- حاورتهما: منية العرفاوي - بعيدا عن كواليس السياسة ومواقع صنع القرار «الرسمي» يحتدم الجدل وتتنوّع الأطروحات حسب المشارب الفكرية والإيديولوجية.. ويفترض بصنّاع القرار الإصغاء إلى ما يثار من نقاشات عامة لأنها في النهاية تعبير عمّا يخالج الرأي العام من مواقف لا بدّ أن يؤخذ صداها بعين الاعتبار حتى لا نعود إلى «شرنقة» الرأي الواحد.. وقد أردنا من خلال هذه المساحة المفتوحة للرأي والرأي المخالف فتح مجال جدي لطرح وجهات النظر حسب الملفات المطروحة وطنيا دون إقصاء لأي طرف أو مصادرة رأيه الذي من الممكن أن نختلف معه لكن نحترم وجهة نظره بعيدا عن التشنّج والأفكار المسقطة.. هذا الأسبوع توجهنا بجملة من الأسئلة التي لها علاقة مباشرة بالأحداث الجارية إلى محمّد الكيلاني أمين الحزب الاشتراكي اليساري وعادل العلمي رئيس جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلاهما أجاب حسب خلفيته ومرجعيته الأيديولوجية والفكرية..
السؤال الأول لأن تونس دولة إسلامية «يجب » أن يكون دستورها مستلهما من الشريعة ومدنية الدولة مفهوما قابلا للنقاش؟ محمد الكيلاني: بكل وضوح ودون مراوغة، الدستور هو دستور مؤسس على قيم ومبادئ كونية. وتكون قاسما مشتركا بين شعب معيّن.. هذه القيم عندها بعد حضاري وثقافي وفكري لكن الاقتصار فقط على الاستلهام من الشريعة الإسلامية يعتبر طمسا لكل المبادىء الكونية ذات القيم والأبعاد الإنسانية، وإذا كنّا نحرص على الاستلهام من الشرع فلِمَ نهدر الجهد والوقت؟ بل يكفي أن نصوغ دستورا شرعيا ونكتفي بعزلة أنفسنا على العالم الذي نختلف معه حضاريا ودينيا وهكذا نكون «خير أمة بعثت للناس».. عادل العلمي: طبعا ليس هناك أفضل من الشريعة الإسلامية للاقتداء بها وتطبيقها لأن فيها صلاح المجتمع.. لكن نحن نؤمن ونتبع ما يسمّى بفقه الواقع باعتماد المرحلية وكل مرحلة عندها ظروفها الخاصة وأعتقد أن المفاهيم والمعاني الدينية السمحة عندما يتشبع بها الشعب فهو من سيطالب بتطبيق الشريعة.. وبالنسبة لدستور البلاد فلا مناص من أن يكون مستلهما من الشريعة وما يناقض الشريعة يجب دحره والتخلص منه وبالنسبة لقيم الحداثة الغربية فلابد أن نوضح أنّ الحضارة الغربية انبنت في جوهرها على روح الاسلام وقضية الأحوال الشخصية وما يثار على أنها مكسب حضاري حداثي فلا ينبغي لي كبشر أن أفرض قسرا وعن طريق الإجبار ما شرّعه الله ولكن يمكن الاجتهاد فيه حسب ما يقتضيه الظرف فلنا مثلا في الصداق القيرواني حلّ فقهيّ وملائم اجتماعيا.. لتعدد الزوجات فهناك مبررات تبيح الزواج بأكثر من واحدة. السؤال الثاني المثقفون «قدرهم» مواجهة المتشددين لأن أفكارهم مستفزة لمشاعر المجتمع؟ محمد الكيلاني: الاستفزاز كمصطلح وتفسير هو دعوة للردّ بعنف على قول أو فعل ما.. وما يقوله المثقفون ليس فيه دعوة للعنف من هذا القبيل.. فالمثقفون النيّرون من ذوي القيم الإنسانية لا يصيبهم قلق من أفكار الناس ومشاعرهم ولا يصيبون الناس بجهالة كما أنهم لا يكفرونهم فهم لا يفترضون في العامة عقيدة معينة فالإنسان حرّ ولا يمكن «قولبته في إطار معين بخروجه عنه يصبح متشدّدا أو ظلامي.. أمّا الطرف المتشدّد فانه لا يؤمن بحرية الآخر بل يسعى لفرض أفكاره واعتقاداته الخاصّة وكل من يخالف «ما يؤمن» به يسقط في محظور استفزاز المشاعر.. وحقيقة لا أجد تفسيرا مقنعا لما يعتبر مشاعر دينية فالمشاعر ملكة خاصّة تكون في موقع اللاوعي والوجدان وبالتالي مسألة خاصّة جدّا خاصّة إذا ربطناها بالمعتقد.. لكن هذا الخطاب يستعمل لإجبار الناس على الخضوع بالترهيب وهنا نسقط في معادلة متناقضة، مثقفون ترتكز فكرتهم على الحرية ومتزمتون يسعون لفرض أفكارهم بالتحكّم والتسلّط على الآخر وهو ما ولّد حالة من التوتر والاحتقان.. عادل العلمي: التشدّد والغلو ليس من الاسلام فالاسلام هو دين وسطية ودين حوار وهو كذلك دين فكر وطرح. والتطرف مهما كان مأتاه لا يولد غير التطرف خاصة وأن المشهد الفكري خضع للتصحر العلمي لأكثر من نصف قرن..