ما تزال المنظمة الفلاحية الوطنية بعد زهاء العشرة أشهر عن ثورة الشعب تبحث عن مسارها التاريخي الجديد وتتحسس طريقها الشائك والمتعثر بفعل كم العراقيل والصعوبات والتجاذبات التي تتخبط فيها ومحاولات جذب طرفي الحبل بين أطراف تدعي أحقيتها بقيادة الاتحاد وتسيير دفة شؤونه باسم شرعية الصندوق من جهة والشرعية الثورية من جهة أخرى ليبرز بين هذا وذلك طرف وسطي ينسب لنفسه الاستقلالية عن هذا وذلك ويرفع شعار تمثيلية أنفسهم كفلاحين لا غير... ووسط هذه الضبابية التي تلف المرحلة الانتقالية الراهنة التي تمر بها المنظمة والتي جمدت نشاطها وشلت كل مسعى لخدمة مصالح الفلاحين والأخذ بيدهم في مثل هذه الفترة الحيوية والحساسة من الموسم الزراعي تتناهى إلى مسامعنا كل فينة أخبار ومستجدات لا تبشّر بانفراج قريب ولا بخروج سريع من بوتقة الإشكاليات ونفق الصراعات والاتهامات المتبادلة بين أبناء القطاع الواحد من داخل البيت الفلاحي أو من خارجه ورغم محاولات رأب الصدع وتقليص هوّة الخلافات والمواقف المتنافرة يبدو أنّ التصعيد في استعراض موازين القوى تحوّل من مقارعة الحجة بقوة الحجة الموازية إلى التلويح بحجة القوة ما يخشى معه من دخول المنظمة وانزلاقها في حالة فوضى لا يرتضيها لها أحد. آخر التطورات التي بلغت مسامعنا من مصادر من داخل اتحاد الفلاحين وردت في شكل إدانة مطلقة واستهجان لممارسات العنف المادي التي أتاها لفيف من الفلاحين صبيحة أمس كانوا يرافقون أعضاء من "هيئة إنقاذ المنظمة" وهو الشق الخارج عن الاتحاد واعتدائهم بالحجارة على مقر المنظمة ما استوجب الاستنجاد بالأمن لحماية مبنى المنظمة. وكانت هيئة الإنقاذ أعلنت قبل أسبوعين تشكيل لجنة تسيير بديلة للمكتب التنفيذي والمجلس المركزي المباشرين حاليا في ظل استمرار ما وصفته بمماطلات القيادة الفلاحية وتقويضها لمسار التفاوض وتعطيل لغة الحوار وهو طبعا ما فنده الطرف المقابل" المكتب التنفيذي الوطني" في بلاغات سابقة متهما الهيئة البديلة بمحاولة الاستحواذ على المنظمة..
استقالة
في خضم التجاذب القائم والتصعيد المتواتر وتفاقم أجواء التوتر داخل المنظمة بادر أمس عضو المكتب التنفيذي كريم داود بتقديم استقالته التي طالما أجلها أملا في الخروج بالمنظمة من عنق الزجاجة وتقريب وجهات النظر حفاظا على هذا الهيكل العريق وحماية البيت الفلاحي من التصدع والتفكك وتعد الاستقالة الخامسة أو السادسة التي تم الاعلان عنها بعد 14جانفي. ولعل نص الاستقالة التي أمدنا صاحبها بنسخة منها تلخص تردي حالة الإرباك واللخبطة التي انبرت عليها المنظمة محملا أعضاء المكتب التنفيذي" مسؤولية ثقيلة إزاء الورطة التي وقعت فيها المنظمة... ذلك أنه إثر كامل الأشهر المنقضية وبعد محاولة إيجاد حلول لإقامة حوار صريح بين مختلف الأطراف لوضع أسس منظمة نقابية مجددة كانت النتائج ضعيفة جدا بل ومنعدمة لا تبشر بحل بناء.." هذا الاستنتاج دفع كريم داود إلى إعلان استقالته والاعتراف باختلافه الشديد مع زملائه بالمكتب. وشدد ت رسالة الاستقالة على أنّ المسار التاريخي للمنظمة بعد 14جانفي يحتم انصهارها في التوجه العام للإصلاح والتأسيس لتنظيمات نقابية ممثّلة ومصحّحة لتلعب دورها بمسؤولية وكقوة تحمي منظوريها وتدافع عنهم. وفي هذا الخضم يقول كريم داود "بأنّ عددا كبيرا من الفلاحين والبحارة ممن لم يشاركوا ماضيا في الحياة النقابية أظهروا إرادة قوية في لعب دور ما في تجديد الاتحاد وطنيا وجهويا ومحليا." وتحدث العضو المستقيل عن الظروف الصعبة التي حفت بالجهود التي بذلها صحبة مجموعة قليلة في الإصغاء للمحتجين من الفلاحين والإنصات لمطالبهم ونسج روابط احترام معهم في وقت غاب فيه حسب تصريحه أغلب المسؤولين النقابيين عن مقر الاتحاد غير أنه رغم التوصل إلى أرضية تفاهم لتامين المرحلة الانتقالية تقود على مؤتمر نزيه يضم كل القوى الحية من الأسرة الفلاحية كانت النتائج المنشودة ضئيلة جدا بعد أسابيع من التفاوض والتحاور. واعتبر داود أنّ بلوغ هذه المحطة يستوجب من المنظمة أن تفتح أبوابها وتكوّن لجانا مؤقتة جهوية تشكّل بطريقة توافقية وبأكثر ما يمكن من التمثيلية. كما يتعين في رأيه إحداث مكتب موسع توافقي للتسيير اليومي لشؤون الفلاحين.مشيرا إلى أن استقالته من المكتب التنفيذي لا تعني انسحابه من الشأن الفلاحي والوقوف إلى جانب الفلاحين الراغبين في فلاحة عصرية وذات مردودية. من جهة أخرى يعتبر محمد الهادي بن سوسي فلاح مستقل كما قدّم نفسه أنّ ما تعيشه المنظمة راهنا من اعتداءات من أطراف خارجة عنها لا يخدم مصلحة أي كان ويحيد بالاتحاد عن مساره التاريخي الجديد الذي يتعين أن يسلكه شاجبا الزج به في متاهات الفوضى والإرباك عبر تصرفات متشنجة وعنيفة لعدد من الفلاحين لفرض أملاءات وضغوط. وأكد أن العمل التفاوضي والتوافقي في إطار لجنة موسعة كان ولا يزال الإطار الأنسب لانتشال المنظمة من الوضعية المتردية التي تمر بها والمحافظة على هذا الهيكل كأحد مكونات المجتمع المدني. هو إذن وضع حرج طال مداه لا شك في ذلك ولا مفر من تجاوزه بتغليب لغة العقل والمصلحة العامة للفلاحين والتفتح على كافة الكفاءات وكل من يأنس في نفسه القدرة على إخراج المنظمة من المأزق الذي تردت فيه والجلوس إلى طاولة حوار علني يضم مختلف الأطراف.