عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    شبهة فساد بال'ستاغ': الاحتفاظ بمعتمد واطار بنكي بهذه الولاية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    الدورة 6 لمهرجان «تريتونيس» بدقاش ..خيمة للإبداع وورشات ومعارض وندوة علمية وكرنفال    «أيام نور الدين شوشان للفنون المسرحية» دورة فنية وأدبية بإمكانيات فردية    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    الليلة الترجي الأهلي في رادس...الانتصار أو الانتصار    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    بنزرت .. إجراءات لمزيد تعزيز الحركة التجارية للميناء    قانون الفنان والمهن الفنية ...مشروع على ورق... هل يغيّر وضعية الفنان؟    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    خبير في التربية : ''تدريس الأولياء لأبنائهم خطأ ''    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    صفاقس: المناظرة التجريبية لفائدة تلاميذ السنوات السادسة    بنزرت .. مع اقتراب موسم الحصاد ...الفلاّحون يطالبون بفك عزلة المسالك الفلاحية!    سليانة .. انطلاق موسم جني حب الملوك    بسبب الربط العشوائي واستنزاف المائدة المائية .. قفصة تتصدّر خارطة العطش    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    ''غرفة المخابز: '' المخابز مهددة بالإفلاس و صارت عاجزة عن الإيفاء بإلتزاماتها    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة مقارنة بالسنة الفارطة (المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية)    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة في مهبّ الثورة.. في مهب الريح
ملف: بين الهيبة والخيبة

يتخبط الاقتصاد في أزمات ستعصف به في حال عجزت الدولة على تدارك الامر وتامين نجاته من الهزات التي تعيشها أغلب اقتصاديات دول الاتحاد الاوروبي التي تجمعنا بها شراكة قوية.
ارتفعت نسبة البطالة وتعطلت المشاريع وأغلقت المصانع وهرب المستثمرون ليحال مئات العاملين على البطالة، وكانت لغة الاعتصامات العشوائية وقطع الطرقات هي الفيصل وهي الحل الأمثل للمعطلين والمتضررين بفقدان مواطن عملهم فقد أرادوا حلا جذريا لبطالة أغرقتهم في أتون من الحيرة وفقدان الأمل. في المقابل انتظرنا تدخلا حاسما للدولة لفك الاعتصامات ولإخلاء الطرقات حتى تعود عجلة الاقتصاد والإنتاج الى نشاطها، لكنها لم تحرك ساكنا على الأرض بل اكتفت بالحديث عن الالتزام بالقانون وبسط سلطة الدولة الباحثة عن استرداد هيبتها.
أكد خبراء في الاقتصاد أن قشة النجاة لاقتصادنا ستكون ممثلة في الاستثمار المحلي والخارجي لكنها تشدد على ضرورة توفر الأمن حتى يتسنى لها ولمستثمريها بعث المشاريع وخلق مواطن شغل لآلاف العاطلين الا انها وقفت عاجزة امام فرض سلطتها على الشارع الثائر في المناطق الداخلية وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول قدرتها على صون هيبتها.
بين الدعوة وغياب التنفيذ
دعت سلطة الاشراف الى تطبيق القانون لحماية المرافق والمنشآت العمومية لكن الدعوة ظلت في مستوى القول لا الفعل، فاتهمت بذلك بالتخاذل والعجز في حماية اقتصادها وطمأنة المستثمرين والحيلولة دون قدومهم لتونس.
تحدثوا عن الملتقيات والندوات وحضور الكثير منها وآخرها و ليس آخرها المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس وقالوا بأنهم تلقوا وعودا من أصدقاء تونس الحريصين على إنجاح ثورتها حتى تكون نموذجا يحتذى به في العالم لكن بدورها ظلت مجرد وعود.
قروض دولية لمشاريع لم تنجز
ومن الحلول التي توختها الحكومة اللجوء الى الاقتراض بقروض قيل انها ميسّرة لكنها ستزيد في تكبيل البلاد وتقيد سياستها مستقبلا وتزيد من نسبة مديونيتها.
