لهذه الأسباب غابت الثورة التونسية عن الحدث العالمي يختلف المعرض الذي افتتح منذ 14 جانفي برواق الشريف بسيدي بوسعيد بالعاصمة ويتواصل إلى 29 من نفس الشهر عما هو متداول ومعروف ويمكن أن يحدث صدمة على أصحاب المشاعر المرهفة لذا حذار بالنسبة لأصحاب القلوب الضعيفة. فاللوحات التي يضمها هي أحيانا قاسية وعنيفة. فهي تنقل الحدث في العالم كما هو وبدون مساحيق. والحدث في عالمنا اليوم وكما هو معروف ليس باستمرار حدثا مفرحا فلسنا نعيش ربيعا دائما بل على العكس, إن اللحظات الحزينة في هذا العالم أصبحت كثيرة ومتواترة بشكل غريب ومرعب. هذه صورة لضحايا زلزال وأخرى لغرقى الفياضانات. وهذه صورة لضحايا الإرهاب وهذه أخرى لقتلى الحروب وهذه صورة تنقل مراسم دفن حزينة لبشر قضوا بالآلاف، إلخ.. إنه المعرض العالمي للصّور الفوتوغرافية الفائزة في المسابقة الدولية لأفضل صورة فوتوغرافية التقطتها عدسة مصور فوتوغرافي محترف لدورة 2011. المعرض العالمي الذي ينتظم ببادرة من جمعية "world press photos" الهولندية منذ سنة 1955 وهي جمعية مستقلة ليست لها غايات ربحية، يحل بتونس للمرّة الرّابعة على التوالي. وللمرة الأولى منذ انفتاح الجمعية على بلادنا يقام المعرض في مناسبتين. ففي مناسبة أولى ينتظم بالعاصمة من 14 جانفي إلى 29 من نفس الشهر وينتقل في مناسبة ثانية إلى جزيرة الأحلام جربة وتحديدا إلى المركز الثقافي الدولي بسيدي جمور بداية من 4 فيفري المقبل ويتواصل إلى غاية 24 من نفس الشهر.. يضم المعرض صورا من مختلف الأحجام والمقاسات التقطت في لحظة مهمة في مكان ما من هذا العالم الذي نعيش فيه والذي أصبح في كل لحظة مسرحا لأحداث في أغلبها وللأسف دامية وحزينة. جولة في هذا المعرض كافية بأن تجعل النّفس مهمومة والأسئلة تتواتر في ذهن الزّائر عن وجود الإنسان. وباستثناء مكان المعرض أي رواق الشريف تلك البناية البيضاء الجميلة لصاحبها حمادي الشريف وباستثناء الصور القليلة للطيور وبعض الحيوانات الأليفة فإن أغلب اللوحات خلّدت لحظات قاتمة في تاريخ البشرية المعاصر. لا شك أن لمنظمي المعرض عذرهم وأسبابهم في اختيار الأعمال الفائزة لعرضها أمام ملايين من الزوار بالعالم. مقاييس الجمال مختلفة وقد أوضحت ذلك سفيرة هولاندا بتونس "كارولين ويجرس" التي حضرت عرض الافتتاح برواق الشريف بسيدي بوسعيد. أجمل الصور حسب السفيرة هي تلك التي تعتمد على رؤية بصرية مختلفة ويملك صاحبها أسلوبا مميزا بالتوازي مع احترام المهنية وتقنيات الصورة الفوتوغرافية. أما عن أسباب غياب الثورة التونسية عن المعرض وهي الحدث الأبرز في العالم في الفترة الأخيرة فقد شدّدت السفيرة على أن دور الصورة كان حاسما في نجاح الثورة التونسية لكن تنظيم المسابقة الخاصة بدورة عام 2011 خلال شهر جانفي من العام الماضي بالعاصمة أمستردام حرم التونسيين من المشاركة فيها. مقابل ذلك فإنها لاحظت أن الثورة التونسية فتحت عهدا جديدا أمام الصورة الفوتوغرافية التونسية حيث أن المصوّرين التونسيين باتوا محلّ حفاوة وترحاب في مختلف أنحاء العالم.
صورة عائشة الأفغانية التي جابت العالم
تغلب إذن الأحداث الحزينة في العالم على هذا المعرض لكننا لا نستطيع إلا أن نعذر منظمي المعرض فلم يعد هناك ما يدعو للتزويق ذلك أن مواطن القبح في العالم لم تعد خافية على أحد. حتى الأطفال الصغار شاخوا قبل وقتهم بسبب تعرضهم اليومي إلى كم هائل من الصور عبر الفضائيات التلفزيونية ومواقع الإنترنيت التي بات من الصعب مراقبتها. الحروب تكاد تنقل بشكل مباشر على التلفزيونات وعلى المواقع الاجتماعية. أما الآفات والكوارث الطبيعية التي تحصد مئات الآلاف من الأرواح فإنها تزيد الآلام وتضاعف من حيرة الإنسان في أيامنا هذه أما الإرهاب بمختلف أشكاله فإنه يكاد يكون متفش عنه في كل مكان. كيف يمكن لزائر المعرض أن لا يتأثر مثلا بصورة الفتاة الأفغانية عائشة بيبي التي قطع أنفها وشوّه وجهها لتدفع بذلك ثمن ولادتها أنثى؟ مع العلم وأن المنظمين الذين يعدون بمناسبة كل دورة جديدة للمعرض مؤلفا يجمع مختلف الصور الفائزة في المسابقة اختاروا صورة الفتاة عائشة ليوشّحوا بها الغلاف. لا بد من الإشارة إلى أن أحد ابرز أهداف المعرض تتمثل في التحسيس للمخاطر التي يتعرض لها المصور الصحفي خلال تغطية الأحداث السّاخنة في العالم. وهو ما شددت عليه السفيرة الهولندية خلال حفل تدشين المعرض برواق الشريف والذي حضره عدد كبير من أهل المهنة بتونس إلى جانب عدد من سفراء البلدان الأوروبية في بلادنا. ذكّرت السيدة كارولين ويجرس بأن العام المنقضي (2011) لم يمر دون أن يحصد مزيدا من الصحفيين بخلاف الجرحى مشيرة إلى أن من بين هؤلاء عددا من المصورين الصحفيين الذين يمارسون عملهم في النقاط الساخنة من العالم بجرأة وإقدام. المعرض هو شكل من أشكال الاعتراف لهؤلاء بدورهم في ملاحقة الحقيقة.