تم استحداث وزارة جديدة في حكومة حمادي الجبالي المرتقبة وهي وزارة حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية.. فهل بإنشاء وزارة بهذه التسمية ستُحقق العدالة الانتقالية وتُسترجع وتُضمن الحقوق؟ وهل لدى السياسيين والفاعلين في السلطة معرفة بأبجديات العدالة الإنتقالية ومكوناتها وآلياتها؟ تحديد المصطلحات
يرى باحثون وخبراء في مجال العدالة الإنتقالية ضرورة التعريف بمفهوم العدالة الإنتقالية أولا ونشر ثقافتها وتحديد مصطلحاتها بما يتوافق مع خصوصية المجتمع التونسي مع الإستئناس بمختلف التجارب الدولية وأخرى عربية بما فيها التجربة الحديثة للمغرب. كما يرون أن على المجتمع المدني أن يُدلي بدلوه في هذا الإطار وأن يكون وسيلة ضغط من ناحية وآلية توافق من ناحية ثانية وأن يبدأ في جمع قواه وتوجيه مقترحاته إلى المجلس الوطني التأسيسي وتكثيف دورات التدريب والتكوين لتشمل أيضا السياسيين قبل البدء في صياغة القانون التأسيسي للعدالة الإنتقالية والمصادقة عليه، فضلا عن دورالإعلام كمراقب وناقد وكسلطة رابعة تتراوح مهمتها بين التثقيف وبين بسط الحقائق حتى لا تنسلخ الإرادة السياسية عن المنهج المحدد لتحقيق مسار الإنتقال الديمقراطي المنتظر. ومن أبرز الإشكاليات المطروحة في هذا المجال، هل يمكن إرساء عدالة انتقالية مباشرة بعد الثورة وان كان الأمر كذلك أي دور للمجتمع المدني من جهة والإرادة السياسية من جهة ثانية في هذا المسار؟ يؤكد وحيد االفرشيشي منسق عمل المركز الدولي للعدالة الإنتقالية في تونس أنه جرت العادة في التجارب الأخرى (تناهز ال40 تجربة) ان يتم إرساء آليات للعدالة الإنتقالية في المطلق بعد إرساء ما يعرف بالسلطات الشرعية وفقا للدستور. وقال:" لا شيء يمنع أن تبدأ هذه العدالة في غياب هذه الشرعية الدستورية بما أن الشرعية التي سادت في تونس منذ 15 مارس إلى 23 أكتوبر 2011 هي شرعية توافقية، غير أن ما حصل في تونس هو غياب إستراتيجية واضحة ومتكاملة للعدالة الإنتقالية واقتصر الأمر على إحداث لجان وتحويل الملفات الكبرى من القضاء العدلي(الجزائي) إلى القضاء العسكري وغياب منهجية عمل واضحة وحضور وغلبة الإرتجال".
هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية
وبما أن تحقيق العدالة الإنتقالية يستوجب قرارا سياسيا فان هذه المسألة تحققت أولى خطواتها بالمصادقة على الفصل المعني بها، تبقى كيفية التطبيق وآليات التنفيذ محور اهتمام المختصين، وهنا يتجلى دور المجتمع المدني على حد تعبير الفرشيشي وذلك "أولا بنشر فكرة العدالة الإنتقالية وشرحها والتمكين منها، ثانيا التفكير في أنسب الآليات التي تتوافق مع الوضع في تونس في ظل غياب وصفة صالحة للتطبيق لكل مكان وزمان". ولا تتحقق هذه المسارات إلا بضمان استقلاليتها، إذ أكد محسن مرزوق أمين عام المؤسسة العربية للديمقراطية أنّ "مسار تطبيق العدالة الإنتقالية لابد أن يكون تحت إشراف هيئة مستقلة، وهي مسألة على غاية من الأهمية بما أنّ هذا التوجه سيمنع المنتصرين والمنهزمين على حد سواء من تحقيق أهدافهم السياسية فيتناسوا جملة الملفات المطروحة في إطار التسويات والمحافظة على السلطة".
مسار العدالة الانتقالية
وتحتوي إستراتيجية العدالة الإنتقالية كما حددها بعض الخبراء على خمس عناصر أساسية ومكونة لها وهي تتبع الجناة وكشف الحقيقة في كل المسائل الحقوقية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية، أضف إلى ذلك "لا عدالة انتقالية دون تعويض وجبر ضرر ودون الإصلاحات الأمنية والقضائية والمؤسساتية ومجابهة الفساد الإداري والمالي وآخرها المصالحة". لكن المعضلة المطروحة في تونس في هذا المجال ماهي اقتراحات المجتمع المدني والتنسيقيات العاملة في حقل العدالة الإنتقالية من جهة والقضاة وأهل القانون من جهة ثانية؟، هل سيتم اقتراح تكوين لجان الحقيقة والمصالحة أم سيتم إيجاد محاكم مختصة أم غرف مختصة داخل المحاكم.؟ فالدعوة أضحت ملحة في هذا الفترة بأن يمرالمجتمع المدني من الجدل والنقاش وورشات التفكير إلى صياغة اقتراحات عملية في شكل ورقات تحتوي على رؤى إستراتيجية بإرساء آليات العدالة الإنتقالية ترفع للمجلس التأسيسي، فيكون المجتمع المدني تشاركيا في إعداده لهذه الرؤى. يشير عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في هذا الصدد إلى وجود عدّة آليات للعدالة الإنتقالية يُشرف على البعض منها هيئات مستقلة متكونة من المجتمع المدني، ومن شخصيات وطنية مستقلة كآلية المصارحة أي جلسات الإستماع وتقدير معايير جبر الأضرار ومن ثمة اقتراحها على سلطة الإشراف المتمثلة في وزارة حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية التي من شأنها أن تسهل تركيز هذه المعايير وتنفيذها بالتنسيق مع مكونات المجتمع المدني، أما بقية الآليات فهي ترجع بالنظر إلى القضاء كالمساءلة والمحاسبة والمحاكمة.