فقد نالت قروضا دولية من أجل بعث مشاريع لم تر النور بعد وكان عذر المسؤولين غياب الأمن، بالاضافة الى استشارات جهوية لدفع الاستثمار الخاص بقيت مجرد تصورات لم تتمخض عنها أيّة مشاريع، في المقابل انتظر المحرومون والمهمشون تحقق وعود تلقوها إبان الانتخابات بهدف انتشال مناطقهم من الفقر ليتواصل السراب والتيه الذي يعيشونه.
في انتظار كشف الحكومة عن برنامجها -والذي كان من المنتظر ان تعلن عنه منذ تسلمها لمقاليد تسيير دواليب الدولة -فان المواطن البسيط يعيش على وقع الوعود التي لا تغني ولا تسمن من جوع فالضبابية والحيرة تسودان الموقف. لذا فأي مصير لاقتصادنا الوطني هل سيكون أساسه الاقتراض؟ وكيف يمكن للدولة إدارة الأزمة وإسكات الأفواه الجائعة؟ وهل سننتظر الموعدين الانتخابيين القادمين لترى الوعود النور؟
ج.ف

تفعيل بطاقات الجلب الدولية بين الموجود والمنشود
فشلنا في استعادة الأموال والفارين.. فأين هيبة الدولة؟
كان من بين التحديات التي وضعت امام الحكومات المتعاقبة على تسيير دواليب البلد منذ سنة والى حد الآن استعادة الاموال المنهوبة وايقاف بن علي واصهاره وتسلمهم من البلدان المتواجدين فيها عبر الانتربول، وهو ما لم يتم حيث أبت الاموال العودة الى مكانها الطبيعي في تونس فيما اكتفت الشرطة الدولية بالنظر ومراقبة الهاربين. كما ان الدول الحاضنة لهم لم تبد اي تعاون.
لقد وضع هذا الفشل هيبة الدولة ديبلوماسيا على المحك فمسؤلوها لم يحرّكوا ساكنا منذ اشهر لجلب مجرميها من الطرابلسية وبن علي واكتفوا ببطاقات الجلب الدولية الاولى في اشهر الثورة الاولى، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول علاقة الانتربول بأعضائه ال187 بالحكومة التونسية لاستعادة ما نهب لان في ارجاع المسروق وايقاف المطلوب نصر لاي حكومة باحثة عن ارضاء شعبها وفرض هيبتها المفقودة.
أين الخلل؟
أدى وفد من وزارة العدل ابان الثورة زيارة الى مكتب الأنتربول بليون لتفعيل بطاقات الجلب والإنابات القضائية الصادرة عن قضاة التحقيق بتونس ضد الرئيس السابق وأفراد عائلته وبقية المتّهمين بحالة فرار، توجّه وللمرّة الثانية وفد يضمّ ممثّلا عن وزارة العدل بإدارة الشؤون الجزائية وقاضي تحقيق من المحكمة الابتدائية بتونس لحضور أعمال ملتقى قد انعقد في شهر ماي بمكتب الأنتربول بليون، لكن لم نسمع والى الآن عن زيارات اخرى لتسريع وتفعيل بطاقات الجلب لكن تأخر تنفيذها. فأين يكمن الخلل؟
تأكيد ولكن..
شددت وزرا ة العدل في تفسيرها وتوضيحها لاخر اجراءات استرجاع الاموال المنهوبة على ان الفارين قد اختاروا دولا لا تربطها بتونس اية اتّفاقيات تبادل موقوفين مثل السعودية وكندا اللتين لا يمكن لهما منح هؤلاء حق اللجوء السياسي لان ما اقترفوه من جرائم ليست لها اية صلة بالجرائم السياسية التي تخول لمرتكبيها حق اللجوء.
وبغض النظر عما قيل من تبريرات او طرح من برامج فان عدم تحقيق أي تقدم في هذا المجال يطرح اكثر من استفهام حول مدى قدرة الديبلوماسية التونسية على لعب دورها كما يجب خارجيا.
