هل تكون سعيدة العكرمي أول امرأة عميدة في تاريخ المحاماة التونسية؟ يشهد قطاع المحاماة هذه الأيام حركية حثيثة، ومناقشات متواصلة علنية وخفية، حول الشغور الذي سيطرأ على رأس الهيئة الوطنية للمحامين... باعتبار أن العميد الحالي عبد الرزاق الكيلاني، أسندت اليه صلب الحكومة الجديدة حقيبة وزارية، تتمثل في تكليفه بمهمة العلاقات مع المجلس الوطني التأسيسي كوزير معتمد لدى رئيس الحكومة حمادي الجبالي. ومن هنا يبرز سؤال ملح بين أهل المهنة، وفي مشهد المنظومة القضائية والهياكل المعنية، هذا السؤال مؤداه: من سيخلف العميد المتخلي اختياريا عن أعلى مسؤولية في قطاع رئيسي، وعلى غاية من الأهمية في تكريس العدالة بمفهومها الشامل، وفي الدفاع عن حقوق المتقاضين؟.. بدءا، لا بد من الاشارة الى أن قطاع المحاماة في بلادنا، يعتبر على رأس القطاعات، وإن كانت قليلة، التي استعصى احتواؤها على النظام البائد وزبانيته..
قطاع ولود
ولعلي لا أبالغ، إن قلت أن قطاع المحاماة، القطاع الوحيد الذي لم يتم تدجينه كليا من طرف نظام المخلوع، وبقي يضم الكثير من «المناوئين والمناهضين»، كما كان يصفهم النظام البائد والمتخندقون معه من المحامين أنفسهم.. هؤلاء «المناوئين»، وهم في الحقيقة الأحرار من أهل القطاع والرافضون للرضوخ والخنوع، والرافعون لشعار «يجوع المحامي ولا يأكل على حساب العدل والحقوق»، تعرضوا الى التنكيل وعديد المضايقات، واقتحامات لمكاتبهم وحتى منازلهم، كما رُمي بالبعض منهم في غياهب السجون بتهم ملفقة.. وهذه الممارسات الاستبدادية، والهادفة أساسا الى تركيع أهل هذا القطاع وجعلهم يسبحون بحمد نظام المخلوع و«الركوب» في فلكه، والامتثال لأوامره الطاغية، لم تزد الأحرار والمناضلين من المحامين إلا حرية وتحررا، و«تغوّلا» في النضال واصرارا على التشبث بالمبادئ الحقوقية، ودفع الظلم والظلام مهما كان الثمن، والوقوف سدا شامخا ومنيعا ضد الفساد مهما كان نوعه وفي أي مجال.. ومن البديهي، وتأسيسا على ما يتلقاه المحامون من تكوين شامل، فإن قطاع المحاماة وَلودٌ للسياسيين في كل المستويات، فلا غرابة اذن، في أن يتبوأ عديد المحامين المناصب الوزارية، والأولى في حكومات جل الدول، إن لم أقل كلها.. ولم يشذ قطاع المحاماة في تونس عن هذه «القاعدة» البديهية، اذ تخرّج من رحمه عديد المسؤولين السياسيين، سواء كوزراء في حكومات مختلفة متعاقبة، أو كرجال سياسة على كل الواجهات وضمن كل التيارات.. ودون ريب، فإن «توزير» عميد المحامين عبد الرزاق الكيلاني في حكومة حمادي الجبالي يدخل في هذا السياق.. ولأن توزير الكيلاني خلق شغورا في أعلى هرم الهيئة الوطنية للمحامين، انطلقت الاستعدادات والمناقشات والحوارات حول العميد/ الخَلَف.. واستناد ا لقانون المحاماة الجديد، فإنه على مجلس الهيئة الاجتماع في ظرف 60 يوما لانتخاب عميد جديد بواسطة الاقتراع السري من بين أعضاء الهيئة، وعددهم 13 عضوا، ليواصل قيادة «السفينة» الى حدود تاريخ المؤتمر العادي.. واعتبارا للشروط الواجب توفرها في عضو الهيئة، الراغب في الترشح للعمادة، والتي أهمها شرط ال10 سنوات ممارسة للمهنة لدى محكمة التعقيب، فهناك ضمن أعضاء الهيئة الحالية 6 أعضاء تتوفر فيهم الشروط الكاملة وهم: فتحي العيوني الكاتب العام لفرع تونس، وسعيدة العكرمي أمينة مال الهيئة الوطنية، ومحمد نجيب بن يوسف رئيس فرع تونس، ورشاد الفري الكاتب العام للهيئة، وفاضل محفوظ رئيس فرع صفاقس، وعماد بالشيخ العربي عضو..
الشاردة والواردة
ويؤكد عديد المحامين والمهتمون بهذا القطاع أن السباق نحو "سدة" العمادة، قد ينحصر في شخصيتي فتحي العيوني وسعيدة العكرمي.. فالأول عليه شبه اجماع، استنادا الى تواضعه، وسعيه الدؤوب الى خدمة زملائه والقطاع إجمالا، وحضوره المتواصل في أروقة العمادة والفرع، يتلقى كل واردة وشاردة من «مشاكل» زملائه وملاحظاتهم.. والثانية معروفة بين أهل القطاع وخارجه بجديتها ورصانتها و«عدالتها» في تناول كل الاشكالات المطروحة مهنيا وإداريا و«اقتصاديا» وحقوقيا..
فترة انتقالية
كما يشير الملاحظون الى أن رشاد الفري وعماد بالشيخ العربي قد لا يدخلان السباق، باعتبارهما من المنتمين للتجمع المنحل.. بل هناك همس عال بين الكثير من المحامين يدعو الى الرفض القطعي لكليهما، على سدة العمادة. وأما محمد نجيب بن يوسف، رئيس فرع تونس، وفاضل محفوظ رئيس فرع صفاقس، فتبدو حظوظهما، حسب الملاحظين، ضئيلة مقارنة بحظوظ فتحي العيوني وسعيدة العكرمي، «لمعانقة» هيبة العمادة وارتداء جلبابها، وذلك لعدة اعتبارات، لعل أهمها عدم "محاصرتها" الكلية لعديد الاشكالات المختلفة التي طرأت وأثيرت بين «منظوريهم» على مستوى الفرعين، كما تمت في «عهديهما» بعض «التجاوزات» حسب ما يروجه محامون.. وقد يعذران في ذلك لأنهما مسكا زمام مسؤوليتيهما في ظرف انتقالي تمر به بلادنا في كل المجالات انطلاقا من الثورة ومتطلباتها فما بالك بقطاع مهم للغاية وحساس كقطاع المحاماة.. وأعود لطرح السؤال سالف الذكر والذي مؤداه: من سيكون العميد/ الخلف لعبد الرزاق الكيلاني المتخلي اختياريا؟.. وهل تكون سعيدة العكرمي أول امرأة عميدة في تاريخ المحاماة التونسية؟ ذلك ما ستبوح به ال60 يوما المقبلة على أقصى تقدير..