الانتخابات التاريخية التي شهدتها تونس في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي يجب أن تكون موضوعا للبحث والدراسة لمختلف محطاتها منذ انطلاق عملية تسجيل الناخبين وصولا الى عملية الاقتراع مرورا بالحملة الانتخابية، ولكن أيضا بكل ما يتعلق بنسب الاقبال على الانتخبات، وكذلك بتوجهات الناخبين في تحديد خياراتهم وذلك ليس لان هذه الانتخابات هي الاولى من نوعها بعد الثورة أو لانها أول انتخابات حرة ونزيهة وشفافة يعرفها التونسيون فحسب ولكن لانها منطلق لمرحلة جديدة ومنعرج حاسم على طريق الديمقراطية الطويل والمقعد. على أن الاهم أن مثل هذه الدراسة في بلد يشق طريقه باصرار جميع مكوناته السياسية والاجتماعية ونخبه الفكرية على القطع مع ثقافة الحزب الواحد واللون الواحد والرأي الواحد المدمرة لن تكون بالامر الهين فانها أيضا لن تكون بالامرالمستحيل ومن الضروري أن تتوفر لتبقى وثيقة أساسية وشهادة عن مرحلة من تاريخ تونس المعاصر ولكن أيضا لتكون منطلقا لتصحيح ما اتفق على عدم توافقه مع شروط ومتطلبات اللعبة الديمقراطية وما يجب تصحيحه ومعالجته استعدادا للمواعيد الانتخابية القادمة بعد انتهاء مهمة المجلس التأسيسي وتحديد النظام الجديد للبلاد... مركز كارتر الذي قام بنشر سبعين ملاحظا زاروا 272 مركز اقتراع في جميع الولايات، والذي ترأسه الرئيس السابق لجزر الموريس قسام أوتيم وجون هاردمان رئيس المركز كانت له ملاحظاته التي وجب التوقف عندها ليس بهدف التشكيك في جهود الهيئة أو الطعن في مصداقية مختلف أعضائها الذين تحملوا الامانة وكانوا في مستوى المسؤولية الى حد لا يستهان به، ولكن الواقع أن الاقدام على مثل هذه الخطوة الاولى من نوعها في البلاد في منأى عن مظلة وزارة الداخلية التي كانت تتولى كل عملية انتخابية من ألفها الى يائها، لم يكن ليجنب الهيئة الوقوع في بعض الاخطاء وهي وان لم يكن لها تأثير قبل قرار التراجع عن اسقاط العريضة فانها تبقى من المسائل التي تذكر فلا تشكر وهي بالتأكيد تستوجب المراجعة والاصلاح... وفي انتظار ان تتحقق الدراسة أو الدراسات المطلوبة لتفادي ما كان مشينا للعملية الانتخابية التي أجمع العالم على شفافيتها ونزاهتها فربما يكون فيما نشر مركز كارتر في الفترة التي تلت الانتخابات ما يمكن أن يدعو لتأمل بعض النقاط والاشارات التي لا تخلو من رسائل مهمة. فالتقرير الذي ورد تحت عنوان "أوجه القصور في فترة ما بعد الاقتراع" لم يحظ باهتمام اعلامي يذكر، على عكس التقرير الاول الصادر بعد يومين من الانتخابات والذي أشاد بنجاح العملية الانتخابية وباقبال الناخب التونسي على صناديق الاقتراع و لا يبدو أنه حظي أيضا باهتمام الهيئة الوطنية المكلفة بالانتخابات والتي وان ردت على بعض الانتقادات التي صاحبت العملية الانتخابية فانها لم ترد عليها جميعا. واذا كان التقرير قد أشار الى ايجابيات كثيرة في العملية الانتخابية فانه توقف عند الكثير من النقائص والعيوب وقد لاحظ تقرير لجنة كارتر الذي ورد في تسع صفحات في مقدمته "أن عدة نقاط رئيسية تتعلق بعملية فرز واجراءات الطعون لم تلق اهتماما كافيا من الهيئة العليا المستقلة" ومن بين النقاط التي تعرض لها التقريرعلى سبيل الذكر "عدم وجود اجراءات واضحة تحدد عملية ادارة النتائج وعدم توفر التدريب اللازم للسلطات الانتخابية مما جعل عملية الفرز تختلف من منطقة الى أخرى خاصة كيفية تعامل المسؤولين عن الانتخابات مع الاخطاء الناجمة عن عدم دقة المحاضرالخاصة بالنتائج" كما يعيب التقريرالتسرع في اتخاذ قرارات لها تأثير كبير مثل اسقاط قائمة احد المترشحين دون أدلة موضوعية, ولا نكشف سرا اذا اعتبرنا أن الامر يتعلق بالعريضة وبما أثاره القرار من ردود فعل عنيفة في سيدي بوزيد قدرت بأربعة ملايين دينار الى جانب ما أثاره القرار في حينه من جدل في مختلف الاوساط السياسية, كما تعرض التقرير الى الطعون وما كشفته من عدم فهم لممثلي الاحزاب والقائمات لاجراءات الشكاوى والطعون كل ذلك الى جانب عدم اعداد الهيئة دليلا للاجراءات التنفيذية لعملية الفرز, ولم يفت التقرير التأكيد على أنه وفي حين سمح للملاحظين في بعض مراكز الفرز بالتواجد فان الامر كان مقيدا ومحدودا في مراكز أخرى. كما أشار التقرير الى الاخطاء المتعلقة بوضع نتائج المحاضر في صناديق الاقتراع, وانتقد التقرير أيضا تقصير الهيئة في تحديد طبيعة الانتهاكات التي اعتمدتها في الاعلان عن النتائج الاولية... "ولعله من المهم -حتى هذه المرحلة- الاشارة الى أن التعايش مع انتخابات حرة ونزيهة مع بعض الاخطاء أو الخروقات، سيبقى دوما أهم من أيّة انتخابات بلا طعون أو تشكيك، وبنتائج مؤيدة بنسبة كادت أن تشرف على المائة بالمائة لصالح من كان يعتقد أن سلطانه سيدوم الى ما لا نهاية له، قبل أن يقول الشعب كلمته، ويهز من تحته عرشا طالما اعتقد عن جهل وظلم أنه لن يهتز...