وصف كثيرون كيفية ادارة تونس لملف بطاقات الجلب الدولية في حق بن علي وعائلته واصهاره بلعبة «الدومينو» حيث فشل المسؤول التونسي في تحريك الاحصنة الرابحة للفوز بالمواجهة وبالتالي اسعاد انصاره ومتابعيه. فهل ابتعاد هؤلاء عن الميادين لسنوات وعودتهم للساحة من جديد في ظروف صعبة لادارة شؤون البلاد قد جعلهم يفشلون في استعادة المطلوب (الاموال) وتاجيل الحسم الى مواعيد لاحقة لم تحدد بعد؟
ج.ف

ضمانا لهيبة القضاء والدولة مطالب للقضاة أمام الحكومة في انتظار التفعيل
كانت الدعوة الى اصلاح القضاء من بين المطالب التي رددتها حناجر التونسيين بمختلف مواقعهم في المجتمع (من مواطنين الى سياسيين وممثلين عن جمعيات ومنظمات ومحامين وقضاة..) ابان الثورة وبعدها والى الان، لكن وبعد سنة من عمر هذه الثورة واكثر من شهر على تشكيل حكومة حمادي الجبالي وعلى ضوء ما تعيش على وقعه تونس حاليا من هشاشة للوضع الامني، واهالي شهداء ينتظرون القصاص والحكم العادل بشان منتهكي حقوقهم وقتلة ابنائهم من ازلام نظام بن علي ، تساءل كثيرون عن وضع القضاء ومدى استجابته لمتطلبات المرحلة الحالية وتجاوبه لمطالب الجماهير لان قوة المؤسسة القضائية ونزاهتها وفاعليتها وحيادها وقدرتها على رد المظالم والحقوق لاصحابها ضمانة لهيبة الدولة وفي غيابها تغيب الهيبة.
كغيرها من القطاعات الحساسة في الدولة انتفض القضاة ابان الثورة مطالبين بالاصلاح وبابعاد «القضاة الفاسدين» والمحسوبين على النظام السابق، ولن يتم ذلك الا بفتح ملفات الفساد على جميع المستويات.
اِسترداد الحقوق؟
انتظر المظلومون والمنتهكة حقوقهم قبل 14 جانفي وبعدها من اهالي شهداء الثورة وجرحاها ان يستردوا حقوقهم من قضاء لا يزال متعهدا لملفات قضايا لم تكتمل اركانها بعد. فمع الاحساس بغياب الحقوق وسط الجلسات المؤجلة تتقلص ثقة الاهالي في القضاء وتترسخ لديهم فكرة ارتهان هذه المؤسسة الى القرار السياسي خاصة وانهم يعتبرون ان الادلة الاساسية متوفرة لادانة المتمهين اوالموقوفين في القضايا محل النظر، وبالتالي يرون في هذا العجز ضعفا للدولة الباحثة عن هيبتها رغم انها اكدت مرارا على ان ضرورة ضمان الاستقلال الوظيفي والهيكلي لسلطة القضاء لتكون سلطة منفصلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ويرى كثيرون ان غياب العدالة الانتقالية التي ترددت مرارا في بلادنا -والتي ترتكز اساسا على مسالة المساءلة والمحاسبة ناهيك عن كونها وسيلة للمصالحة ولرأب الصدع بين مختلف فئات المجتمع والتدرج نحوالديمقراطية- كلام سياسي مفرغ من محتواه لان المظلوم يبحث عن القضاء العادل لضمان حقوقه وفي غيابه يقتنع ببقاء السلطة القضائية على حالها وفي ذلك عجز للدولة عن القيام بأي إصلاح او محاولة إصلاح لان دار لقمان لا تزال على حالها بالنسبة لهؤلاء المتضررين.
