنة 2001) وكتاب «حكمة العصر ابيغرامات» (صدر بتونس سنة 2002) و«أمس منذ ألف عام»(رواية شعرية صدرت ببيروت سنة 2004) و«تطير الخطاطيف بي» (ديوان شعر( 2009). وقد استقبل النقاد هذه «اليوميات الشعرية 1 « وهو تضمين أراده المعيزي تحت عنوان المجموعة الأصلي بقراءات اتفق بعضها على ان: «عادل المعيزي طوع في ديوانه الجديد كما اعتدنا دائما لغته الأبية وتعابيره المتجاسرة على الظلم وأطلق العنان لكلماته المتمردة التي تكشف أحاسيسه الدفينة في لغة ليست عصية على الفهم مثلما هو الشأن لدى أغلب الشعراء من أبناء جيله المحليين أو حتى في البلاد العربية، إذ أنه يقدم ما في جعبته من صور وخيالات دون الاتكاء على التنظيرات..» وهذا استقبال جيد لا نخال عادل إلا أهل له اعتمادا على ما سبق إلى الساحة الشعرية من أعماله التي لفتت الانتباه وجعلته يتبوأ مكانة متميزة بين معاصريه من الشعراء في تونس وخارجها. وعادل المعيزي الذي صرح في أكثر من مرة بقلقه وحيرته في خصوص الأشكال والأجناس الأدبية التي يروم التعبير بها عما يختلج في نفسه وعما يطرأ على مجتمعه التونسي والعربي من تحديات باعتبار ان الجنس الأدبي هو المحدد للهوية بعد أن استفحل أمر تشظي الهويات الجماعية مازال لا يرضى ويسعى في البحث عن هوية فردية تتسع لآفاقه. و المعيزي الذي يقول في الصفحة 56 من ديوانه هذا متحسرا على ما آلت إليه أوضاع العرب بصفة عامة والعراق بصفة خاصة « يا ربنا العربي قل../ هل نحن حقا امة من خير ما أخرجتها للناس/ يا رب المشارق والمغارب هل ستنصرنا/ كما قال الإمام، وتدعي الأوهام أحلاما/ ألم تر كيف شردنا بعيدا ربهم/ أو لم يغير كيدنا حتى غدا ضدا لنا؟.. هو من الأصوات الشعرية التي فرضت نفسها بقوة في السنوات الأخيرة على الساحة الأدبية التونسية حيث تميز بنفس شعري طويل ومرهف قوامه التأمل العميق وتعدد المواضيع التي يخضع جميعها للآنية أي انه يؤرخ بشعره للحظة ويشهد بقصائده على العصر ملتقطا ومنطلقا من اصغر تفاصيله ناظرا إلى ما وراء الخيال إذ يقول في الصفحة 142 مثلا ( اليأس في افريل/ يختار الوقوف على مشارف نجمة / ستهل ثانية ونحن نعاند الرؤيا/ ونمضي في هيام فراشة سوداء/ كل خناجر التاريخ تحلم باصطياد سوادها/ أفريل لطخة زهرة في ساحة الشهداء / ما كانت تكون / لولا المآذن والقباب وهبة اللحن الغريب / ورعشة العشاق من حب طريد / وانتظار الموت قي قدر مكين ). ولعل مثل هذا الإبداع والتمكن من اللغة والاستعارات والبلاغة والتنوع في البناء اللغوي هو الذي أهل عادل لان يفوز بعديد الجوائز كجائزة ملتقى الإبداع العربي الثالث بطرابلس سنة 1991 وجائزة الطاهر الحداد الأدبية لسنة 1993 وجائزة مفدي زكرياء المغاربية للشعر بالجزائر سنة 1994. وهذا التمكن من اللغة وكل هذه القدرة على اقتناص ما يفيد القصيد من متين المبنى وعذوبة المعنى أدى إلى تنوع التجربة الشعرية لعادل حيث اشتغل على فكرة اللغة في ديوان «تطير الخطاطيف بي» واهتم في «وطان القصيدة» بمفاهيم الشعر والوجود والإنسان وحاول في»حكمة العصر» استعادة جنس أدبي قديم مندثر وهو «الإيبيغراما» ذلك الجنس الذي يكتب على ألواح القبور في شكل شذارت مليئة بالاستعارات وحاول في كتاب «أمس منذ ألف عام» التدليل على أن كل فنون الكتابة انطلقت من القصيد. وفي ديوان « أما أنا فلأي فردوس» فقد دون عادل المعيزي شعرا خلاصة رؤاه التي يعتقد أنها بدأت تتحقق على ارض الواقع تباعا في 14 قصيدا قال بعضها في ما بين سنتي 2000 -كحلم ليلة خريف- و2003 كقصيدة 17 ديسمبر التي يقول فيها ( صوتي هناك معلق من رمشه مذ كان قارعتي/ سيأتي من سيجمعه من السدم الأواخر/ أو يترجم بعضه روحا سيلهبها هبوب عاصف / صوتي يرن كحزن أغنية تيبس في متاهاتها الرنين/ وخانها المعنى وعرتها الرؤى/ ما كان صوتي ذلك المشدود نحو ضلال هاويتي / وما كان المتاه حقيقتي / ما كان صنوي ذلك الدود الذي يمشي على../ رمشي / ويهتف بي، إذا فتحت مغاليقي المعابد / يهتف الغبش المتوج بالضياء، ضياء انهار الدنى / اصعد إلى الآباد يا ماء الحقيقة/ وانطلق يا حرف نحو مجاهل المستقبل الفاني...»)