يوحي مشهد الحريق والمباني المهدمة في العاصمة المصرية على امتداد الأيام الثلاثة الماضية بأنّ آلة الحرب قد مرت في شوارع القاهرة. فقد أسفر تدخل الشرطة العسكرية لفض الاعتصام أمام المجلس الوزاري، عن سقوط نحو 10 قتلى إلى جانب مئات الجرحى. وقد وصفت الصحافة المصرية هذه الأحداث بالموجة الثالثة للثورة، التي تكشف إخفاق الجيش في احتواء الغضب الشعبي، وانزلاقه إلى الاستخدام المفرط للعنف فيما وصف بحرب الشوارع. لليوم الثالث على التوالي، تواصلت الاشتباكات أمس بين الشرطة العسكرية والمحتجين في مشهد أعاد إلى الأذهان ما حدث في 15 من شهر نوفمبر الماضي، عندما عمدت قوى الأمن إلى فض الاعتصام في ميدان التحرير، عندها كان عدد القتلى أكبر ووصل إلى نحو 40 قتيلا. إلا أنّ الوعود التي تلاها المشير الطنطاوي على مسامع المصريين لم تتحقق بالكامل، ولم تختلف كثيرا عن تلك التي تضمنها خطاب رئيس الوزراء كمال الجنزوري يوم السبت الماضي في مؤتمر صحفي. فقد صرّح الجنزوري أنّ ملف الأحداث الأخيرة قد أحيل على النيابة العامة للتحقيق فيه وتحديد المخطئ، وأكّد عدم استخدام قوات الأمن العنف لفض أيّة اعتصامات. إلا أنّ تصريحات الجنزوري أثارت غضب واستياء الحركات الشبابية المصرية التي اعتبرتها «استفزازية». وذلك تعقيبا على وصف الجنزوري للمعتصمين والمحتجين بأنهم من أنصار الثورة المضادة». ويتساءل الكاتب والصحفي المصري وائل قنديل في صحيفة الشروق المصرية أمس عن أحقية الجنزوري في الحديث عن الثورة، متهما إياه بأنّه مثّل دور الأخرس لسنوات في عهد الرئيس السابق مبارك. أخطاء متكررة يجمع عدد من المحللين السياسيين المصريين على أنّ الأحداث المتكررة مؤخرا تعد دليلا على أنّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر لم يعد قادرا على قيادة البلاد. وقد أكد خبراء سياسيون أن الأحداث والاشتباكات الدامية التي شهدها شارع مجلس الوزراء بين المعتصمين وأفراد الشرطة العسكرية تنذر بكارثة حقيقية، حسبما أوردته صحيفة «المصري اليوم» أمس. إلا أنّ نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ذهب إلى حد القول إنّ أحداث مجلس الوزراء من شأنها أن تقضي على حكومة الجنزورى. على خطى الجزائر؟ يشير عدد من المراقبين إلى أنّ تفاقم الأحداث في القاهرة يمكن أن يؤدي إلى انزلاق البلاد إلى مصير مشابه للجزائر في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من العام الماضي. ففي أوائل التسعينات فازت جبهة الإنقاذ ذات التوجه الإسلامي في الجزائر ب188 مقعدا. فتأزمت بعد ذلك الأوضاع في البلاد وأعلن الجيش الجزائري حالة الطوارئ بعد أن لجأت الأحزاب العلمانية للجيش، تعبيرا عن رفضها لنتائج الانتخابات، وبضغط الجيش على الرئيس الشاذلي بن جديد، أعلن بن جديد استقالته، مما أدى إلى إلغاء نتائج الانتخابات بحل مجلسي الشعب والشورى. وبعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد، أصبح العسكر مجلسا استشاريا وطنيا بديلا عن السلطة الجزائرية، وتم بعد ذلك حظر جبهة الإنقاذ وتمديد العمل بحالة الطوارئ. وقد كان الكاتب الأمريكي مارك لينش في مجلة «فورين بوليسي» أحد المحذرين من تكرار السيناريو الجزائري في مصر، إذ أشار إلى أنّ من الأجواء المتوترة حاليا قد تؤدي إلى تعليق الانتخابات البرلمانية، فيعاد بذلك المشهد الجزائري، ما سيكون الطريق ممهدا للانهيار الكامل. وبالرغم من التحاليل التي تعتبر أنّ ما يحدث اليوم في مصر شبيها بأحداث الجزائر في التسعينات، فإنّ مراقبين للشأن المصري يقرون بأنّ هذه النظرة تبقى تشاؤمية على اعتبار أنّ المؤسسة العسكرية حافظت على نوع من المرونة في التعامل مع المحتجين، وأنّ الهدف الأساسي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة هو البقاء في السلطة حتى وإن كان ذلك من وراء الستار. إنّ أعمال العنف المتكررة التي يشهدها ميدان التحرير قد تكون مؤشرا على ضعف الوضع الأمني والسياسي في مصر، وعلى عدم قدرة المجلس العسكري على إحكام سيطرته على البلاد دون اللجوء إلى العنف. إلا أنّها تكشف أيضا معركة حقيقية حول السلطة وحول مستقبل مصر بين الإخوان والجيش. وتبقى خيوط المعادلة المصرية مرتبطة بمدى توافق حقيقي بين الطرفين حول تقسيم السلطة.