ضرورة الإصلاح
اتفق الجميع حول ضرورة إصلاح جهاز القضاء بكل مكوناته حتى تتحقق العدالة وليكون القضاء مسؤولا وملتزما بتطبيق القانون واحترامه لان في نجاحه نجاح للدولة وان كان سلطة مستقلة، وقد تكثفت الاجتماعات في هذا الشان بين وزارة العدل وباقي مكونات الجهاز القضائي على غرار نقابة القضاة التونسيين حيث تم تدارس العديد من المواضيع المتصلة بتحسين الوضع المعنوي والمادي للقضاة وكذلك العاملين بمرفق العدالة إلى جانب النّظر في ظروف العمل بالمحاكم والسبل الكفيلة بتطويرها، ومراجعة القوانين الأساسية والخطط الوظيفية لهؤلاء القضاة والاستعدادات الجارية لتركيز الهيئة الوقتية المنتخبة التي ستعوّض المجلس الأعلى للقضاء.
مواطن الفساد
لكن في المقابل يؤكد قضاة كثيرون على ان مكامن الفساد في القضاء لا تزال على حالها وهو ما اثر سلبا على هذه السلطة وعرقل عملها احيانا وبالتالي وضع الحكومة التي اكدت على استقلال القضاء بين مطرقة مطالب المظلومين الذين اتهموها بالتخاذل وتسييس قضاياهم وسندان السلطة القضائية الباحثة عن المسلك القويم وعن تطهيرها من قضاة الامس الفاسدين.
وفي هذا الصدد تؤكد كلثوم كنّو، رئيسة جمعية القضاة التونسيين في حديثها لاحدى وسائل الاعلام قائلة «لم يتم حتى الآن القطع مع مواطن الفساد في سلك القضاء بشكل نهائي.. كما أن أغلب المسؤولين المشرفين على القضاء في الفترة الحالية لا يعكسون قضاء ما بعد الثورة».
عموما لا يمكن للدولة ان تستعيد هيبتها الا بقضاء مستقل يعمل دون وصاية وبدون تهميش. كما ان عليها ان تدير القضاء كمؤسسة دستورية والحيلولة دون تسخيره لأغراض النظام السياسي القائم.
ج.ف

ديبلوماسية جديدة: مرتهنون أم فاعلون..؟
تتشعّب مصالح الدول وتتشابك لتتقاطع أحيانا في النظام العالمي الجديد الذي يعيش تجاذبات بين القوى التقليدية المتشبثة بزمام القرارات الدولية وواقع محلي يفرض على هذه البلدان منطقا سياسيا دوليا جديدا برزت بوادره مع الربيع العربي الذي يسير «بالعالم» نحو نظام جيوسياسي جديد خاصة في المنطقة العربية..
تونس «المبشرة» بالربيع العربي في طلّته الأولى تجد نفسها معنية مباشرة بالتوازنات الإقليمية والدولية وهي التي «يراهن» عليها العالم المتقدّم لإرساء ديمقراطية حقيقية في المنطقة العربية..
والسياسية الخارجية التي هي جزء من هيبة أيّ دولة وبوابة تموقعها الدولي لا يمكن أن تنجح دون عمل ديبلوماسي واضح المعالم والتوجهات.. وهو ما بدا مفقودا بحيث تداخلت السياسة الخارجية للدولة مع العلاقات الدولية للحزب الحاكم ونقصد حركة النهضة..
ديبلوماسية الرؤساء «الأربعة»..
رغم أن منصب وزير الخارجية يتقلّده رسميا السيد رفيق عبد السلام الذي أثار ومازال يثير توليه هذا المنصب الأقاويل خاصّة وأنّنا إلى حدّ الساعة لم نلمس ديناميكية حقيقية لحقيبة الخارجية المطالبة بحسم أكثر من ملف عالق..
ورغم أن وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة ما انفكّ يؤكّد أن الخارجية تدار بتوافق الرؤساء الثلاثة غير أن البادي للعيان هو زعيم حركة النهضة ?الفاعل غير الرسمي في سياستنا محليا ودوليا? الذي وباسم ديبلوماسيته الشعبية استرعت تحركاته الخارجية خاصة وحضوره المناسبات الدولية الاهتمام وتصدّرت تصريحاته المثيرة للجدل كبرى وسائل الإعلام وبدا قرارنا الديبلوماسي لا يصنع بالضرورة في مطبخ وزارة الخارجية حسب مصالحنا الدولية بقدر ما هو مرتهن لعلاقات متعددة الأبعاد بين شخصيات وطنية متنفّذة سياسيا وعلاقاتها الخارجية وهو ما يجعل قرارنا السياسي الخارجي يفقد بريقه الذي لم يخفت حتى في أحلك سنوات الاستبداد..
