- حاورتهما: منية العرفاوي - رغم كمّ الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تخيّم على الشأن الوطني العام تسير العملية السياسية نحو موعدها الحاسم وهو صياغة دستور للبلاد "يجذ ّر" شرعية مؤسسات الدولة ما بعد الثورة، ويضع نواميس نموذج مجتمعي متكامل قد تمتدّ آثاره لعقود وأجيال قادمة.. وبعيدا عن المهاترات السياسية والمزايدات الحزبية والحسابات الضيّقة ومعوّقات التواصل الإيجابي بين الحكومة والمواطنين.. اِرتأت »الأسبوعي« من خلال هذه المساحة الحوارية طرح جملة من الأسئلة ذات العلاقة المباشرة بالشأن العام والتي تبقى محل جدل وتجاذب سياسي وفكري، على كل من صلاح الدين الجورشي رئيس المجلس التأسيسي المدني والصحبي عتيق رئيس كتلة حركة النهضة بالمجلس التأسيسي..
السؤال الأول وجدي غنيم يعلن الجهاد في تونس.. ينادي بتطبيق الشريعة وحدودها.. يعمل على إثارة الفتنة الشعبية.. حقوقيون رفعوا ضدّه دعوى قضائية.. حكومة تصمت.. مجلس تأسيسي لا يبالي ورئيس جمهورية يدعو كالعادة الى عدم التهويل.. فما تعليقكم على الأمر؟ إجابة صلاح الدين الجورشي أعتقد بأن الوضع العام في تونس يبدو هشّا إلى درجة أن شخصا مثل الداعية وجدي غنيم قد تمكّن من إرباك الرأي العام وأثار حيرة الطبقة السياسية سواء كانت في الحكم أو المعارضة، والذي أراه فإنّنا بحاجة الى التفكير بجدية في تحسين وعينا الوطني ما بعد الثورة حتى نرتقي بقدرات مواطنينا الى مستوى متطلّبات الانتقال الديمقراطي ممّا يجنّبهم الوقوع في المغالطات والانزلاق وراء كل ناعق. إجابة الصحبي عتيق أوّلا لنكن واضحين فالبلاد بعد الثورة أصبحت مفتوحة للجميع إذ كان عدد كبير من المفكرين والدعاة ممنوعين من دخول تونس.. اليوم وبعد الثورة -وهذا يعتبر مكسبا وامتيازا لبلادنا- باتت مفتوحة للجميع دون إقصاء لأحد.. وقد قدم الى تونس الكثير من المفكرين كبرهان غليون وغيره من المثقفين والذين كانوا ممنوعين من الدخول واليوم دخلوا البلاد بفضل الثورة ولا يجب أن ننسى هذا أو نغلق الباب أمام كل فكر وكل شخص.. وبالنسبة لي كرئيس كتلة النهضة في المجلس التأسيسي، النهضة فكرها واضح ولا يجب أن نراكم خطابا على خطاب وندعو إلى التهويل وتضخيم الأمور.. فهذه ليست قضايانا.. قضايا البلاد اليوم هي التشغيل والتنمية ومقاومة البطالة والفساد.. اليوم لدينا حكومة لديها برنامج اقتصادي واجتماعي.. وإذا كان هذا الداعية قد أتى وقدّم محاضرات فان ذلك لن يغيّر في الأمر شيئا فتونس ستبقى تونس بمقوماتها وفكرها وبالنسبة لرفع دعاوى قضائية فان ذلك يهم القضاء، وعادة فان الأحزاب والمثقفين لا يرفعون قضايا في مسائل تتعلّق بالفكر. السؤال الثاني حركة النهضة في مشروع دستورها تنادي بالشريعة كمصدر أساسي للتشريع فهل يعني ذلك أن حركة النهضة تريد امتلاك الحقيقة المطلقة بالعقيدة الإسلامية على حدّ تعبير الدكتور الصادق بلعيد؟ إجابة صلاح الدين الجورشي فوجئت بإدراج الفصل 10 من المشروع المتداول باسم حركة النهضة حول الدستور، فمن جهة سبق لقادتها أن أكّدوا أنهم لا ينوون طرح هذه المسألة ومن جهة ثانية يُعتبر إدراج مسألة الشريعة كمقترح للدستور القادم لن يثير فقط جدلا واسعا ويعمّق النقاشات داخل الطبقة السياسية والتونسية وانما سيفتح المجال لتأويلات وتجاذبات أخشى أن نعاني منها كثيرا في المرحلة القادمة، لهذا أتساءل لماذا لم تكتف النهضة بالفصل الأوّل من الدستور؟ لماذا هذا الحرص من قبل البعض على إعادة سيناريو لا يزال يعاني منه الكثير من الدول العربية والإسلامية؟ إجابة الصحبي عتيق »النهضة تريد امتلاك الحقيقة المطلقة بالعقيدة الإسلامية« تصريح يهمّ ويخصّ من أدلى به فقط.. النهضة الى اليوم لم تقدّم أيّ مشروع رسمي للدستور باسم الحركة، تتبناه رسميا وتناقش من أجله.. الآن الأفكار موجودة وأن تكون الشريعة مصدرا للدستور كفكرة موجودة ومشروعة.. لكن إلى الآن لم نرفع بوضوح شعار تطبيق الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في الدستور المزمع صياغته. كل ما في الأمر أن هناك مسودة تتبنى هذا الموقف، قدّمها ثلة من خبراء حركة النهضة، وهي مازالت بصدد النقاش الداخلي لكن إلى الآن حركة النهضة لم تقدّم مشروع دستورها رسميا.. السؤال الثالث المجلس التأسيسي المدني »متهم« بأنه تحشيد للقوى التقدمية والديمقراطية في مواجهة عدوّ مشترك هو الترويكا بنواتها الأصلية »حركة النهضة«.. ما رأيكم؟ إجابة صلاح الدين الجورشي هذا الاتهام لا يقوم على أيّ دليل لأن هذه المبادرة لم يكن الهدف منها الدخول في صراع مع أيّ كان وإنما هي محاولة لتعميق النقاش حول المسألة الدستورية خاصّة وأن مكوني هذا المجلس المدني لم يحشدوا كل القوى الديمقراطية والتقدمية ولم يطرحوا أنفسهم كناطق رسمي باسم المجتمع المدني أو التونسي.. بل يريدون فقط أن يدخلوا في حوار بنّاء حول المسألة الدستورية مع المجلس التأسيسي المنتخب الذي تبقى له وحده الشرعية في صياغة الدستور القادم للبلاد إلاّ أن المشكل هنا هو أن بعض الأطراف لم تفهم بعد الأدوار المتعدّدة للمجتمع المدني ولم يطلعوا بعد على ما حصل في دول أخرى كبعض الدول الإفريقية.. الدستور القادم يجب أن يكون مظلّة لجميع التونسيين وينخرط فيه كل المواطنين ليكون لهم نظام سياسي واجتماعي غير ذلك الذي اعتادوه.. إجابة الصحبي عتيق أن نعتمد هذا المجلس، هو خطأ جسيم، وهذا كان من المفروض أن لا يقع طرحه والتطرّق إليه فالشعب اختار نوابه وممثليه في المجلس التأسيسي في انتخابات شفافة ونزيهة وديمقراطية وكل محاولة أخرى للالتفاف وإيجاد هيكل مواز لا معنى لها.. فالعملية الديمقراطية وصناديق الاقتراع أفرزت مجلسا لصياغة الدستور وبالتالي لا مكان لهذه المجالس الموازية.. فالمجلس التأسيسي المنتخب هو أعلى سلطة في البلاد وله نواب وممثلون عن الشعب وكل الأحزاب ممثلة فيه ونتائج صناديق الاقتراع تعبّر عن إرادة الشعب وإذا كان هناك مجلس مواز فيعني أننا لا نثق في إرادة الشعب أو لا نثق في العملية الديمقراطية.. فالمجتمع المدني والأحزاب والجمعيات كل آرائها ومقترحاتها ستؤخذ بعين الاعتبار عند صياغة الدستور ليكون دستور المواطن التونسي في النهاية ودستور الشعب. السؤال الرابع شعب مقموع صنع ثورة.. شعب متحضّر احترم الانتقال الديمقراطي.. شعب واع شارك بكثافة في الانتخابات.. مجلس تأسيسي وحكومة شرعية لم تنسجم مع طموحات الشعب وأهداف الثورة، وما زالت تتوارى خلف الوعود.. فإلى أي مدى تصحّ برأيكم هذه المعادلة؟ إجابة صلاح الدين الجورشي لا أعتقد بأن الحكومة تتوارى خلف الوعود أو انها منقطعة تماما عن طموحات المواطنين وانما المشكلة في أن هذه الحكومة بعد أن اطلعت على الواقع كما هو بدون رتوش اكتشفت أمرين أساسيين.. أوّلا: الحجم الضخم للمشكلات والمطالب عالية السقف لمواطنين يريدون تغيير واقعهم بأسرع وقت ممكن. وثانيا: إمكانيات محدودة للدولة وموارد مالية قليلة وأزمة اقتصادية طويلة وكل ذلك جعل الحكومة تغرق شيئا فشيئا في المشاكل وتجد نفسها غير قادرة على الوفاء بما رغبت حقّا في تحقيقه. ومن هنا برزت هذه المفارقة المؤلمة. وطبعا هذا التحدّي كان منتظرا، ولكن لم تؤخذ الوسائل الضرورية للتغلّب عليه نسبيا.. والمطلوب اليوم، أولا أن تكشف الحكومة للمواطنين كل الحقائق التي توصلت إليها. وثانيا أن توسّع من دائرة تعاونها ومشاوراتها مع جميع الأطراف. وثالثا أن تتجنّب الدخول في معارك هامشية من شأنها أن تزيد من إرباكها في هذه المرحلة الدقيقة. إجابة الصحبي عتيق أنا أقول أن تونس تعيش أوّل تجربة لحكومة تكون منبثقة عن إرادة الشعب فطوال أكثر من 50 سنة من تاريخ تونس كان هناك دائما تناقض بين الشعب والدولة وهناك تجاذب في قضايا الثقافة والسياسة والديمقراطية والحرية.. وبالتالي كان هناك دائما نظام مستبد وشعب مقهور.. اليوم وقعت المصالحة وأصبحت الدولة دولة شعب والحكومة منتخبة من الشعب.. والحكومة رغم أنه لم يمض أكثر من شهر ونصف على تشكيلها غير أن لها برنامجا واعدا لتطبيقه وبدأت تقوم بالإصلاحات في الأمن والقضاء وفي التنمية.. وهناك مشاريع وبرامج قيد الانجاز.. اليوم نحن نعيش مصالحة حقيقية بين السلطة والشعب وان شاء الله هذه البرامج ستجسّد هذه المصالحة من خلال تحقيق إرادة الشعب وتحقيق مطالبه الثورية.