المريح في التّعامل مع بعض النشطاء في الحقل الثقافي والمناضلين من أجل حق المواطن أينما كان في حياة ثقافية متطورة تستجيب لحاجياته في وقت بات فيه الثقافي أحد أهم أسباب الوقاية من أمراض العصر هو أن النضال لم يولد لديهم مع ميلاد الثورة. فهم لم ينتظروا إلى غاية إزاحة الديكتاتور بن علي ليعلنوا عن أنفسهم وليرفعوا رؤوسهم كما يفعل الكثيرون اليوم. فمن اليسير جدا وبعد أن زال الخوف وبعد أن بات الواحد شبه آمن أن يتكلم ويتحرك ويحاول أن يعوض ما فاته زمن الديكتاتورية والقمع. وهذا أمر مشروع لأن الإنسان ضعيف ولكن ذلك لا يمنع من الاعتراف بأن الناشطين اليوم على الساحة السياسية أو بالمجتمع المدني أنواع وأنه لا يستوي من كان يتحرك في سنوات الجمر معرّضا نفسه لمختلف الاحتمالات من زجر وترهيب وحتى ترغيب وبين من شمّر اليوم عن سواعده بعد زوال أسباب الخوف. عدنان الهلالي مثلا ومعه مجموعة من شباب مدينة سبيطلة من ولاية القصرين مثلهم مثل الكثيرين في مختلف مناطق الجمهورية بدأوا النضال الثقافي منذ سنوات أي قبل سقوط النظام بوقت طويل ولم يكن لهم من حسابات سوى المساهمة من جانبهم في تنمية جهتهم بالوسائل المتاحة وفي تحد صارخ لسياسة النظام السابق التي لم تكن تكترث لحاجة الناس لثقافة متينة وفكر نيّر خشية أن يؤدي بهم ذلك إلى الثورة على أوضاعهم المتردية.
أهل الجبل أدرى بانتظارات سكانه
لقد بادر عدنان الهلالي ببعث جمعية فنون سفيطلة التي تنظم سنويا مهرجان ربيع سبيطلة الدولي وسرعان ما تمكّن المهرجان رغم الظروف المادية الصعبة والعراقيل الإداريّة من فرض نفسه واستقطب الفنّانين من تونس والبلدان العربية والإعلامييّن من تونس والخارج حيث أصبح للجمعية شبكة من الأصدقاء بعدد من البلدان الأوروبية. وقد تمكن مهرجان ربيع سبيطلة الدولي كذلك من التحول إلى موعد ينتظره أبناء الجهة كبارا وصغارا خاصة وأنّ حفل الافتتاح الذّي ينتظم في المسرح الأثري بسبيطلة في الهواء الطلق عادة ما يكون مفتوحا للأطفال وتلاميذ المدارس ويتحوّل إلى عبارة عن كرنفال بمشاركة أبناء المنطقة. ليس من الهين بعث مشروع ثقافي في المناطق الداخلية بتونس أما الأصعب من ذلك فهو مواصلة المشروع والتمسّك به رغم ضيق ذات اليد ورغم أن الثقافة لم تكن في تونس بالأمس - وللأسف هي كذلك إلى اليوم - من أولويّات التونسيين. ومع ذلك فإن عدنان الهلالي (أستاذ اللغة الفرنسية ) صحبة عدد من الشباب الذين يشاركونه نفس الطموح آمن بضرورة المبادرة والتحرك حتى لا تتواصل حالة القحط والفقر الثقافي الذي يكاد يكون متفشيا بداخل البلاد وفي أغلب مدنها وقراها بمن فيها تلك التي يعتقد أنها محظوظة أكثر من غيرها. إن مسيرة الرجل متعدد المواهب فهو الكاتب والفنان المسرحي والشاعر.. إلخ. لا تخلو من طرافة ذلك أنه وفي خضم الإجماع الذي يكاد يحصل حول ضرورة الاهتمام بمشاكل البطالة والفقر وجعلها أولوية الأولويات تراه أكثر إصرارا على الثقافة وهو مستعد للذّهاب في مشروعه أبعد ما يكون لأنه ببساطة يعتقد أن الثقافة عامل مهم من عوامل التنمية. إنه اليوم في قلب الحركة من أجل بعث مركز ثقافي بجبل سمّامة من ريف الوسّاعية بالقصرين. «يجب أن تكون ابن جبل - هكذا يقول ضيفنا- حتّى تعرف إلى أي مدى يمكن لهذه المشاريع أن تكون ذات جدوى». ويستند عدنان الهلالي في هذا الحكم إلى التجربة حيث يقول «كلما نظمنا نشاطا ثقافيا بالأرياف إلاّ وكان عدد الإقبال مضاعفا بضعة مرّات مما هو عليه بالمدن». وهو يفسر الأمر بافتقار سكان الأرياف للأنشطة الترفيهية والثقافيّة ممّا يجعلها متعطشة للثّقافة والترفيه أكثر من سكان المدن.
حقيقة وليست بالخيال
مركز ثقافي على سفح الجبل في تونس هذه حقيقة وليست خيالا والدليل على ذلك أن المركز بدأ بعد في العمل. المكان هو منزل قديم كان تابعا لديوان السكن وكان على ذمة المعلمين الذين يأتون للعمل بالأرياف وقد تولت مجموعة من المهندسين تحت تسمية «سقف للجميع» ترميم المسكن القديم. مع العلم وأن المهندسين بتونس متحمسون جدا لمثل لهذه المشاريع ومن بينهم من تكتّلوا تحت تسمية إعادة بناء تونس وهم من بين مساندي مشروع المركز الثقافي بالوساعية. وقد تعزز النسيج الجمعياتي بالمنطقة مؤخرا بجمعية جديدة تحمل عنوان جمعية الهضاب الثقافية التي تضم في صفوفها عددا من شباب المنطقة أغلبهم من خريجي الجامعات من المعطلين عن العمل. بعثت كذلك جمعية السياحة الجبلية ومن بين أبرز أهدافها تشجيع السياحة الجبلية واستغلال البيوت الجبلية القديمة في تطوير هذه النوعية من السياحة وقد لاقت هذه الجمعية تشجيعا من المهتمّين بالحقل الثّقافي وهناك بالخصوص حسب نفس المصدر إقبال على ترميم البيوت الجبلية. وتجدر الإشارة إلى أن عدنان الهلالي ورفاقه ينظمون في صبيحة الثاني والعشرين من فيفري الجاري لقاء إعلاميا للتعريف بهذه الأنشطة وذلك بدار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة. هدفهم في ذلك فتح المجال لأكبر عدد ممكن من المهتمين من تونس ومن البعثات الثقافية ببلادنا للمشاركة في تحقيق الحلم.