مفقودو العراق ومعتقلو غوانتنامو وهيبة الدولة
عشرات التونسيين مازالوا مفقودين في العراق وفيهم من هو محلّ تتبّع قضائي ومهدّد بالإعدام الذي كان من «نصيب» يسري الطريقي الذي رغم تورّطه في عمل إرهابي فإن الدولة التونسية لم تستطع إنقاذه من المشنقة رغم تحرّكات حزب الأغلبية التأسيسية حركة النهضة.. كذلك في معتقل غوانتنامو يقبع خمسة تونسيين في مواجهة مصيرهم المحتوم ورغم مناشدة المنظمات العالمية المناهضة لغوانتنامو الدولة التونسية بالتدخّل لفك أسرهم إلاّ أن تصريحات وزير الخارجية بدت متحفظّة حيالهم بدعوى تورّطهم في أعمال إرهابية رغم أن ذلك لا يمنع من استعادهم وتطبيق القانون التونسي في هذا المجال خاصة بوجود القانون «الشهير» في مقاومة الإرهاب..
تصريحات لا مسؤولة.. وإسرائيل الطامة الكبرى
في ظل سياسة خارجية تدار رسميا بثلاثة أقطاب -رغم أن رئيس المجلس التأسيسي لم نر له من نشاط غير استقبال الوفود الأجنبية غير الرسمية- فإنها تبدو متنافرة في الكثير من المواقع فمن جهة «يزلّ» لسان رئيس الجمهورية ليتناول الشأن الداخلي الجزائري مثيرا بذلك عاصفة من الانتقادات الجزائرية سرعان ما سعى لتطويقها الدكتور المرزوقي معربا عن حسن نواياه وذات الشيء تقريبا تكرّر مع الشأن السوري..
القشة التي قصمت ظهر البعير هي تصريحات راشد الغنوشي لإذاعة صوت إسرئيل على هامش منتدى دافوس والتي كشفت النقاب عن تصريح سابق لرئيس الجمهورية المرزوقي لنفس الإذاعة.. وفي ذات السياق حل الغنوشي خلال شهر ديسمبر المنقضي ضيفا على معهد سياسات الشرق الأدنى بواشنطن والمعروف بأنه المعقل الفكري للمحافظين الأمريكيين الجدد وغلاة المتعصبين لإسرائيل والحركة الصهيونية في الولايات المتحدة وقد كشفت آنذاك مجلة «ويكي ستاندارد» التابعة للمحافظين الجدد أن الغنوشي وخلال الجلسة مع باحثي المعهد صرّح بأن الدستور التونسي لن يتضمّن إشارات معادية لإسرائيل والصهيونية!!
وهو ما يجعلنا نطرح السؤال الحارق إلى أين نحن متجهون بسياستنا الخارجية؟
م.ع

هيبة المجلس التأسيسي.. في انتظار التجسيم
بعد أسابيع استغرقها عمل المجلس التأسيسي في بلورة الأفكار المطروحة صلبه إلى قوانين تنظّم وتدير المرفق العام للدولة، انطلق منذ أيام العمل حثيثا لمباشرة أوكد أعماله والتي من أجلها انتخب أعضاءه وهو صياغة دستور للبلاد...
لكن ما يبدو من أعمال المجلس ونقاشاته والقوانين المتمخّضة عنه لم ترتق إلى مستوى ما كان يعوّل عليه من آمال باعتبار أن المجلس التأسيسي هو محطة نادرة وفارقة في تاريخ الشعوب..
