على خلفية التجمع الاحتجاجي الغاضب لعدد من مهنيي قطاع الزيتون بصفاقس الأسبوع المنقضي والذي نفّذ للفت النظر إلى ما تردت إليه أسعار الزيتون عند الإنتاج هذا الموسم من انحدار وانعكاس ذلك سلبا على كلفة الإنتاج ومنه على بقية حلقات المنظومة تحويلا وترويجا يستوقف المطلع على حزمة المطالب التي تقدمت بها المهنة مقترحا يدعو إلى الإستغناء أو التقليص من توريد الزيوت النباتية وتوجيه الدعم إلى المنتوج الزيتي المحلي. الفكرة في مجملها تلوح إيجابية إذا ما استهدفت توفير زيت الزيتون للمستهلك التونسي بسعر الزيوت الموردة ومنها زيت الحاكم الذي لم يبلغ ثمنه سقف الدينار الواحد ما يجعله في متناول الفئات الضعيفة التي يستعصي عليها ثمن الزيت الرفيع المحلي ثم إنها تعمل على مصالحة التونسي مع منتوجه الوطني وفي ذلك دعم للفلاح ومساندة لتضحياته ويكون بالتالي (الماء إللى ماشي للسدرة الزيتونة أولى به) في دلالة على أحقية الفلاحين به. غير أنّ مواقف عدد من الأطراف المتابعة للقطاع استبعدت امكانية تفعيل المقترح وذهب وزير الفلاحة محمد بن سالم في تصريح ل"وات" إلى رفضه معتبرا إياه غير معقول على اعتبار أن توجيه الدعم المخصص للزيت المستورد نحو المنتوج الزيتي المحلي لا معنى له ما لم يجعل سعر المنتوج في متناول الفئات المعنية بالدعم لصعوبة تدارك الفارق في السعر المتداول .ذات التوجه أو الموقف سايرته مصادر مسؤولة بالتجارة والفلاحة مستبعدة بدورها قابلية المقترح للتنفيذ حجتها في ذلك أن سعر بيع لتر زيت السوجا المدعم والذي يقل عن الدينارالواحد يتدخل صندوق التعويض بدعمه بنحو يفوق ثمن بيعه في مستوى التفصيل وحتى في حال تحويل هذا الدعم إلى زيت الزيتون فإنّ الثمن المعتمد سيظل بعيدا عن المقدرة الشرائية للمواطن ضعيف الدخل مهما تقلص السعر. فهل يكون الحل في الاستغناء عن بقية الزيوت النباتية الموردة حتى تقل منافستها لزيت زيتوننا الأصيل؟
أداءات أرفع
حسب شكري بيوض كاهية مدير قطاع الزيتون بالإدارة العامة للإنتاج الفلاحي لا يكمن الحل في إيقاف استيراد بقية الأنواع من الزيوت النباتية غير المدعمة بطبعها والتي تحظى بإقبال متزايد في مستوى الإستهلاك لأنّ أسعارها تبقى دون سعر المنتوج المحلي إنما قد يكون الحل في التفكير في توظيف آداء أرفع عليها. وحتى المقترح الذي عرضته عليه "الصباح" بالرجوع للعمل بتجربة سابقة سرعان ما تلاشت تتمثل في عرض الزيت المعلب والمخلط بنسب محددة بين الزيت النباتي والمستخلص من الزيتون بما يساهم في مزيد ترويج زيتون الزيت بالسوق الداخلية لم يره المتحدث مناسبا وناجعا على إعتبار تسبب هذا المزج في الحطّ من قيمة ونبل زيت الزيتون وطمس نكهته المميزة ومذاقه الفريد .علاوة على صعوبة مراقبة نسب الزيوت المستعملة وهي ذات العوامل التي كانت أدت إلى فشل التجربة السابقة. وباستجلاء رأي مصدر من التجارة قلّل بدوره من فرص نجاح مثل هذه العملية كما أنه اعتبر أنّ مواسم وفرة الإنتاج وتدني الأسعار لا تمثل قاعدة منتظمة تسمح بالتخلي كليا عن التوريد ورفع الدعم عن زيت السوجا منبها إلى أنّ الإنتاج الموسمي لا يتسم عموما بالاستقرار بل يسجل فترات تراجع حتى أنّ الموسم الماضي لم يتجاوز 120ألف طن مقابل 180ألف طن هذه السنة من زيت الزيتون. فيما أنّ معدل الاستهلاك من الزيوت النباتية الموردة يقدر بنحو 170ألف طن سنويا خلال العشرية المنقضية. وتبلغ كلفة زيت السوجا 1.800د وتعرض بنصف قيمتها الحقيقية. مع توجيهه أساسا لفائدة الفئات ذات المقدرة الشرائية المحدودة والإستهلاك الأسري عموما ومنع ترويجه بالمطاعم ومحلات المرطبات وغيرها.