والتطرف اليوم ليس ذا بعد اسلامي فقط بل كذلك هناك التطرف اليساري وكلاهما وجهان لعملة واحدة وهما أعداء للشعوب والأمم. وما على المثقفين اليوم إلا العمل على افتكاك المنابر.. لكن هذا لا يعني أن المثقف هو الحامل لقالب معرفي واحد فنحن مع أي حوار بناء ونقاش هادف وأنا أقبل بمجادلة الآخر فكريا إذا نزع عن نفسه صفة المالك للحقيقة وفسح لي المجال لإقناعه دون خلفيات مسقطة وهنا يطرح السؤال هل سيعترف لي بالحق اذا أقنعته بالحجة الدامغة. فحتى فيما يتعلق بالمشهد الاعلامي فالسواد الأعظم من الناس سئم الأفكار المسقطة والبلاتوهات التي تناقش الفكر والرأي الواحد.. ولو أنت كنت على حق تصبح على باطل..وعموما من يقول لك أنه يملك الحقيقة فهو أكبر جاهل.. السؤال الثالث الانتهاكات الأمنية التي تتعرض لها البلاد.. نتاج لطفرة حريات أم انفلات أمني تتحمل فيه الدولة مسؤوليتها... في إعتقادكم؟ محمد الكيلاني: الدولة تتعرّض الى حالة من «الابتذال».. تبتذل وهيبتها تسقط بين الناس ومن يسعى لضرب هذه الهيبة بقطع النظر عن مشروع الموجودين في موقع قرار.. هم أولئك الذين يريدون أن يحلّوا محلّها في فك الاعتصامات فالدولة لم تعد لها هيبة فكأنها في حاجة الى دعم خارجي والى من يعاضدها لضرب أي احتجاج ضدّها بسلك موازٍ من الميليشيات تغذّيها مقولة راشد الغنوشي «أبناء الشعب سيدافعون على الدولة.. «فالأفراد عوّضوا الدولة في حماية مؤسساتها وهذا خطر داهم يذكرنا بالعصابات التي كانت تعاضد الأنظمة الفاشية ك»الغيستابو» في النظام النازي.. وهو ما يفتح الطريق أمام أجهزة موازية التي تفتك بهيبة الدولة وشرعيتها والغاية من وراء ذلك هو ترهيب الناس وإدخال الخشية في نفوسهم وتمرير أجندات معينة تخدم مصالح فئة وليس السواد الأعظم من الناس. عادل العلمي: الاثنين معا.. حكومة جديدة يجب ان تكون في مستوى اللحظة التاريخية يجب أن تكون حكومة استثنائية بحجم انتظارات السواد الأعظم. والشعب التونسي كل ما حدث ويحدث يعتبر غريبا عليه لذلك يجب البحث على السبل المثلى للتعامل معه.. أما العنف فهو لم يكن أبدا من سيمات مجتمعنا.. وحتى الطبقة المثقفة استقالت من مباشرة مهامها كما يفترض بها أن تفعل في التأطير والارشاد والتوجيه.. يجب أن لا نخاف ونتكلم ونرشد ونوجه لامتصاص الاحتقان.. وبحول الله لا خوف على بلادنا من التطرف..الذي يغذيه وعلى خلاف ما يبدو الخطاب اليساري المتطرف عندما تنتهك المحرمات والمقدسات ونجد أفلاما تمس من الذات الإلهية وتقذف أمهات المؤمنين بأبشع النعوت فإن ذلك يعتبر انتهاك لمشاعر الايمان المتحلي بها المجتمع لذلك تكون ردود الافعال عنيفة.. ويبقى التطرف أيّا كان نوعه ومشربه قلة عقل وتكوين وتأطير فإذا كانت تونس أرض جهاد من سيجاهد ضد من؟ وأنا بالتالي أحرّم هذا التطرف اليساري لأنه يعتدي على مقومات الشعب وبدفع بالبلاد الى الاستهداف الجهادي الخارجي والداخلي.. فدعاة التطرف المحكومون بايدلوجيا معينة عندما يجدون بلدا يعتدى فيه على المقدسات فذلك يفتح بالنسبة لهم جيوب جهاد.. ومحاربتهم لا تكون بالاستفزاز لكن نحاربهم اجتماعيا وعلميا وبتبني خطاب اسلامي معتدل. السؤال الرابع قبل مراجعة المنظومة الأمنية وحماية العباد والبلاد وتأمين سبل العيش الكريم للمواطنين المجتمع يحتاج الى مراجعة أخلاقية بفرض الانضباط حتى بحد الحرابة مارأيكم؟ محمد الكيلاني: نحن في حاجة إلى ميثاق جمهوري يضبط قيما مجتمعية مشتركة.. وليس في حاجة لفرض الأخلاق.. ومن يريد فرض رؤيته الخاصّة للأخلاق ويريد فرضها بالقوة فهو لا يمت للأخلاق بصلة.. فان وصل الأمر الى ما حدث في مصر من خلال إطلاق إخوان المسلمين لمجموعات «مهمتها حماية الأخلاق» من التصرّفات التي يعتبرونها مناقضة لما يتصوّرونه وما يؤمنون به، فالأمر سيصبح له بعد كارثي.. وفي صورة ما إذا تسلّل هذا الأمر إلى بلادنا فان ذلك يكون بمثابة الصدمة بالنسبة للمجتمع وسيكون الوضع دراميا لأن الناس متبرمون من التضييق على الحريات وعلى كل ما يكتم أنفاسهم، فما بالك لو بات الأمر منظّما في دستورنا. عادل العلمي: الانضباط مطلوب ومحبذ...والمجتمع يحتاج بالضرورة الى مراجعة أخلاقية وتقويم لما شذّ من السلوكيات العامة حتى على مستوى لغة التخاطب والتلفظ المجاني بالالفاظ السوقية فهناك نزعة كبيرة نحو السوقية سواء في الشارع أو حتى في الاعلام أو في الاشهار فأنت لست مضطرا لكي تبيع لي منتوج معينا أن تسوقه بصورة لامرأة شبه عارية، فذلك فيه تعديا على أخلاق المجتمع وخدش لحياء المرأة والرجل على حد السواء.. فالاشهار يجب مراجعته وتقنينه بما يراعي الذوق العام والحياء.. فهذا الابتذال أول من ستتصدى له هي المرأة وبالتالي المراجعة الاخلاقية هي من أولى الأولويات. السؤال الخامس الحكومة الحالية وجدت حلولا لكل المشاكل الا إقناع السياح بالقدوم الى بلادنا وتفنيد الظاهرة السلفية.. هل هذا صحيح في إعتقادكم؟ محمد الكيلاني: الحكومة باتت عاجزة على فرض حالة من الأمن أو على تهدئة الأوضاع داخليا وطمأنة المجتمع وفتح آفاق له من السكينة.. أما بالنسبة للسياحة فان السائح في بحثه عن الوجهة السياحية المرجوة يبحث عن سبل الراحة دون تنغيص على حريته فالمجموعات السلفية تقوم بعملية جرد للشواطىء «لتنهى عن الفحشاء والمنكر» وتبث الرعب على النطاق العالمي لنبرز كبلد «يقمع» الحريات وبالتالي بات من الأكيد أن الموسم السياحي لهذه السنة سيكون كارثيا بكل المقاييس ومع تنامي ظاهرة الإرهاب نتيجة الاختراقات الجغرافية التي تشهدها البلاد من مجموعات إرهابية بالإضافة الى ضبط كميات من الأسلحة.. فالإرهابيون الذين كانوا ينشطون في أفغانستان باتت لهم منطقة شمال إفريقيا منطقة تمركز جديدة، وباتت تونس موقعا إستراتيجيا مؤهلا بهشاشته الأمنية لاستقطاب هؤلاء.. وأعتقد أننا لمدة عشر سنوات قادمة ستشهد بلادنا نوعا من عدم الاستقرار إلى حين يتمكّن الحداثيون من استرجاع مكانتهم التي «سلبت» منهم. عادل العلمي: بكل صراحة هناك تراخ من الحكومة فالى حد الساعة لا تبدو الرؤية واضحة في حسم الكثير من الملفات قد نلتمس لهم العذر و«المتفرج فارس» كما يقول مثلنا الشعبي ولكن كان بالامكان معالجة عدة ملفات شائكة والبتّ فيها بما انها صاحبة القرار.. بالنسبة للظاهرة السلفية فمن يريد أن يعبر عن موقفه بالكلام والتعبير عن رأيه فليتفضل لكن من يسقط في العنف ويخالف القانون فنحن مع تطبيق القانون والقوانين المدنية لا ضير من تطبيقها. في إطار منهجية واضحة واجتهاد لا يجعلها مناقضة للشريعة لكن كل قانون يخرج عن روح وجوهر الشريعة فلا مناص من تركه لانه مخالف لما يأمر به الله. أما التقوّل بأن السياحة هي مصدر رزقنا فهذه مهاترات وعموما «تجوع الحرّة ولا تأكل من ثديها» فإذا كانت سياحة فسق وفجور فنحن لا نحتاجها لكن نحن مع السياحة العلمية والثقافية فلا يمكن ان نسمح بأفعال يأتيها السائح وتمس من أخلاقيات المجتمع لهثا وراء توفير العملة الصعبة فهل يعقل -في سبيل الموارد المالية السياحية - أن يصاب أبناؤها بمرض السيدا وما شابهه من الامراض المفسدة للدنيا والدين.. فنحن لنا ثوابت نستمدها من ديننا الحنيف ويجب المحافظة عليها.