تخلّ عن الدور التاريخي وتشريع لحزب الأغلبية
يرى بعض الفاعلين السياسيين أن المجلس التأسيسي بات واجهة لإضفاء الشرعية على قوانين تطبخ خارج المجلس التأسيسي ومن بينهم الحبيب القروي عضو الحزب الاشتراكي اليساري الذي أكّد أن المجلس التأسيسي هو من إنجازات الشعوب العظيمة في تحوّلاتها النادرة وتحوّلاتها التاريخية، والمواطنون دائما ينتظرون من المجلس التأسيسي قرارات نوعية وتاريخية تكون بمثابة اللحظة الحاسمة في تاريخ الأمم باعتبارها تؤسس لمفاهيم وقيم مجتمعية جديدة..»
ويضيف القروي «لكن الواقع الذي تردّى إليه المجلس التأسيسي اليوم هو أنه بات فقط يشرّع لوجود النهضة في السلطة لا غير..»
مجلس دون نخب فكرية..
تستمدّ المجالس التي تمثّل الشعب وتنطق باسمه وتسعى لتجسيد إرادته في القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بنوع من الهيبة والوقار لأنها الضامن الوحيد لشرعية الحكم..
رغم أن المجلس التأسيسي هو حامي الشرعية والمؤتمن عليها إلى حين تستقرّ مؤسسات الدولة لكن محمّد الكيلاني يرى خلاف ذلك حيث أكّد «أن المجلس وصل إلى قمة الانحدار بالصيغة الموجود عليها الآن..»
ويضيف «كل المراوغات السياسية وكل المناورات التي أحيكت حول الانتخابات وأدّت إلى إزاحة كل النخب الفكرية الموجودة على الساحة كانت تهدف إلى البحث عن أغلبية مطيعة تكتفي بهز يدها للمصادقة على قرارات تكون في الغالب غير متابعة لما أثير حولها من نقاش جديّ..»
مجلس دون هيبة أفقد الدولة هيبتها..
حسبما تطرّق إليه القروي في حديثه عن المجلس التأسيسي جعل هذا المجلس يبدو وكأن مهمته الوحيدة تقتصر على إضفاء الشرعية على القرارات التي تهمّ سير دواليب الدولة ولذلك يقول «كان من المفروض أن تكون للمجلس هيبة لأن هيبته تعود على هيبة كل مؤسسات الدولة وهياكلها المنبثقة عنه وتلك التي تسيّر بقرارات صادرة عنه.. لكن في الحالة الراهنة المجلس يبدو مهترئا ولا يملك سلطة القرار أو المبادرة ويكتفي بخدمة أهداف النهضة بدعوى الديمقراطية، رغم أن الديمقراطية في النهاية تعني احترام رأي الأقلية التي قد تصبح يوما بدورها أغلبية يحسب لها حساب..
لذلك ما نلمسه اليوم في الشارع هو فقدان الثقة في المجلس وفي مؤسسات الدولة التي عجزت عن وضع حدّ للانفلات بأنواعه وللخارجين عن القانون كالسلفيين الذين يحظون بتسامح الحكومة رغم تشكيلهم لخطر على المجتمع، وهو ما قلّص من هيبة الدولة بغياب قوة الردع لديها وقوّة الشرعية والمصداقية لدى المجلس التأسيسي..»
تجاذبات الترويكا «أساءت» للمجلس التأسيسي
في تقييمه لأداء المجلس التأسيسي يقول سمير بالطيب عضو المجلس «كان بودّنا لو كانت أعمال المجلس أكثر «جدية» وكنّا نتمنّى لو انطلقنا منذ البداية في صياغة الدستور وتركت الحكومة إلى كفاءات وطنية لكن توزيع الحقائب بين الترويكا والتجاذبات فيما بينها أثّر على صورة المجلس التأسيسي وأفقده نوعا ما من هيبته.. لكن رغم ذلك هناك إيجابيات، فقد تمّ تنظيم السلط العمومية وبدأت مؤسسات الدولة تشتغل في إطار من الشرعية.. وعموما كان بالإمكان أفضل ممّا كان وحتى بالنسبة إلى رئيس المجلس التأسيسي فقد راوح أداؤه بين الصواب والخطإ وذلك يعود إلى نقص الدربة والخبرة وكلنا بصدد ممارسة التجربة الديمقراطية..»
م.ع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.