تجاوز الركود
فكيف السبيل إلى الأخذ بيد المنتجين و"المعاصرية" لتجاوز ركود الوضع راهنا وتلافي المزيد من انهيار الأسعار وتوسيع مجالات التسويق الداخلي والخارجي؟ الحلول متوفرة في نظر مصادرنا من ذلك تنويع التسويق والعمل على تقريب الزيت التونسي من المواطن وتطوير تعليبه وعرضه، والترويج له في الرحلات المدرسية المنتظمة بمناطق الإنتاج وجعله وجهة ترويجية للوافدين على هذه المناطق على غرار مقروض القيروان أو تمور الجنوب.. مع الترويج لمنافعه الصحية والغذائية لدى أطفال "الروضات" والمدارس وعرضه بأسعار معقولة وبكميات متنوعة. على أنّ الحل في تدارك وضعية الترويج الداخلي المحدودة والتي لا تتجاوز ثلث الكميات المنتجة من زيت الزيتون وإيجاد حلول لمجابهة تداعيات انهيار الأسعار تكتسي أبعادا أعمق وتتطلب في حينها إجراءات عملية تأخذ بالاعتبار مجمل المشاغل المطروحة بالقطاع وفي هذا الشأن ذكّر محدثنا من وزارة الفلاحة بأبرز الإجراءات التي كانت اتخذتها الوزارة لفائدة القطاع والتي تتجاوب مع عدد من مشاغل المهنة من بينها فتح المجال أمام المصدرين الخواص للمشاركة في حصة التصدير نحو السوق الأوروبية بداية من شهر مارس من كل سنة عوضا عن شهر ماي مع تواصل تصديرهم للزيت البيولوجي والمعلب وتقدر الحصة الجملية في إطار التعامل التفاضلي مع الاتحاد الأوروبي ب56700 طن. وبخصوص المطالبة بتيسير إجراءات التصديرنحو ليبيا والجزائر أورد بيوض أن التسويق نحو السوقين متاح ولا اشكال في ذلك مذكرا بأنّ توسيع قاعدة الأسواق غاية منشودة .علما أن خمسين سوقا خارجية اقتحمها المنتوج التونسي. وقد بلغت قيمة الصادرات إلى غاية ديسمبر الماضي 430مليون دينار. وبلغت صادرات الموسم الحالي إلى هذه الفترة 15500طن وهونفس النسق المسجل في ذات الفترة من الموسم الماضي. ومن جهتنا نضيف بأنّ ديوان الزيت سيواصل عمليات اقتناء زيت الزيتون بصورة منتظمة وفق بيانات سابقة صادرة عن الوزارة. وفي سياق متصل بتمويل الموسم تم اقرار تأخير آجال استرجاع أقساط القروض المسندة للمحولين إلى شهر جويلية بدل مارس حتى تتوفر لهم السيولة الكافية. ولمزيد الإحاطة بالقطاع والتفاعل مع مشاغله من المزمع عقد مجلس وزاري مضيق في غضون الأيام القليلة القادمة وإقرار جملة من الإجراءات بما من شأنه مزيد طمأنة الناشطين صلب المنظومة. واعتبرمحدثنا أنه لا مجال للتوجّس خصوصا أنّ موسم التصدير متواصل على مدى 10أشهر قادمة وأنّ مستوى أسعار السوق العالمية المنخفضة راهنا والتي تؤثر بدورها على أسعار السوق الداخلية ليست قارة وقد تتغير في أي فترة مما يتطلب من المصدرين إحكام التعامل مع المستجدات.